التسيير والتقنيات الحضرية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التسيير والتقنيات الحضرية
التسيير والتقنيات الحضرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الـتـهـيـئـة الـعـمـرانيـة في الجـزائـر.

اذهب الى الأسفل

الـتـهـيـئـة الـعـمـرانيـة في الجـزائـر. Empty الـتـهـيـئـة الـعـمـرانيـة في الجـزائـر.

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء نوفمبر 23, 2011 8:13 pm


الفصل الأول: سياسة التهيئة العمرانية في الجزائر.
إنّ تحليل سياسة التهيئة العمرانية في الجزائر يدفعنا لا محالة إلى استعراض تلك المراحل التي مرّت عليها، حيث أنّ الوضع السائد حاليًا يُنبِئُ عن وجود تداخل أشكال مختلفة من شَغل المجال. فقبل عهدة الاحتلال كان التنظيم المجالي مبنيًا على التضامن الإجتماعي و التكامل المجالي؛ ليمحيَ المستعمر هذا المنطق و يكيِّف عمرانا حسب ما تقتضيه ظروف الاحتلال لنصل سنة 1962 إلى عمران ريفي مدمّر، و نرث غداة الإستقلال قاعدة إقليمية مختلّة نجد فيها السهول الساحلية و مناطق الإستغلال المكثّف لسكان الأوربيين تتمركز فيها معظم الهياكل الأساسية هذا من جهة، و من جهة أخرى نجد باقي البلاد موزّع بين مناطق ذات استغلال فلاحي تقليدي، و الجهات المصدّرة لليد العاملة الفلاحية الجزائرية المهمّشة و الضعيفة. هذه الوضعية المزرية ألزمت على السلطات العمومية و الهيئات المختصّة وضع سياسة تفضي إلى تحكّم في المجال و شغله بطريقة عقلانية، نستعرضها من خلال مراحل و توجّهات هذه السياسة و الأدوات المستعملة فيها، و هذا في المبحثين الأول و الثاني، ثم نقيّم هذه السياسة و نستخرج سلبيّاتها في المبحث الثالث.
المبحث الأول: أهمّ مراحل سياسة التهيئة العمرانية و توجّهاتها.
بحكم أنّ الإختيارات الكبرى للبلاد لم تظل على وتيرة ثابتة، و إنّما لحقتها تغيرات متتابعة، فإنّنا سنستعرض أهم المراحل التي مرّت بها سياسة التهيئة العمرانية بالجزائر مبرزين خصائصها:
المطلب الأول: مرحلة 62 -78 سياسة التوازن الجهوي.
التوازن الجهوي: هو مبدأ ثابت في السياسة التنموية الجزائرية، يهدف إلى تحقيق العدالة الإجتماعية بين كافة أفراد الشعب، و ذلك عن طريق توزيع الدخل الوطني و توفير فرص الترقية بكيفية متساوية للجميع، و القضاء على الفوارق الجهوية الصارخة بين مختلف جهات الوطن، و بالخصوص بين مناطق الشمال و الهضاب العليا و الجنوب؛ و بين السهول و المناطق الجهوية؛ إنّ مبدأ التوازن الجهوي يعتبر عنصرا من المبادئ العامة للتنمية الوطنية حيث كان مرفوقًا بعنصر التأميم و تكوين القطاع العام.
و بظهور المخطّطين الرباعيين (1970-1973/1974-1977 ) تأكّد حقيقة و بصورة أوضح الإهتمام بإعادة التوازن الجهوي، و زيادة على مواصلة تنفيذ المشاريع الصناعية الكبرى و البرامج الخاصة خصّصت عمليات أخرى على المستوى المحلي، كالمخطّطات الولائية و المخطّطات البلديّة للتنمية و مخطّطات التجديد العمراني و غيرها.و إيضاحا لأهمّ الأعمال النجزة في تلك الفترة نذكر:
- البرامج الخاصة ابتداءًا من 1966 و هي برامج تتعلّق بعشر مناطق تتميّز بضعف الهياكل القاعديّة، و نسبة بطالة عالية، مع تزايد درجة النزوح نحو المدن الكبرى.
- برامج التجهيز المحلّي للبلديّات ابتداءًا من 1970 و ترمي إلى التنمية الصناعيةو الإقتصاديةو الفلاحية و التشغيل.
- الثورة الزراعية و برامج الـ1000 تجمّع سكني (villages) سنة 1970.
- المخطّط البلدي للتنمية PCD يهدف إلى تنظيم و تخطيط تغيير المدن بالربط مع التعمير و التصنيع.
- مخطّط العصرنة العمرانية PMU الذي بدأ تطبيقه في السداسي الثاني من سنة 1976(1).
و قد أعطت هذه الأعمال نتائج إيجابية مثل التقليص من الفوارق في ميدان الشغل و بالتالي في المداخيل و في ميدان التربية و تنمية الهياكل الأساسية و التجهيزات و الكهرباء و تطوير المدن الصغرى و المتوسطة.
المطلب الثاني: مرحلة 78-86 الإستعمال الجديد للتهيئة العمرانية.
انتهت المرحلة السابقة متميِّزة بخاصية أساسية تتمثل في نقص الهيئات المنصبّ اختصاصها في مجال شغل الإقليم و تهيئته، و التي من شأنها الوقوف أمام النّزوح الريفي و البطالة المنتشرة في مختلف المنشآت العمرانية؛ فظهرت ابتداءًا من سنة 1980 التهيئة العمرانية أكثر تأكيدًا و و جلاءًا عن طريق سلسلة من الإجراءات، فظهرت ضمن صلاحيات دائرة وزارية و ذلك بإحداث وزارة التخطيط و التهيئة العمرانية.
كما تأسّست سنة 1981 الوكالة الوطنية للتهيئة العمرانية (ANAT) التي كُلِّفت على الخصوص بإعداد المخطّط الوطني للتهيئة العمرانية (SNAT)، و من جهة أخرى صدر قانونان في نفس السنة يتضمّنان تعديلات و تتميمات لقانوني الولاية و البلدية ينصّان على صلاحيات الجماعات المحلية و يزوِّدانها بأدوات خاصّة كالمخطّط الولائي للتهيئة و نظيره البلدي و سيأتي الكلام عليهما في موضعه.
و تزوّدت التهيئة العمرانية أيضًا سنة 1987 بالقانون المتعلّق بالتهيئة العمرانية الذي يوضّح أدواتها على المستويين الوطني و الجهوي، و يحدّد اتّساقها و تناسقها(2).
المطلب الثالث: مرحلة 86-94 إنحطاط السياسة المجالية.
كانت سنة 1986 بداية دخول الجزائر في أزمتها على مختلف المستويات ( الإقتصادية، الدبلوماسية، المالية، و الأمنية)، فأمام أزمة مالية نجمت عن انخفاض سعر البترول و زاد من حدّتها تقلّبات سعر الدولار، لم للدولة خيار سوى الإنسحاب و التخلِّي عن كلّ عمليات التخطيط المجالي و التهيئة العمرانية.
و برزت تبعات و نتائج ذلك على الحالة الراهنة للإقليم فيما يخصّ تجهيزه و النشاطات التنموية التي أُنجزت من الإستقلال إلى تلك الفترة، و عليه ظهرت محدودية مساعي التنمية، و اثّر غياب سياسة التهيئة العمرانية سلبيًّا، حيث أفضى ذلك إلى ظهور اختلالات على المستوى الإقليمي و السكّاني.

(1) Cherif Rahmani :La croissance urbaine en Algérie - OPU - 1982 - P229.
(2) القانون 87-03 المؤرّخ في 27-جانفي-1987 المتعلّق بالتهيئة العمرانية، ج ر 05.
المبحث الثاني: أدوات التهيئة العمرانية و التعمير.
كانت سياسة التهيئة العمرانية في بداية الثمانينات مجرّد تصوّرات محدّدة في المخطّطات الوطنية، و لم يكن في الحسبان أنّها ستدخل حيِّز التطبيق إلاّ بعد صدور نصوص قانونية تضفي عليها الطّابع التنظيمي، و بالفعل فقد عرف شغل المجال صدور أهمّ قانونين يحدِّدان أدوات التهيئة العمرانية، نتعرّض لهما في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: حسب القانون 87-03 المتعلق بالتهيئة العمرانية.
يهدف هذا القانون إلى تحديد القواعد العامة الرامية إلى تنظيم إنتاج الأراضي، و الموازنة بين وظائف السكن و الفلاحة و الصناعة و وقاية المحيط و الأوساط الطبيعية و مجالات أخرى أدرجها القانون، و ذلك على أساس إحترام مبادئ و أهداف السياسة الوطنية للتهيئة العمرانية؛ و حسب ما جاء فيه فهناك ثلاثة (3) أنواع من المخطّطات:
1- المخطّط الوطني للتهيئة العمرانية(SNAT):
يُعتبر المخطّط الوطني للتهيئة العمرانية المادّة الأساسية و الخام المشكّلة لهذا القانون، حيث يجسّد الإختيارات المحددة بخصوص تهيئة المجال الوطني و تنظيمه على المدى الطويل و ذلك في آفاق 2010 2025، فطُرحت من خلاله ملفات متعلّقة بالديمغرافية، الموارد الطبيعية، النشاطات الإنتاجية، المنشآت القاعديّة و البيئة؛ و يشكّل الإطار الإستدلالي لتوزيع الأعمال التنموية و توزيع أماكنها، فهو إذن بمثابة أداة استراتيجية لتطبيق مبادئ التهيئة العمرانية، و بهذا فهو يدمج بصفة إلزامية الأهداف المحدّدة للتنمية الإقتصادية و الإجتماعية.
إنّ هذا المخطّط يحدّد المقاييس التالية و ذلك اعتمادا على الأهداف الأساسية الموكلة إليه:
- الشغل العقلاني للمجال الوطني.
- وضع قنوات للهياكل القاعدية بصفة منسّقة و تعيين التجهيزات الكبرى.
- توزيع المخطّطات المعدّة للسكان، و الأنشطة الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية.
- تقييم الإستغلال العقلاني للموارد البشرية.
- حماية التراث الإيكولوجي و الثقافي و التاريخي الوطني.
و في هذا الصدد فإنه يحدد البرامج و النشاطات الكبرى بفترات زمنية تتناسب و المجال التخطيطي الوطني، و يحدد سلّم الأولويات و تخصيص الموارد النادرة و غير القابلة للتّجديد، كما يحدّد توجيهات التنمية و التهيئة على المستوى الجهوي.
2- المخطّط الجهوي للتهيئة العمرانية(SRAT):
هو أداة التطبيق المباشرة لتجسيد توجيهات المخطّط الوطني، حيث يتولّى في حدود مجاله شرح و توضيح التوجيهات و المبادئ المقرّرة في الوطني، و يُحدّد بنفس الإجراءات التي يحدد بها SNAT، و يتكفّل بالتنمية الجهوية عاملا على تبسيط و تكييف أعمال التهيئة العمرانية الواردة ضمن الخطّة الوطنية قصد القضاء التدريجي على الفوارق الجهوية، و تشجيع التنمية و التكامل ما بين الجهات.
و يعمل المخطّط الجهوي على تنمية المجالات التالية:
- قواعد التنسيق الزمنية للتنمية.
- تحديد مساحات التعمير لمختلف التجمّعات الحضرية و تلك المتواجدة في الأراضي الخصبة.
- الصبغات المجالية الرئيسية و ذلك حسب القيود الطبيعية، و كذا المحاور الإنمائية كالهياكل القاعدية و مناطق الأنشطة الإقتصادية و مخطّطات استعمال الموارد الطبيعية.
- الأنشطة الواجب تنميتها لإعادة توازن الجهات.
3- مخطّطات التهيئة المحلّية: هي على نوعين
أ\ مخطّط تهيئة الولاية (PAW): حسب توجيهات و مبادئ كل من المخططين الوطني و الجهوي تقوم كل ولاية بإعداد مخطط تهيئتها. حيث تبادر بذلك الإدارة بالتشاور مع الأعوان الإقتصاديين و الإجتماعيين للولاية و مجالس المداولة بالولاية و البلديات و ممثلي الجمعيات المهنية.
يهدف المخطط الولائي للتهيئة إلى توضيح التوجهات المعدّة في المخطط الجهوي و شرحها فيما يخصّ الإقليم الذي تشغله، بإدخال التوجهات الخصوصية لكل مساحة من التخطيط بين البلديات التي تهيكل الولاية، فهو يوضح و يضبط:
- التوجهات البلدية الرئيسية.
- توجيهات التنمية و الأعمال الواجب القيام بها من أجل إعادة التوازن لتوزيع الأنشطة و توطين السكان.
- تنظيم الهياكل الأساسية و مناطق الأنشطة الإقتصادية أو الخاصة بالإستصلاح.
- قواعد التماسك القطاعي و الزمني لتطوير الولاية من خلال علاقتها مع المخطط الجهوي.
هذا علاوة على لزوم احتواء المخططات الولائية للإنسجام بين البلديات و ذلك لفائدة التنمية المنسقة و المتكاملة للولاية من خلال تحديد التوجهات التنموية و الديمغرافية لمختلف البلديات، ويعتبر إقليم كل ولاية أيضا، مجالا لتثمين نَوْعِي لهذا الإنسجام على مستوى الخدمات العمومية خاصة التي تهمّ السكان مباشرة و التي ينبغي تكييفها ابتداءا من هذا الصعيد مع التوزيع و مع خصوصيات هؤلاء السكان.
ب\ مخطّط تهيئة البلدية (PAC): إن البلديات باعتبارها جماعات قاعدية هي المجالات التي ينبغي أن تفضي إليها و تتجسد فيها السياسات التي تحملها التهيئة العمرانية بمختلف أشكالها، و التي من بينها نوعية إطار الحياة، و العدالة الإجتماعية، و انخراط المواطنين باعتبارهم الصانعين للتنمية و المستفيدين منها.
و عليه كان مخطط تهيئة البلدية الخلية الأساسية لتطبيق السياسة الوطنية للتهيئة العمرانية بالمخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير و مخطط شغل الأراضي المحدّدان بموجب القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة و التعمير.

المطلب الثاني: حسب القانون 90-29 المتعلّق باتهيئة و التعمير.
نصّ هذا القانون في فصل خاص من المادة العاشرة (10) إلى المادة الثانية و الأربعين (42) و المعنون بأدوات التهيئة و التعمير، على إيجاد أداتين رئيسيّتين في سبيل تحقيق ذلك هما المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير، و مخطط شغل الأراضي، و تفصِّل كل هذه المواد فيها على النحو الذي نجمله فيما يلي:
1- المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير(PDAU): هو وثيقة تعرّف بأهداف التهيئة، و يهدف إلى صياغة صورة مجالية تسمح بتطبيق سياسة عامة على إقليم البلدية، و كذلك تشمل تقدير الإحتياطات في شتى المجالات الإقتصادية و الإجتماعية لفترة تتراوح مدّتها في 20 سنة بعد إعداده، فهو بذلك وثيقة مستقبلية للتنبّؤ و توجيه التهيئة، و توسّع التجمعات السكانية، كما يحدّد التوجيهات العامة للأراضي، فهو يقسم المنطقة إلى قطاعات محددة كما يلي:
أ- القطاعات المعمّرة: و تشمل كل الأراضي المبرمجة للتعمير على الأمدين القصير و المتوسّط.
ب- قطاعات التعمير المستقبلية: و هي الأراضي المخصّصة للتعمير على الأمد البعيد.
ج- القطاعات غير القابلة للتعمير: كالمواقع الأثرية، المناطق الفلاحية، حماية الثروات الطبيعية و الغابات.
و تكمن أهمية المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير كونه الوثيقة المرجعية الملزمة لكل الهيئات المتواجدة في إقليم البلدية و حتى الجهة المُعدّة له و هي البلدية؛ فهو المقسّم للعقارات على تراب البلدية و بذلك فإنّ إنشاء المخطط بمثابة تعريف للأملاك العقارية و طبيعتها، و كذا تعريف بطرق استعمالها تفاديًا للنمو العشوائي، و الإستغلال اللاعقلاني للأملاك العقارية داخل حيّز البلدية، و توفيرا لاحتياطات المواطنين الأساسية داخلها.
إنّ المخطط التوجيهي للتهيئة و التعمير هو تحديث لمخطّط العمراني التوجيهي (PUD) و يتوجّب عند إعداده مراعاة المخطط الوطني و الجهوي للتهيئة العمرانية.
2- مخطط شغل الأراضي (POS): يجب أن تكون كل بلدية مغطاة بمخطط شغل الأراضي، فهو الذي يحدّد حقوق استعمال الراضي و البناء عليها، و يبيّن الشكل العمراني و حقوق البناء و كذلك استعمال عند الأراضي يحدد طبيعة و أهمية البناءات، كما يحدد القواعد المتعلقة بالمظهر الخارجي للبناءات، و يبين كذلك هذا المخطط الأراضي الفلاحية، و الإرتفاقات و الطرقات و المناطق الأثرية الواجب حمايتها.
يحتوي المخطط على لائحة تنظيم و المتضمّنة لما يلي:
- مذكّرة تقديم يثبت فيها تلاؤم أحكام المخطط التوجيهي كذلك المعتمدة للبلدية المعنية تبعا لآفاق تنميتها.
- جانب القواعد التي تحدد لكل منطقة متجانسة و مع مراعاة الأحكام الخاصة المطبقة على بعض أجزاء التراب(1)؛ من حيث نوع المباني المرخّص بها، و حقوق البناء المرتبطة بملكية الأرض التي يعبر عنها معامل شغل
(1) الفصل الرابع من القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة العمرانية و التعمير، المؤرخ في 01مبر 1990، ج ر 52
الأراضي و معامل مساحة ما يؤخذ من الأرض مع جميع الإرتفاقات المحتملة.
يحدد معامل شغل الأراضي في هذه الحالة العلاقة بين مساحة أرضية مع خالص ما يتصل من البناء و مساحة قطعة الأرض.
و يحتوي مخطط شغل الأراضي على دقائق بيانية تتضمّن مخطط بياني للموقع؛ مخطط طوبغرافي؛ خريطة تبين الكواسر التقنية لتعمير التراب المعني مصحوبة بتقرير تقني؛ مخطّطُ الواقعِ القائمُ الذي يبرز الإطار المشيّد حاليا و كذلك الطرق و الشبكات المختلفة و الإرتفاقات الموجودة؛ مخطط تهيئة عامة (يحدد المناطق المتجانسة و موقع إقامة التجهيزات، المساحات الواجب الحفاظ عليها نظرا لأهميتها)؛ و مخطط التركيب العمراني.
و للإشارة فإنه لا يمكن مخطط شغل الأراضي مراجعة جزئية أو كلّية بعد المصادقة عليه إلاّ للأسباب التالية(1):
- عدم إنجاز مخطط شغل الأراضي في الأجل المقرّر لإتمامه، سوى 1/3 من البناء المسموح به من المشروع الحضري، أو البنايات المتوقعة في التقدير الأولي.
- إذا كان الإطار المبني في حالة خراب أو في حالة من القدم تدعو إلى تجديده.
- إذا كان الإطار المبني قد تعرض لتدهورات ناتجة عن ظواهر طبيعية.
- إذا طلب ذلك و بعد مرور 5 سنوات من المصادقة، أغلبية أملاك البنايات البالغين على القل نصف حقوق البناء التي يحددها مخطط شغل الأراضي الساري المفعول.

(1) المادة 37 من القانون 90-29 المؤرخ في 1 ديسمبر 1990 و المتعلق بالتهيئة العمرانية و التعمير.
المبحث الثالث: نتائج و سلبيات هذه السياسة.
رغم توجّهات تلك السياسة المنتهجة خلال ما يقارب الأربعة عقود، إلاّ أن المظاهر و الإشكالات الحالية لتهيئتنا العمرانية لا تعكس إلاّ تعقيدات مختلف أنماط شغل المجال التي تتابعت عبر الزمن، و سنبيّن هذه السلبيات من خلال المطلبين المواليين.
المطلب الأول: نقائص التوجّهات و تطبيقها.
فيما يتعلق بمرحلة التوازن الجهوي؛ فالنقائص تتمثل في محدودية الأعمال المطبقة على السلم الزمني فلم يكن لها تأثير ملموس على الخريطة الإقليمية، و الصورة التي تقدمها نتائج الإحصاء لعام 1977 خير دليل في هذا الشأن، فالفوارق بين الشريط الساحلي و باقي البلاد تزداد هوّتها، و حركات نزوح هامة باتجاه المدن انجر عنها عمران فوضوي و زاد المشاكل الحضرية تعقيدا و حدّة.
فصرنا نشهد تبديدًا أكثر لأحسن الأراضي الزراعية التي استهلكت لفائدة العمران غير المراقب و إيجاد مواقع للوحدات الإقتصادية التي خطّطها القطاع تخطيطا عموديًّا.
أما عن فترة الإستعمال الجديد للتهيئة العمرانية، فقد وُضعت قوانين و صلاحيات تتعلّق بالتهيئة العمرانية، إلاّ أنها لم تتبع بالنصوص الأساسية التطبيقة، و هكذا لم يتمّ تحديد إطار الإعداد و كيفيات اعتماد المخطط الوطني و المخططات الجهوية للتهيئة العمرانية، ولا الأدوات القانونية المحلّية طبقا لما ينص عليه القانون.
فظهرت محدودية تطبيق القرارات المنصبّة في التهيئة العمرانية للأسباب التالية:
- عدم استقرار مهمة التهيئة العمرانية و ربط عملياتها المتعاقبة بعدة سلطات وزارية(التخطيط، الإسكان...)
- إجراءات التخطيط مطبوعة بثقل القرار المركزي، و التي أحالت ضرورات التهيئة العمرانية إلى درجة ثانية.
- إعطاء الأولوية للنظرة القطاعية في التخطيط دون تولي الإهتمام بواجب التناسق إزاء التوجهات المحلّية.
- تفضيل التنمية القطاعية على حساب الجانب المجالي يؤدّي إلى التضحية بالنظرة طويلة الأمد لتحقيق نتائج في الأمد القصير.
و بالنسبة لمرحلة إنحطاط السياسة الترابية، ففيها برز تفكّك الأقاليم، و معانة الضواحي من التهميش وانعدام الأمن، و الأخطر من ذلك، أن مناطق شاسعة ريفية و جبلية (كانت لا تزال تواجه متطلّبات العيش والنزوح) تبيّن بوضوح مدى حدود نموذج التنمية القطاعية المعمول به إلى ذلك العهد و ضخامة التصدعات الإقليمية المترتبة عن حالات الفشل هذه، و لا سيما تفاقمها في الأعوام الأخيرة الناجم عن انسحاب الدولة من الميدان و عن عدم تنظيم الإقتصاد و ضبط وتيرته.
مم ترتب عن ذلك الوصول في مرحلة 1994-2000 إلى "وضعية معقدة"، حيث أن ما ينبئ عن عدم اتخاذ المسار الصحيح ذلك التعمير الفوضوي، و الإستهلاك اللاعقلاني للأراضي و بشكل فوضوي أيضا، فالأراضي التي أدخلت ضمن الإحتياطات العقارية قد استهلكت و منحت على شكل قطع للبناء، و ذلك راجع لعدم فاعلية الرقابة و احترام قواعد البناء، و لم تكن هذه التجاوزات حكرًا على الخواص (ببناء السكنات الخاصة على هوامش القواعد و التنظيمات) بل شارك عدد من الهياكل و المؤسسات العمومية في الوصول إلى هذه النتيجة.
المطلب الثاني: الإختلالات المتعلقة بالإقليم و التعمير.
1- الإختلالات الإقليمية:
خلّف المستعمر بعد خروجه، و حسب ما جاء في إحصائيات 1966 حظيرة عقّارية يتوزّع فيها السكان على النسب التالية:
- 67% من مناطق التل تضمّ 11800000 نسمة، 25% الهضاب العليا، و 8% للجنوب.
- بالنسبة للجزائر العاصمة وحدها فهي تضمّ 960000 نسمة.
و لم تؤخذ هذه الإختلالات في عين الإعتبار عند وضع سياسة شغل المجال الأمر الذي يفسّر ضياع التنمية القطاعية و عدم تناسقها؛ فكانت لها آثار إقصائية للمنافع تهيئة الإقليم و حماية البيئة، و أفضت في النهاية إلى تدهور تغطية المنشآت القاعدية و توزيع النشاطات الصناعية، و على سبيل المثال نبيّن الإختلال القطاعي سنة 1987:
- مناطق الشمال بمتوسط 28.8 وظيفة في قطاع الصناعة لكل 1000 نسمة.
- مناطق الهضاب العليا بمتوسط 16.2 وظيفة في قطاع الصناعة لكل 1000 نسمة.
- مناطق الجنوب بمتوسط 18.8 وظيفة في قطاع الصناعة لكل 1000 نسمة.(1)
2- الإختلالات المتعلقة بالتعمير:
إضطربت وضعية التعمير في الجزائر نتيجة المسار الخاطئ لسياسة شغل المجال، و المنعدم فيها التخطيط العقلاني العملي، فعرفت عشرية 1966- 1977 أكبر تيارات النزوح و الإنتقال نحو المركّبات الصناعية على المناطق الساحلية (عنابة، وهران، الجزائر...)، و قد زاد ثقل هذا الإختلال سنة 1987 ممّا هدّد موارد المنطقة التل بشكل خطير؛ و نبيّن في الفصل الموالي واقع و تأثير هذا التعمير في الجزائر.

(1) تقرير اللجنة الوطنية لخبراء الجزائر 2005، أفريل 2003.


الفصل الثاني: واقع التعمير في الجزائر.
كان يغلب على الشعب الجزائري عقب الإستقلال الطابع الريفي، و بقي كذلك حتى سنة 1966 أين ارتفع معدّل التعمير- نسبيا- فيسجل 31.4%، و لم تُصنّف ضمن البلديات الحضرية سوى 95 بلدية حسب مقاييس المحافظة الوطنية لإحصاء السكان سابقا.
و إثر محاولة الدولة في عشرية 66-77 رفع المستوى الإجتماعي، فقد شهدت هذه الفترة عملية نزوح ريفي اتّجاه المدن بحجم كبير وصل إلى 1.7 مليون ريفي بمعدّل 130000 في العام(1).
و سنتعرض إلى التعمير بالجزائر بعرض مفهومه و تكيّفه على الواقع؛ ثم نتائجه على مختلف المستويات.
المبحث الأول: إقترابات و مفاهيم التعمير.
للتعمير اقترابان أساسيان يتمثّلان في الإقتراب النوعي و الجهوي، نتعرّض لهما كلاّ في مطلب مستقل، بعد توضيح مفهوم التعمير في المطلب الأول.
المطلب الأول: التعمير و مفهومه.
إن التعمير هو أداة لتحسين الشكل العمراني و عملية تخطيط و تنظيم تندرج في هذا الإطار، و هو يرتكز على التنبّؤات و التقديرات المبنية على الأساس الديمغرافي و السوسيولوجي، حيث أن هذا الأساس مرتبط بتلبية الحاجات المتزايدة للسكان نتيجة النمو الديمغرافي هذا من جهة، و من جهة أخرى يُبنى على الأساس الإقتصادي، لارتباط النشاطات الإقتصادية بالأساس الأول، و لارتفاع معدل العمالة و مجالية خطوط التوسع الجغرافية للمدينة و إشكال شغل الأراضي.
فالتعمير كمفهوم نظري هو مجموع العمليات المركزة و الهادفة إلى تنظيم السكان و النشاطات (المنشآت التجهيزات و وسائل الإتصال على مستوى الإقليم)؛ إذن فالتعمير عملية إدارية تقوم بها السلطات العمومية التي تفترض تخطيط المجال و تعبئة الفواعل ( السكان، المؤسسات، الجماعات المحلية و الإدارية) إذن التعمير هو فن و تقنية أكثر منه علم، لكن للتذكير فهذا من جانبه النظري المجرّد.
إن القانون 90-29 المؤرخ في 01 ديسمبر 1990 المتعلق بالتهيئة العمرانية و التعمير أشار إلى مصطلح التهيئة و التعمير في مادته الأولى و تحديد القواعد العامة الرامية إلى تنظيم إنتاج الأراضي القابلة للتعمير و التكوين و تحويل المبنى في إطار التسيير الإقتصادي للأراضي، و الموازاة بين وظيفة السكن و الفلاحة و الصناعة، و أيضا وقاية المحيط و الأوساط الطبيعية و المناظر و التراث الثقافي، على أساس احترام مبادئ و أهداف السياسة الوطنية للتهيئة العمرانية.
لقد تمّ الإشارة في المادة الأولى السالفة الذكر على مصطلح التهيئة العمرانية و الذي يشير إلى الوسيلة المثلى، التي تضمن للدولة التوزيع العقلاني للقوى الإنتاجية و الموارد الطبيعية على مستوى الإقليم، و هذا يأخذ بعين الإعتبار احتياجات السكان و توزيعهم، و في هذا الإطار التهيئة العمرانية تعمل على توفير كلّ الوسائل (1) سيأتي في المطالب اللاحقة تدقيق الإحصائيات و المعطيات في جداول خاصة.
العلمية الضرورية لتنمية المجال الإقتصادي و الإجتماعي، و بالتالي فإنّ الاستراتيجية التي تشكلها التهيئة العمرانية من الصعب إدراكها و إدراك معالمها إلاّ من خلال آفاق طويلة الأجل وهذا يقتضي أهدافا عديدة و متشعبة و هي كالآتي.
- إنشاء مناطق النشاط الإقتصادي أو ما يسمى ببعث النظرية المكانية في اختيار المكان المناسب للنشاط الإقتصادي.
- توزيع فروع النشاط الإقتصادي على كل التراب الوطني من أجل تحقيق تنمية جهوية متوازنة و شاملة للإقليم الوطني.
- تفادي و تصحيح كل الأخطاء التي قد تكون وقعت عند عملية تحديد الأهداف الإقتصادية.
الـمـطـلـب الـثانـي: الإقـتـراب الـنـوعــي.
عُرفت الزيادة السريعة في التعمير بالمناطق الحضرية في العشريات الثلاثة العاقبة للإستقلال، فبالنسبة للتجمّعات السكانية (Agglomérations) التي يزيد عدد السكان فيها عن 60000 نسمة فقد تضاعف عددها من 13 إلى 29 في عشرية 66-77.
و حتى المدن ذات أزيد من 100000 نسمة فقد تضاعف عددها إلى ثلاث مرات فانتقل من 4 إلى 11 مدينة تترتب حسب نسبة السكان على النحو التالي: الجزائر، وهران، قسنطينة، عنابة، البليدة، سطيف، سيدس بلعباس، باتنة، سكيكدة، شلف، مستغانم؛ لتتعدى سنة 1990 الثلاثين (30) مدينة. و توسع الجزء الأكبر من الشبكة الحضرية توازيا مع التنمية الحاصلة في الحواضر الكبرى (Métropoles) و المدن المتوسطة.
إكتظاظ و تمركز فائقان في الشمال:
إن التحكم في حركة التعمير من خلال توزيعها على التراب الوطني هو الأداة الأساسية لإعادة توازن الإعمار؛ و هذا الجانب لم يجد التقييم الكافي في مراحل التنمية السابقة، أو أنّ نصيبه فيها كان الإهمال و الإغفال، و لذلك كانت الإختلالات الصارخة التي حاقت بحركة التعمير و بالهيكل الحضري في البلاد، متجلّية بشكل أوضح في توزيع المدن الكبرى.( و هذا جدول للمدن التي يفوق سكانها 100000 نسمة سنة 1987 )

التعمير في البلديات الواقعة في ضواحي الحواضر الكبرى:
إنّ توزيع أعداد الحضريين الجدد بين المدن الكبرى و المجمّعات السكنية الأخرى التابعة لمساحات كل منها، يجسّد بالأرقام مدى ثقل الإنصبابات التي حصلت على محيط كل حاضرة من الحواضر المختلفة، و مدى الخطر الذي تمثّله العملية على الأراضي الفلاحية ذات القيمة.
و تلك النتائج تخفي مدى التهديد الحقيقي الذي تتعرّض له الأراضي الفلاحية، لأن نمو الضواحي المعروفة بالضواحي الثانوية و انبساطها على حساب الأراضي الزراعية ما يزال مذهلاً.
الـمـطـلـب الـثـالـث: الإقـتراب الجـهـوي للـتـعـمـيـر.
يبين تحليل وضعية التعمير الجهوية الثقل الذي تفرضه ثلاث (3) ولايات هي الجزائر، وهران، قسنطينة، من بين ال48 ولاية، و يفسر هذا الثقل بالحجم و الموقع الذي تشغله هذه الحواضر الكبرى، فالجزائر العاصمة لوحدها تستحوذ على 10% من مجموع سكان الإقليم الوطني، و على 22% من إجمالي السكان الحضري.
تطور التعمير حسب الجهات (وسط، شرق، غرب)بالنسب المئوية لعشرية 66-77:
المناطق أو المدن التي تحوي على شرق وسط غرب
أكثر من 100000 نسمة 93% 73% 52%
أقل من 100000 نسمة 51% 129% 63%
المدن الصغيرة 126% 214% 77%
من خلال هذه البيانات يتبين أن جهة الوسط عرفت تزايدا سريعا جدًا فيما يتعلق بالمدن الصغيرة (214%)، في حين يسجَّل على الغرب زيادة بطيئة، مقابلة مع الجهة السابقة و حتى جهة الشرق التي بدورها شهدت تزيدا سريعا كذلك (126%).
1- جهة الوسط:
عرفت هذه الجهة خاصة نسبة تعمير عالية نظرًا لقوة الجذب التي تتمتع بها بلديات هذا الجزء الحضري، مع اجتماع عدّة عوامل أخرى كـ:
- القرب من مدينة العاصمة التي تجلب نسبة يد عاملة هامة.
- تعددية النشاطات و المهن و الصناعات.
- الثورة الزراعية و خصائص منطقة متيجة.
و بالتوازي شهدت منطقة تيزي وزو تصاعدا سريعا في التعمير، بسبب البرنامج الخاص 1970 و جهود التصنيع المتواصلة؛ منطقة المدية هي الأخرى سُجِّل فيها الزيادة في التعمير بسبب تزايد الصناعات و خاصة التقليدية منها (صناعة الأحذية، الأقمشة).
2- جهة الغرب:
تعدّ درجة التعمير فيها ضعيفة خاصة بمنطقة التل الغربي، عدى منطقة حوض معسكر و سعيدة التي تعرف سرعة التعمير، حيث تُقدّر نسبة الزيادة الطبيعية بالتل الغربي بـ 23%، و قد عرفت هذه المنطقة مرحلتين زمنيتين:
- مرحلة الركود في التعمير قبل 1972.
- مرحلة 1972 و ما بعدها التي سجلت فيها فتح مجال التصنيع (الزراعة الصناعية بـ: بلعباس؛ سيق؛ محمدية؛ و الصناعة البتروكيماوية بالساحل)
أمّا عن التل الشرقي (لجهة الغرب دائما) فهي على عكس السابقة، في تزايد مستمر للتعمير، فمستغانم مثلا 35%، غيلزان 40%.
و تجسّدت الزيادة بمنطقة حوض معسكر و سعيدة من جراء الجهود الإستثنائية للبرامج الخاصة، وهذا رغم بقاء الريفيين بأقاليمهم نظرا لتمسكهم بنشاطهم التاريخي و الرئيسي المتمثل في الفلاحة.

3- جهة الشرق:
عرفت نسبة تعمير عالية خاصة بالمناطق المطلة على البحر مقارنة بالأجزاء الأخرى، فعنابة 65%، سكيكدة 50%، و شهدت باقي المناطق الساحلية نفس وتيرة الزيادة من جراء قوة النزوح الريفي، و برامج التصنيع بجهة الشرق عامة.
بالنسبة لولايتي جيجل و بجاية فقد سجلتا زيادة في التعمير متوسطة بـ 37% في جيجل و 47% في بجاية؛و بسبب النزوح الريفي من جهة و جهود التجهيز المحلي و الجهوي سجلت الزيادة بقالمة 55% و تبسة بـ 48%.
إن هذا الإختلال و عدم التوازن في الشبكة التعميرية يضم في طيّاته استحالة التحكم بهذه الظاهرة، لا من حيث الرِّثْم، و لا من حيث مجال التعمير الذي عرف توزيع غير متناسق مبني على أساس النشاطات المقامة.

المـبـحـث الـثــانـي: نـتـائـج التـعـمـيـر فـي الجـزائـــر.
أثّرت ظاهرة التعمير على عدة ميادين، و خلفت نتائج تشتمل على طرفي نقيض في آنٍ واحد؛ فهناك نتائج آنية(راهنة) وأخرى مستقبلية، منها المباشرة و غير المباشرة؛ مادي و غير مادي، نتعرض لها بالتحليل في مطالب المبحث التالية.
الـمـطـلـب الأول: الـنـتـائج الاقتصاديـــــــة.
تنصب أساسا في عامل التكاليف، فقد تسببت تلك الأخطاء المسجلة على ديناميكية التعمير- و المتعرض لها في المبحث السابق- في تعدّد أنواع التكاليف؛ فإشكالية هذه الأخيرة المتصلة بالإقليم تستمدّ أسسها من إقترابين:
- إقتراب للتكاليف من حيث أنها موجهة إلى حماية، تثمين و تقسيم الإقليم أو المحيط، فهذه تعتبر تكاليف صيانة و استرجاع إنتاجية الإقليم.
- إقتراب للتكاليف من حيث أنها موجهة إلى عمليات التحويل أو الارتفاق، فهي تكاليف الاستخدام.
إن تكاليف الحماية تساهم في الحفاظ على المحيط المعاشي و النشاطات التي يمكن أن تهدّد أو تتعرض لحالة عدم الإستقرار من جراء ثقل التمركز السكاني في مناطق معينة و الإسراف في استهلاك الموارد الطبيعية.
و تكاليف التثمين تظهر من خلال عمليات إنجاز الأسس القاعدية، بينما وُجدت تكاليف التقسيم لمواجهة مختلف مشاكل تدهور المجال من جراء التلوث.
بالنسبة لتكاليف التحويل، فهي مخصصة لفائدة الأراضي المهملة و التي لم تعد لها فائدة إنتاجية، لبعث النشاط فيها أو إنجاز الإستثمارات أو دفع المشاريع المتوقفة منها.
أما عن تكاليف الإرتفاق فهي الأكثر كلفة كونها توجه أساسا إلى إنشاء مناصب شغل، و كذلك المنشآت القاعدية الكبرى (التعليم، الصحة،...)
الـمـطـلـب الـثـانـي: النـتـائـج الإجـتـمـاعـيـة و الـثـقـافـيـة.
1- على الصعيد الإجتماعيّ:
إن ثقل أطوار التعمير التي شهدتها الجزائر منذ الإستقلال كانت السبب الرئيسي في التغيرات الإجتماعية المتنوعة، فتظهر حركية إجتماعية ترفق التغيرات المنصبة في إرساء النشاطات محليا و على أساس مختلف شروط الحياة بين كل من الريف و المدينة.
و على مستوى التشغيل و توزيع الموارد، الفوارق الحاصلة بين الجهات و بين القطاعات هي من نتائج الإقصاء و البرامج الموضوعة و التي باءت- في أغلب الأحيان- بالفشل.
و قد أفضت التضحية بالفلاحة و النشاطات و المهن التقليدية التي يدور مدارها حول ظروف الريف إلى تفاقم نسبة البطالة و تدهور وضعية المناطق الريفية.
2- على الصعيد الثقافي:
حيث كان لإستمرارية التعمير و الحركية السكانية انعكاسات إجتماعية-ثقافية خاصة البارزة منها كـ:
- تراجع الثقافة التقليدية الريفية أكثر فأكثر.
- الميل إلى أخذ ثقافات مستوردة على حساب الثقافة الوطنية المدنية، سقطت و زالت من خلالها القيم التقليدية.
- إنتقال طابع المعاش الريفي إلى المدن بالنسبة للسكان الجدد المعتادين الحياة المعاشية شبه البدائية.
- و هيمنة الثقافات الجهوية خاصة في المناطق ذات التمركز السكاني العالي، و ما ينجم عنه من وجود فوارق ثقافية داخل المجتمع.
الـمـطـلـب الـثـالـث: النـتـائـج عــلـى الـبـيـئــة.
مجموعة من المشاريع الكبرى تماشت مع تزايد الظاهرة العمرانية، كتلك المنطلقة في عنابة، سكيكدة، أرزيو...إلخ..، لكن المشكل أنها لم ترفق بسياسة تهيئة إقليم تدرجها ضمن المسار الصحيح و العقلاني، فكان لها تأثير على المحيط و الطبيعة بالسلب. هذا بالرغم من البرامج الوقائية التي وُضعت سنة 1970، كبرامج إعادة التشجير، و برامج المحافظة على المياه الباطنية، أعمال الحدّ من التصحّر.. وغيرها، كما لا يفوت التنويه على الأعمال التي تطرح في هذا الإطار من الجانب التشريعي و المتعلقة بحماية البيئة
و تواجه الجزائر اليوم مشاكل معقدة فيما يخص مسألة البيئة تحوم حول النقاط التالية:
- تدهور الموارد الطبيعية (الأراضي، المياه) من جراء الإستنزاف الصارخ لها من طرف حركات التعمير الحادثة.
- تلوث المياه و التي من ضمنها تلك الموزعة للاستهلاك المباشر، من جراء تسارع عجلة التصنيع، و التخلّص من المياه القذرة دون معالجة مسبقة لها و بشكل مستمر.
- تقهقر المحيط الذي يفضي إلى وضعية معاشية مزرية يرجع سببه إلى المسار الخطـىء في شغل الإقليم و التسيير المتردّي لحركة التعمير في المدن.
و من أبرز ما يقف من وراء هذه الحالة الخطيرة لبيئتنا الإهمال في احترام و تطبيق قواعد التهيئة العمرانية؛ انعدام سياسة واضحة في تطهير أو تنقية المياه القذرة، و غياب مراقبة مراكز التنقية الموجودة؛ وغياب الدولة على الميدان الذي جعل من النصوص القانونية المتعلقة بحماية البيئة مجرّد شعارات لا تُطبَّق.

الفـصـل الثـالـث: بوادر التجديد و إدراج البعد التنموي.
تفاديا لكل انحراف عن المسار الصحيح للتهيئة العمرانية، و عملا على عدم تبديد الجهودات سدى، لزم وضع قواعد تسيير صارمة من أجل تجنيد و توجيه الموارد المالية و الطبيعية و البشرية؛ و عليه فإنّ الدولة بصفتها الضامن لديمومة المؤسسات و سلامة التراب الوطني و التماسك و الإستقرار الإجتماعيين، عليها أن تسطّر سياسة جريئة للتهيئة العمرانية تتلاءم و آليات إقتصاد السوق من جهة، و تكيِّف فيها تدخلها الدائرة بين التحفيز و الردع، و بين التمويل و التقنين و التنظيم من جهة أخرى.
الـمـبـحـث الأول: الإنـشغالات الـحاليـة و مـستـجـدّات الـقـانـون 01-20.
إن الوضعية الحالية لترابنا الوطني تترجم على مستوى تجهيزها و نشاطاتها المطورة أو المحدثة منذ الإستقلال مجهودات تنموية أكيدة ذات نتائج معتبرة من الناحية الكمية؛ و إنْ كان جزء منها قد أخفي بنتيجة النمو الديمغرافي الحاد أو بسبب الأزمة الإقتصادية التي أبطأت منذ 1987 عمليات التنمية نفسها و خاصة في مستوى توفير مناصب الشغل و الإستثمارات.
المـطـلـب الأول: التـوجـهـات الـكـبـرى لمـا قـبل 2000 و مـا بعدهـا.
كما كان مسطرا له، فإنه "طرأ على المسار الاستراتيجي للتهيئة العمرانية إدراج عدة عوامل، أو على الأقل التركيز عليها"، و التي بحكم فاعليتها و ثقلها من شأنها أن تلعب الدور التصحيحي لسياسة شغل المجال بالجزائر، فمن هذه العوامل:
1- مراجعة الإطار القانوني:
إن عمليات الضبط و التعديل التي تخص هذه الفترة و التي تنصب أساسا على التطبيق الفعلي للقوانين والنصوص و الأدوات المتصلة بتسيير الإقليم الوطني و موارده، بهدف تقليص حالات تبذير الموارد المتاحة (التربة المياه، الغابات ..)
إن النصوص القانونية المتعلقة بقانون المياه؛ البيئة؛ التهيئة العمرانية؛ و بالعقّار جديرة بأن تعدّل و تتمم بخصوص بعض النقاط، و نظرا لمكانة السهوب و الجبال و المدن الجديدة فإنه ينبغي إصدار قوانين تتعلق بها، وبالفعل فقد صدر في هذا الإطار بعد سنة 2000 القوانين التالية:
- القانون 01-20 المؤرخ في 12 ديسمبر 2001 يتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة، ج ر77.
- القانون 02-08 المؤرخ في 08 مايو 2002 يتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة و تهيئتها، ج ر 34.
- القانون 03-10 مؤرخ في 19 يوليو 2003 يتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، ج ر 43.
2- إيقاف النزوح الريفي:
إذا كانت هذه الظاهرة تتولد عن النسبة العالية من البطالة في المناطق قليلة الحيوية (كالجبال، سفوح الجبال، السهوب..) فإن حملة التقليل و تجنب التنقلات السكانية تتمثل في العناية بالأوساط الريفية التي يمكن أن تتم لصالحها أعمال متنوعة يتحقق الإستقرار فيها ابتداءا من التوفير الواسع للخدمات العمومية، و تسيير الحصول على القروض، و الترقية الناجعة لحركة الجمعيات و التعاونيات.
3- إنعاش الهياكل الكبرى الخاصة بالتشغيل و الأنشطة:
هو جانب آخر من عمليات إحداث الإستقرار، يهم الحركات الديمغرافية بين الجهات التي لا يمكن تجنبها إلاّ من خلال عملية توازن مستمرة (مع منح امتياز نسبي للجهات الداخلية) عن طريق الأشغال الكبرى للتهيئة العمرانية، و إنعاش التشغيل و إحداث أنشطة بواسطة اللامركزية الصناعية و المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و برامج سكنية اجتماعية و التجهيزات.
إن أعمال القطيعة تهم ابتداء من الأمد القصير جميع التغييرات الأساسية للمواقف و أنماط السلوك أو الإجراءات التي هي شرط لنجاح عمليات الضبط و الإستقرار السابق ذكرها، أو التطبيق اللاحق لاستراتيجية تهيئتنا العمرانية؛ و لكي تتمّ عمليات القطيعة هذه يمكن أن نسجل ما يأتي:
- التخلي عن طرق التخطيط المركزي سواء فيما يخص التطور و تقييم المشاريع أو ما يخص إعداد المعايير.
- نبذ إعطاء الأسبقية لنتائج الأمد القصير.
- ضرورة التنسيق القطاعي الفعلي و إصدار الأحكام في كل شفافية.
- إستئناف و توسيع الأشغال الكبرى للهياكل الأساسية المخصصة لداخل البلاد على أساس هذا التنسيق الصناعي.
- و أخيرا الإلتزام الدولة و الإدارة فيما يخص التطبيق الفعلي لخيارات التهيئة العمرانية بجميع أدواتها.
و بصدد الأمد القصير المقصود، فالأمر يتعلق في الواقع و لا سيما من حيث البرامج و الأعمال بتنفيذ كل ما يحضّر لأهداف الأمد الطويل و يتوقف عليه، و من بينها تحقيقا إعادة تثمين الجهات الداخلية على الخصوص.
4- إنطلاق برنامج المدن الجديدة و سياستها:
و ذلك بانطلاق أشغال إنجاز المدن الكبرى التابعة للجيل الجديد منها، و الشروع في الدراسة لإنجاز المدن الأخرى، و كما سبق أن ذكرنا أنّه قد صدر القانون 02-08 المتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة و تهيئتها، فحسبما ورد في أحكامه أن مصطلح "المدينة الجديدة يعني كلّ تجمّع بشري ذي طابع حضري ينشأ في موقع خال أو يستند إلى نواة أو عدة نوى سكنية موجودة، و تشكل المدن الجديدة مركز توازن اجتماعي و اقتصادي و بشري بما يوفّره من إمكانيات التشغيل و الإسكان و التجهيز".
و يندرج إنشاء المدن الجديدة ضمن السياسة الوطنية الرامية إلى تهيئة الإقليم و تنميته المستدامة التي تهدف إليها أدوات تهيئة الإقليم، حيث ينص المخطط الوطني لتهيئة الإقليم على إمكانيات إنشائها و يحدد وظائفها و موقعها، و ذلك بالتقيّد بمعيار التلاؤم مع تنظيم و تنمية المنشآت القاعدية الكبرى و المرافق الجماعية ذات المنفعة الوطنية المقررة في المخططات القطاعية. و لا يمكن إنشاء مدن جديدة إلاّ في الهضاب العليا و الجنوب، غير أنه و بصفة استثنائية، و تخفيفا للضغط على المدن الكبرى: وهران و الجزائر و قسنطينة و عنابة، فيمكن إنشاء مدن جديدة في المنطق الشمالية للبلاد.
المـطلـب الثـانـي: سياسـة التهيئـة العمرانـيـة فـي ظـل الـقـانـون 01-20.
جاء القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة ليحدّد التوجيهات و الأدوات المتعلقة بذلك، و التي من طبيعتها ضمان تنمية الفضاء الوطني تنمية منسجمة و مستدامة على أساس الإختيارات الاستراتيجية. حيث تسيّر الدولة هذه السياسة بالإتصال مع الجماعات الإقليمية في إطار اختصاص كلّ منها، و بالتشاور مع الأعوان الإقتصاديين و الإجتماعيين للتنمية،و حسب خصائص و مؤهّلات كل فضاء جهوي، وذلك رميًا إلى ضمان الأمور التالية:
- تعويض العوائق الطبيعية و الجغرافية للمناطق و الأقاليم لضمان تثمين الإقليم الوطني و تنميته و إعماره بشكل متوازن.
- تصحيح التفاوتات في الظروف المعيشية من خلال نشر الخدمات العمومية و محاربة كل أسباب التهميش و الإقصاء الإجتماعيين في الأرياف و الندن على حدّ سواء.
- دعم الأنشطة الإقتصادية بحسب أماكن تواجدها و ضمان توزيعها و انتشارها و تدعيمها في كافة تراب الإقليم الوطني.
- و التحكم في نمو المدن و تنظيمه.
و يشير القانون إلى أن "الأداة الرئيسية و الإطار المرجعي لعمل السلطات العمومية في تطبيق هذه السياسة تتمثل في المخطط الوطني لتهيئة الإقليم، الذي يهدف إلى:
- الإستغلال العقلاني للفضاء الوطني و خاصة توزيع السكان و الأنشطة الإقتصادية على كافة الإقليم.
- تثمين الموارد الطبيعية و استغلالها عقلانيا.
- التوزيع الفضائي الملائم للمدن و المستوطنات البشرية من خلال التحكم في نمو التجمعات السكنية و قيام بنية حضرية متوازنة.
- دعم الأنشطة الإقتصادية المعدّة حسب الأقاليم.
- حماية التراث التاريخي و الثقافي و ترميمه و تثمينه.
- تماسك الإختيارات الوطنية مع المشاريع التكاملية الجهوية.
كما يضع المبادئ التي تحكم البنى التحتية الكبرى للنقل ة التجهيزات الكبرى و الخدمات الجماعية ذات المنفعة الوطنية، و يحدّد كيفيات ضمان المحافظة على المناطق الساحلية و الجرف القاري و حمايتها و تثمينها؛ و لم يهمل المخطط الجانب الإقتصادي حيث نصّ على ضرورة إقامة تنمية اقتصادية متكاملة تتنوّع فيها طبيعة النشاط و ذلك في المناطق الجبلية(1).
(1) و للإستزادة أكثر عن محتوى المخطط يرجع إلى المواد 07 إلى 18 من القانون 01-20 المتعلق بتهيئة الإقليم و تنميته المستدامة.
Admin
Admin
المدير
المدير

عدد المساهمات : 972
نقاط : 2426
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

https://chemamin.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى