التسيير والتقنيات الحضرية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التسيير والتقنيات الحضرية
التسيير والتقنيات الحضرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نشأة المدن والانجاز الحضاري

اذهب الى الأسفل

نشأة المدن والانجاز الحضاري Empty نشأة المدن والانجاز الحضاري

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء ديسمبر 21, 2011 10:11 pm


نشأة المدن
إن القطر الجزائري بلاد حضارة منذ القديم وليس للدلالة على ذلك إلا الإشارة إلى المدن الخطيرة التي ازدهرت في العهد الروماني وقبله كمدينة بونة (عناية) وقسنطينة وتبسة وتمقاد وتيبازة وقيصرة (شرشال) وكثير من غيرها.
ولما بسط الإسلام نفوذه على هذا القطر تغير نوع الحضارة ولكنها لم تنقطع بل استمرت في هذه المدن التي بقيت على حالها وتكونت إلى جانبها مدن جديدة لضروريات جديدة وفيما يلي كلمة وجيزة عن المدن الجزائرية التي تأسست في العهد الإسلامي والتي كانت مركزا لإحدى الدول الإسلامية بالمغرب.
هذا وبعد الإشارة إلى أن أولى المدن الإسلامية التي أسسها العرب في إفريقيا الشمالية هي :
- القيروان:
- التي بناها عقبة بن نافع سنة 50 هـ
القَيْرَوَان مدينة تونسية، تبعد حوالي 160 كيلومتر عن تونس العاصمة ويعود سبب أهميتها إلى دورها الاستراتيجي في الفتح الإسلامي فمنها انطلقت حملات الفتح نحو الجزائر والمغرب وإسبانيا وأفريقيا بالإضافة إلى أنها مثوى لعدد من صحابة رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام
- المكانة العلمية للقيروان
كانت القيروان أولى المراكز العلمية في المغرب العربي تليها قرطبة في الأندلس ثم فاس في المغرب الأقصى ولقد قصدها أبناء المغرب وغيرها من البلاد المجاورة. وكان مسجد عقبة الجامع ومعه بقية مساجد القيروان تعقد فيه حلقات للتدريس وأنشئت مدارس جامعة أطلقوا عليها (دور الحكمة). واستقدم لها العلماء والفقهاء ورجال الدعوة من الشرق فكانت هذه المدارس وما اقترن به إنشاؤها من انصراف القائمين عليها للدرس والبحث عاملا في رفع شأن لغة القرآن لغة العرب وثقافتهم. ولقد كان للقيروان دور كبير في نشر وتعليم الدين وعلومه بحكم ما علق على هذه المدينة من آمال في هداية الناس وجلبهم إلى إفريقية وهي نقطة هامة لاحظها الفاتحون منذ أن استقر رأيهم على إنشاء مدينة القيروان، فعندما عزم عقبة بن نافع ومن معه على وضع محراب المسجد الجامع فكروا كثيرا في متجه القبلة، وراقبوا طلوع الشمس وغروبها عدة أيام. وقال له أصحابه: إن أهل المغرب يضعون قبلتهم على قبلة هذا المسجد فأجهد نفسك في تقويمه. واجتهد عقبة بن نافع. وكان موفقا في اجتهاده. وأصبح محراب القيروان أسوة وقدوة لبقية مساجد المغرب الإسلامي بمعناه الواسع حتى إن محمد بن حارث الخشني بعد أن قدم من القيروان إلى سبتة وشاهد انحراف مسجدها عن قبلة الصلاة عدله وصوبه. وفي عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99-101هـ / 717 -720م) أراد تثقيف أهل المغرب وتعليمهم أمر دينهم فجعل من مدينة القيروان مركزا للبعثة العلمية المكونة من عشرة أشخاص من التابعين فأرسلهم إلى إفريقية حيث انقطعوا إلى تعليم السكان أمور الدين، ومات غالب أفراد البعثة في مدينة القيروان نفسها. وهكذا أصبحت مدينة القيروان مركزا للعلم في المغرب الإسلامي حتى كانت مفخرة المغرب. ومنها خرجت علوم المذهب المالكي، وإلى أئمتها كل عالم ينتسب وكان قاضي القيروان يمثل أعلى منصب ديني في عموم البلاد المغربية، وإليه المرجع في تسمية قضاة مختلف الجهات. و أسهمت القيروان في عهد الأغالبة في نشر المذهب المالكي في أرجاء الدولة الأغلبية، ومنها انتشر في صقلية والأندلس. وقد تم ذلك على يد الإمام سحنون (160-240هـ / 777 -855م)، وأقرانه وتلاميذه. فهؤلاء كانوا يلتزمون المذهب المالكي، إذ أنهم كانوا يذهبون لأداء فريضة الحج، ثم يلزمون الإمام مالك بن أنس في المدينة المنورة، فتأثروا بفقهه. وقد ولي سحنون قضاء القيروان (234-240هـ / 848 -854 م)، فكان صاحب النفوذ الأكبر لا في شئون القضاء فحسب، بل في جميع شئون الدولة. ولما عاد سحنون من المدينة المنورة كان قد وضع أسس الكتاب الذي دونه ويسمى المدونة التي أصبحت قاعدة التدريس في المغرب الأدنى، ومن هناك انتقلت إلى الأندلس. وكانت الكتب الفقهية التي ألفها علماء القيروان ابتداء من كتاب المدونة لصاحبه الفقيه الكبير سحنون والذي أصبح مرجعا دينيا لرجال القيروان، إلى رسالة ابن أبي زيد ونوادره وزياداته إلى تهذيب أبي سعيد البراذعي، كانت هذه الكتب وأمثالها عمدة الدارسين والشراح والمعلقين لا يعرفون غيرها إلى المائة السابعة من التاريخ الهجري عندما ابتدأت كتب المشارقة تأتي إلى المغرب مثل مختصر ابن الحاجب ومختصر خليل فيما بعد.
- بيت الحكمة
أنشئت في القيروان المكتبات العامة والمكتبات الملحقة بالجوامع والمدارس والزوايا وكانت مفتوحة للدارسين وتضم نفائس أمهات الكتب. ومن أشهر مكتبات القيروان بيت الحكمة الذي أنشأه إبراهيم الثاني الأغلبي 261-289هـ / 875 -902م. في رقادة بالقيروان محاكاة لبيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد في بغداد حيث كانت هذه البيت نواة لمدرسة الطب القيروانية التي أثرت في الحركة العلمية في المغرب لزمن طويل. وقد استقدم إبراهيم بن أحمد الأغلبي أعدادا كبيرة من علماء الفلك والطب والنبات والهندسة والرياضيات من المشرق والمغرب وزوده بالآلات الفلكية. وكان إبراهيم بن أحمد يبعث كل عام (وأحيانا كل ستة أشهر) بعثة إلى بغداد هدفها تجديد ولائه للخلافة العباسية واقتناء نفائس الكتب المشرقية في الحكمة والفلك مما لا نظير له في المغرب واستقدام مشاهير العلماء في العراق ومصر. وعلى هذا النحو أمكنه في أمد قصير أن يقيم في رقادة نموذجا مصغرا من بيت الحكمة في بغداد، ولم يلبث هذا البيت أن وقع في أيدي الفاطميين بعد سنوات معدودة من وفاته. ولقد كان بيت الحكمة معهدا علميا للدرس والبحث العلمي والترجمة من اللاتينية، ومركزا لنسخ المصنفات، وكان يتولى الإشراف عليه حفظة مهمتهم السهر على حراسة ما يحتويه من كتب، وتزويد الباحثين والمترددين عليه من طلاب العلم بما يلزمهم من هذه الكتب حسب تخصصاتهم، ويرأس هؤلاء الحفظة ناظر كان يعرف بصاحب بيت الحكمة. وأول من تولى هذا المنصب عالم الرياضيات أبو اليسر إبراهيم بن محمد الشيباني الكاتب المعروف بأبي اليسر الرياضي، وهو بغدادي النشأة، حيث أتيح له أن يلتقي بالعديد من المحدثين والفقهاء والأدباء واللغويين. وكان قد تنقل في أقطار المشرق قبل أنتقاله إلى الأندلس وأخيرا استقر بالقيروان. وكان الأمير إبراهيم بن أحمد يعقد المجالس العلمية للمناظرة في بيت الحكمة، وكان يحضر هذه المجالس العلماء البارزون من فقهاء المالكية والحنفية.
[عدل] المساجد
يعد مسجد القيروان الذي بناه عقبة بن نافع عند إنشاء المدينة من أهم معالمها عبر التاريخ. ولقد بدأ المسجد صغير المساحة، بسيط البناء، ولكن لم يمض على بنائه عشرون عاما حتى هدمه حسان بن نعمان الغساني وأقام مكانه مسجدا جديدا أكبر من الأول. وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك أمر بزيادة مساحته، وأضاف إليه حديقة كبيرة في شماله، وجعل له صهريجا للمياه، وشيد مآذنه. وفي عام 155هـ / 724 م أعيد بناؤه على يد يزيد بن حاتم، وظل على حاله هذه إلى أن تولى زيادة الله بن إبراهيم بن الأغلب إمارة إفريقية عام 201هـ / 817 م فزاد فيه. ولقد سارت التوسعات في العصور المختلفة حتى أصبح يشغل اليوم مساحة مستطيلة تتراوح أضلاعها ما بين (70و122) مترا. ويعتبر جامع القيروان من أقدم مساجد المغرب الإسلامي والمصدر الأول الذي اقتبست منه العمارة المغربية والأندلسية عناصرها الزخرفية والمعمارية. كما كان هذا المسجد ميدانا للحلقات الدينية والعلمية واللغوية التي ضمت نخبة من أكبر علماء ذلك العصر. ملاحظة مسجد عقبة بني قبل جامع الازهر ب 300سنة وقبل الزيتونة ب 29 سنة


من أعلام القيروان
لقد تميّز كل عصر من عصور القيروان بعدد وافر من الأسماء والاعلام في شتى ضروب العلم والمعرفة لمّْا كانت عاصمة المغرب العربي وأعظم مدن القارة الإفريقية ومنارة عالية للإشعاع الفكري والديني والحضاري في عصور الأغالبة والفاطميين والصنهاجيين. ومن هؤلاء الأعلام الإمام سحنون وابن رشيق القيرواني وابن شرف وأسد بن الفرات وابن الجزار، لكن المهتمين بالتاريخ يذكرون خصوصا اسم المعزّ بن باديس الصنهاجي كأكبر رمز لما بلغته القيروان من حضارة في عهد الصنهاجيين وعبد الله بن الأغلب الذي جعل من القيروان اسما ملأ الدنيا ، أما عقبة بن نافع فإنه يظل الفاتح والمؤسس . كان من أوائل من قام بالتعليم في مدينة القيروان أولئك العشرة من التابعين الذين أرسلهم عمر بن عبد العزيز ليعلموا الناس وكان من أشهر أولئك العشرة إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر الذي كان -بالإضافة إلى أنه عامل للخليفة- من أكثر أفراد تلك البعثة اندفاعا في نشر الدين وإدخال البربر إلى الإسلام. وكان منهم عبد الله بن يزيد الحبلي الذي شهد الاستيلاء على الأندلس مع موسى بن نصير، ثم عاد إلى القيروان ومات فيها ، ومنهم أيضا إسماعيل بن عبيد المشهور بلقب "تاجر الله" وهو الذي بنى المسجد المعروف باسم مسجد الزيتونة، كما بنى سوقا للتجارة عرفت باسم سوق إسماعيل. وقد استشهد غريقا في إحدى الغزوات البحرية لصقلية سنة 107هـ / 726 م، ومنهم عبد الرحمن بن رافع التنوخي أول من تولى القضاء بمدينة القيروان. وأما رواد الفقه في القيروان فهم كثير منهم الإمام سحنون بن سعيد الفقيه صاحب أبي القاسم - تلميذ الإمام مالك - ومؤلف كتاب المدونة والذي كان له دور كبير في تدوين المذهب المالكي، وقد حضر دروس هذا الفقيه العديد من طلاب الأندلس الذين قاموا بنشر مذهبه فيما بعد، وقد عرفت من رجال الفقه كذلك أسد بن الفرات قاضي إفريقية في عهد الأغالبة وقائد الحملة إلى صقلية وفاتح الجزيرة ومحمد ابن الإمام سحنون بن سعيد وابن أبي زيد القيرواني. كما اشتهر فيها من الشعراء: أبو عبد الله القزاز القيرواني، والحسين بن رشيق القيرواني، وابن هانئ الأندلسي ، وكان من بين علمائها عبد الكريم النهشلي عالم اللغة وكان من أهل الأدب أبو إسحاق (الحصري) القيرواني صاحب زهر الآداب. أما عن مدرسة الطب فقد اشتهرت منها أسرة ابن الجزار التي توارثت الطب أبا عن جد. وقعها على أساس حاجات إستراتيجية واضحة. وقد اختار لها موضعا بعيدا عن البصر في وسط البلاد ولئلا تمر عليها مراكب الروم فتهلكها.
لعبت مدينة القيروان دورا رئيسيا في القرون الإسلامية الأولى، فكانت العاصمة السياسية للمغرب الإسلامي ومركز الثقل فيه منذ ابتداء الفتح إلى آخر دولة الأمويين بدمشق . وعندما تأسست الخلافة العباسية ببغداد رأت فيها عاصمة العباسيين خير مساند لها لما أصبح يهدد الدولة الناشئة من خطر الانقسام والتفكك. ومع ظهور عدة دول مناوئة للعاصمة العباسية في المغرب الإسلامي فقد نشأت دولة الأمويين بالأندلس، ونشأت الدولة الرستمية من الخوارج في الجزائر، ونشأت الدولة الإدريسية العلوية في المغرب الأقصى.
وكانت كل دولة من تلك الدول تحمل عداوة لبني العباس خاصة الدولة الإدريسية الشيعية التي تعتبرها بغداد أكبر خطر يهددها. لهذا كله رأى هارون الرشيد أن يتخذ سدا منيعا يحول دون تسرب الخطر الشيعي. ولم ير إلا عاصمة إفريقية قادرة على ذلك، فأعطى لإبراهيم بن الأغلب الاستقلال في النفوذ وتسلسل الإمارة في نسله.
وقامت دولة الأغالبة (184-296هـ / 800 -909م) كوحدة مستقلة ومداف عة عن الخلافة. وقد كانت دولة الأغالبة هذا الدرع المنيع أيام استقرارها، ونجحت في ضم صقلية إلى ملكها عام 264 هـ / 878 م، وقام أمراؤها الأوائل بأعمال بنائية ضخمة في القيروان ذاتها ومنها توسيع الجامع في القيروان، وتوسيع الجامع في تونس، كما عمل الأغالبة على الاهتمام بالزراعة والري في المنطقة، وأقاموا الفسقية المشهورة.
وقد استغل الأمراء الأغالبة تلك المكانة واتخذوها سلاحا يهددون به عاصمة بغداد كلما هم خليفة من خلفائها بالتقليل من شأن الأمراء الأغالبة أو انتقاص سيادتهم. وهذا ما فعله زيادة الله بن الأغلب مع الخليفة المأمون العباسي. فقد أراد هذا الأخير إلحاق القيراون بولاية مصر، وطلب من زيادة الله أن يدعو لعبد الله بن طاهر بن الحسين والي المأمون على مصر فأدخل زيادة الله رسول المأمون إليه، وقال له: إن الخليفة يأمرني بالدعاء لعبد خزاعة. هذا لا يكون أبدا ثم مد يده إلى كيس بجنبه فيه ألف دينار ودفعه للرسول. وكان في الكيس دنانير مضروبة باسم الأدارسة في المغرب ؛ ففهم المأمون مقصد الأمير الأغلبي فكف عن محاولته ولم يعد إليها.
وبسبب هذه المكانة فقد عمل على التقرب منها أكبر ملك في أوروبا إذ بعث الإمبراطور شارلمان بسفرائه إلى إبراهيم بن الأغلب فقابلهم في دار الإمارة بالعباسية في أبهة عجيبة بالرغم من الصلات الودية التي كانت بين هذا الإمبراطور والخليفة العباسي هارون الرشيد.
وفي عهد ولاية إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب (261 - 289هـ / 875 -902م) بدأت الفتن تدب بين أمراء الأغالبة. وكان إبراهيم بن أحمد سفاحا لم تسلم منه عامة الناس ولا أقرب الناس إليه وكان غدره بسبعمائة من أهل بلزمة سنة 280هـ / 894 م سببا من أسباب سقوط دولة بني الأغلب. وفي نفس السنة شقت عصا الطاعة في وجه هذا الأمير مدن تونس، وباجة، وقمودة، وغيرها. وعمت الفوضى أرجاء البلاد بينما الخطر العبيدي الشيعي يزداد يوما بعد يوم. ولما أيقن إبراهيم بن أحمد بخطر بني عبيد حاول سنة 289هـ /902 م تغيير سياسته، فرفع المظالم، واستمال الفقهاء، وبذل الأموال للشعب ولكن بدون جدوى. وفي عهد حفيده زيادة الله ازداد خوف بغداد واشتد جزعها من الزحف العبيدي فبعث الخليفة العباسي المكتفي بالله يحث أهل إفريقية على نصرة زيادة الله فلم يكن لذلك صدى في النفوس وبذل زيادة الله الأموال بلا حساب ولكن دون جدوى. فلم يمض على هذا الحادث سوى ثلاث سنوات حتى جاءت معركة الأربس الحاسمة سنة 296هـ / 909 م وفر على إثرها زيادة الله إلى المشرق ومعه وجوه رجاله وفتيانه وعبيده. وباستيلاء العبيديين على القيروان جمعوا كل المغرب تحت سيطرتهم فشجعهم ذلك على متابعة السير نحو المشرق. و‎أمكن لهم فيما بعد أن يستولوا على مصر والشام والحجاز. ولولا الظروف السياسية والوضع الداخلي للفاطميين لاستولوا على بغداد نفسها.
وعندما انتقل بنو عبيد إلى مصر ووصل المعز لدين الله الفاطمي القاهرة عام 362هـ / 973 م اهتموا بالقيروان واتخذوها مركزا لنائبهم في إفريقية، وعهدوا إليه بالسهر على حفظ وحدة المغرب والسيطرة عليه. واستخلف المعز الفاطمي بلكين بن زيري الصنهاجي على إفريقية، وكتب إلى العمال وولاة الأشغال بالسمع والطاعة له فأصبح أميرا على إفريقية والمغرب كله، وقام بلكين وخلفاؤه بقمع الثورات التي حصلت خاصة في المغرب في قبائل زنانة. واستمر المغرب في وحدته الصنهاجية وتبعيته إلى مصر الفاطمية إلى أن انقسم البيت الصنهاجي على نفسه فاستقل حماد الصنهاجي عن القيروان متخذا من القلعة التي بناها قاعدة لإمارته. وكان هذا الانقسام السياسي خير ممهد لظهور دولة المرابطين في المغرب الأقصى. كما كان لهذا الانقسام نتائجه الأليمة فيما بعد عندما أعلن المعز ابن باديس الصنهاجي استقلاله عن الفاطميين، فبعثوا إليه بقبائل الأعراب من الهلاليين فمزق شمل الدولة، وقضى على معالم الحضارة، وخربت القيروان، ولم تعد العاصمة السياسية القوية أو مركزا تشع منه المعارف والعلوم والآداب.
نشاة المدن في المغرب الأوسط(الجزائر)
التاريخ المبكر للجزائر
دلت الآثار التي تم اكتشافها بولايات مستغانم وتبسة (بئر العاتر) وقسنطينة (مشتى العربي) على أن الجزائر كانت آهلة بالسكان قبل 500,000 عام. ومع بداية الفترة الألفية الأولى قبل الميلاد، انتظم سكان المنطقة في قبائل استغلت الأراضي والمراعي جماعيًا، وكونت إمارات مثلت المراحل الفينقية الأولى. ثم تأسست الدولة الجزائرية الأولى في القرن الثالث قبل الميلاد بقيادة سيفاكس ثم مسينيسا، وكانت الحروب البونية قد بدأت بين روما وقرطاج في ذلك الوقت. وقد فتح سقوط قرطاج عام 146 ق.م الطريق أمام روما للتوسع خاصة وأنها كانت لا تستطيع تحمل وجود دولة قوية مستقلة وموحدة كالتي تركها مسينيسا. وقد ساعد تفتت الدولة النوميدية وانقسامها بين الحلفاء المتنافسين روما لاحتلال نوميديا رغم المقاومة الطويلة التي أبداها يوغرطة (يوجورثا) وجوبا الأول، وكان ذلك في عام 25 ق.م. لم يهادن شعب نوميديا الاحتلال لفترة خمسة قرون، وفشلت روما في التوغل أكثر من 150كم من ساحل نوميديا، رغم قوتها في الفترة البيزنطية، وتمكنها من طرد الوندال في عهد جستنيان

المغرب الأوسط في العصر الإسلامي
حتى بدأ الفتح الإسلامي.كانت الجزائر جزءًا من ولاية بلاد المغرب، التي كانت مدينة القيروان قاعدة لها، ضمن الدولة الإسلامية في العهد الأموي وفي مطلع العهد العباسي. لكن استقلال الأندلس عن بني العباس، ولجوء أصحاب المذاهب المناوئة لهم إلى الشمال الإفريقي، فتح الباب لظهور دويلات مستقلة في تلك الربوع النائية عن مركز الخلافة، وقد عرف تاريخ الجزائر في فترة ما بين منتصف القرن الثاني ومطلع القرن العاشر الهجري (آخر القرن التاسع إلى مطلع القرن السادس عشر الميلادي) بوقوعه تحت حكم دويلات مستقلة بالمغرب.
إمارات الخوارج.
في سنة 160هـ، 777م نشأت في وسط المغرب الأوسط دولة صغيرة خارجية إباضية، خارجة عن القيروان التي كانت تحت حكم بني الأغلب الذين ظلوا مخلصين لبغداد. واستمرت هذه الدويلة قائمة بذاتها حتى سنة 296هـ، 909م، ليدخل المغرب الأوسط بعدها ضمن الدولة الفاطمية، التي ظهرت دعوتها قبيل هذا التاريخ في شرقي المغرب الأوسط نفسه، وامتدت إلى المغرب الأدنى لتخضع القيروان ثم تتخذ من مدينة المهدية عاصمة لها.وبقي المغرب الأوسط جزءًا من الدولة الزيرية التي انفصلت عن الخلافة الفاطمية سنة 435هـ، 1043م بعد انتقال مركزها إلى القاهرة المعزية. وقد دامت هذه الحالة من سنة 296هـ، 909م إلى 405هـ، 1014م، لينفصل فرع من بني زيري وهم بنو حماد بجزء من شرقي المغرب الأوسط عن القيروان، ويستقلوا بدويلة استمرت إلى سنة 547هـ، 1152م. وفي هذه الفترة كان الجزء الغربي من المغرب الأوسط قد دخل تحت سلطة المرابطين، الذين قامت دولتهم في المغرب الأقصى وامتدت شرقًا بهدف ضم كل بلاد المغرب وحمايته من الأخطار الأوروبية النصرانية، التي بدأت تهدد وجوده الإسلامي، وبخاصة من النورمنديين والأسبان والبرتغاليين. وقد واصلت دولة الموحدين هذا الدور، وكانت قد نشأت هي الأخرى بالمغرب الأقصى حوالي سنة 518هـ، 1124م، ونجحت في ضم كل المغرب العربي تحت سلطانها سنة 555هـ، 1160م. واستمرت هذه المرحلة إلى سنة 633هـ، 1235م، حيث قامت بتلمسان دولة بني عبد الواد، وهي دويلة انفصلت عن الدولة الموحدية واستمرت باسم الدولة الزيانية إلى حدود سنة 796هـ، 1394م. وتلت ذلك فترة من الاضطرابات امتدت إلى نهاية الثلث الأول من القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وانضواء البلاد تحت الخلافة العثمانية. وفي تلك الفترة خضعت أجزاء من بلاد المغرب الأوسط إلى الحفصيين تارة وإلى المرينيين تارة أخرى، واستعاد بنو زيان استقلالهم بتلمسان أحيانًا.الدولة الرستمية. . عندما بلغت آراء أصحاب النِّحَل من الخوارج بالمشرق العربي إلى الشمال الإفريقي، اغتنمت بعض القبائل البربرية، فرصة انشقاق كلمة المسلمين لحمل راية العصيان في وجه أمراء القيروان. وقد انتشرت حركة الخوارج بسرعة في كافة بلاد المغرب والأندلس التابعة لإمارة القيروان إذ ذاك، ومن أشهر انتفاضاتهم في العصر الأموي انتفاضة عكاشة الأصفري سنة 124هـ، 771م التي حاصرت مدينة القيروان.وفي سنة 160هـ، 777م أسس الخوارج دولتهم على جزء من المغرب الأوسط، متخذين من مدينة تاهرت عاصمة لها. وقد اختاروا عبد الرحمن بن رستم الفارسي الأصل إمامًا لهم، فسار سيرة حسنة وعرفت البلاد في عهده استقرارًا وازدهارًا. فلما مات سنة 171هـ، 788م اختارت القبائل الإباضية ابنه عبد الوهاب إمامًا، وخرجت عن تأييده بعض القبائل البربرية. وتولى بعده ابنه أفلح سنة 190هـ، 807م فحكم خمسين سنة رأى فيها الناس ما رأوا في عهد جده عبد الرحمن. وازدهرت الحركة الصناعية والتجارية.وقد أقام بنو رستم علاقات حسنة مع بني أمية بالأندلس وعقدوا معهم اتفاقيات، لكن علاقاتهم مع جيرانهم السنة بإفريقية والأدارسة بالمغرب الأقصى كانت مضطربة. وقد نازع بنو رستم الأدارسة عندما أعلنت قبيلة زناتة عصيانها للرستميين واحتماءها بالأدارسة، كما حاربوا الأغالبة الذين لم يكفوا عن محاولاتهم لإعادة توحيد بلاد المغرب العربي تحت سلطتهم باسم العباسيين. وتمكن الفاطميون من التغلب على تاهرت واحتلالها سنة 297هـ، 909، فتفرق الخوارج في مناطق مختلفة من إفريقيا والمغرب الأوسط كجبال نفوسة وجزيرة جربة وورفلة ومزاب.دولة بني عبد الواد. ظهرت هذه الدولة في نهاية الثلث الأول من القرن السابع الهجري (نهاية الثلث الأول من القرن الثالث عشر الميلادي)، واتخذت من تلمسان حاضرة لها. وأول من استقل بها أبو يحيى يغمراسن بن زيان، الذي بويع بعد مقتل أخيه زيان سنة 633هـ. وكانت الدعوة في تلمسان للموحدين، وقد ضعف أمرهم وثار عليهم صاحب إفريقية أبو زكرياء الحفصي ووصل بجيشه تلمسان، فخرج منها أبو يحيى يغمراسن ثم انتهى الأمر بينهما بالصلح. وأقبل بعد ذلك السعيد المؤمني من مراكش سنة 646هـ، 1248م يريد حرب الحفصي بإفريقية، فقاتل أبا يحيى يغمراسن لكن النصر كان لهذا الأخير، فقتل السعيد وغنم ما كان معه من ذخائر الدولة الموحدية وما كان لجيشه من متاع ومال. وكان ذلك بدء استقلال بني عبد الواد في تلمسان وما حولها من وسط غربي المغرب الأوسط. وكان يغمراسن أول من خلط زي البداوة بأبهة الملك في تلك الدولة، فكان محبًا للعلم ومجالسة العلماء، وقد استمرت إمارته أكثر من أربع وأربعين سنة (ت سنة 681هـ، 1283م).برزت تلمسان في ظل دولة بني عبد الواد كمركز ثقافي له أهميته، كما اشتهرت ببساتينها الغناء التي كانت منتجاتها تصدر عن طريق الموانئ الساحلية. وقد طمع جيرانها المرينيون والحفصيون في الاستيلاء عليها، فقد حاصرها أبو زكرياء الحفصي ودخلها سنة 640هـ، 1042م، وفرض عليها الولاء للحفصيين. وضمها المرينيون فعلاً بعد ذلك في سنة 737هـ، 1337م إلى أن أحيا الدولة أبو حمو الثاني 760هـ -791هـ، 1359- 1389م وأصبحت تُعرف بالدولة الزيانية، نسبة لبني زيان.وفي الوقت الذي كانت فيه تلمسان حاضرة المغرب الأوسط، كانت المدن الساحلية تكوّن دويلات مستقلة شبيهة بالدويلات القائمة بإيطاليا. وقد أدى ذلك إلى طمع القوى الأوروبية النصرانية في البلاد، فغزا الصقليون بعض مدنها الساحلية واحتلوها فترة خلال القرن السابع الهجري (الرابع عشر الميلادي)، واشتد الخطر الأسباني عليها منذ بداية القرن العاشر الهجري (نهاية القرن الخامس عشر الميلادي). وقد كان الأسبان آنذاك يحتلون سبتة ومليلة، فاتجهوا بحملاتهم البحرية العدوانية شرقًا من ساحل الجزائر إلى طرابلس الغرب. وترجع هذه الحملات، بالإضافة إلى تمكن الروح الصليبية في الأسبان، إلى هجرة مسلمي الأندلس إلى موانئ المغرب العربي ومساهمتهم في تنشيط حركة الجهاد البحري وفي شن الغارات على ساحل أسبانيا. وقد شنت القوات البحرية الأسبانية حملة على ميناء المرسى الكبير في غرب الجزائر سنة 1505م، واستولت على حجر باديس سنة 1508م، وعلى وهران وبجاية سنة 1509م، وأجبرت ميناءي دلس والجزائر على دفع إتاوة، وأقام الأسبان أمام هذه الأخيرة حصنًا على صخرة مواجهة عُرف بالبينون.وعجزت مملكة تلمسان الزيانية عن مواجهة الخطر الأسباني، بسبب ضآلتها وتعرضها في تلك الفترة لتفكك جديد واضطرابات داخلية. فانتهى بها الأمر إلى عقد صلح مع الأسبان سنة 1512م، اعترفت فيه باستيلائهم على عدة موانئ في غربي البلاد. ولم ينقذ هذه الأخيرة من الهاوية التي تردت فيها، إلا ظهور الأسطول العثماني في غربي البحر المتوسط، كقوة قادرة على وقف الخطر الأسباني وعاملة، فيما بعد، على توحيد المغرب الأوسط سياسيًا.الجزائر ولاية عثمانيةاجتذب الصراع بين الإسلام والنصرانية (الأسبانية خصوصًا) في الحوض الغربي للبحر المتوسط في أوائل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) عددًا كبيرًا من البحارة المغامرين، الذي نشأوا في خدمة الأسطول العثماني، ثم راحوا يكوّنون أساطيل صغيرة تعمل لحسابهم الخاص وتجاهد ضد أعداء الدين. ومن هؤلاء الأخوان عروج وخير الدين الذي عُرِف ببربروسة، أي (ذي اللحية الحمراء). فقد بدأ الأول نشاطه في غربي البحر المتوسط حوالي سنة 916هـ، 1510م، وفتح له الأمير الحفصي موانئ إفريقية. ولما سمع أهل المغرب الأوسط بغاراته الناجحة على الأسبان استقدموه إلى بلادهم، ليساعدهم على استرداد بجاية أكبر موانئ شرق الجزائر آنذاك. ثم استدعاه حاكم ميناء الجزائر، فنجح مع قوة عثمانية صغيرة في صد هجوم أسباني عن المدينة سنة 922هـ، 1517م. وحين خان بعض أهل تلمسان عروجًا اضطر للفرار فتتبعته القوات الأسبانية وقتلته وهو في طريقه إلى الجزائر.تحرّج موقف خير الدين بالجزائر، فاستعان بالسلطان العثماني سليم سنة 924هـ، 1518م. فأرسل له السلطان ألفي إنكشاري وسمح لرعاياه بالتطوع في جيش المغرب، ودخلت الجزائر ضمن الولايات العثمانية. لكن كان على خير الدين أن يجاهد في جبهتين إحداهما ضد دول أوروبا وأسبانيا بخاصة، والأخرى توحيد البلاد في قوة إسلامية تواجه خصومه في المتوسط، فنجح في صراعه مع أوروبا وإلى قدر كبير في طرد الأسبان من الموانئ التي كانوا يحتلونها على سواحل المغرب الأوسط، باستثناء وهران التي ظلت تحت السيطرة الأسبانية حتى القرن الثامن عشر. وقد واجه في سبيل ذلك مؤامرات الحفصيين بإفريقية وبني زيان وغيرهم من القوى المحلية.
نشأة المدن في المغرب الأوسط:
- تاهـرت:
إن مؤسس هذه المدينة هو ابن رستم أحد أمراء القيروان في الفترة التي أصبحت فيها تحت إمرة الخوارج أي أواسط القرن الثاني هـ. فلما عادت إلى حكم السنيين راح ابن رستم عنها على المغرب الأوسط وأسس تاهرت وتسمى اليوم تاقدمت وهي على (12) كيلو مترا من تاهرت الحالية فصارت عاصمة للخوارج لكننا لا نعرف شيئا أكثر مما ذكر عن تاهرت الإسلامية القديمة سوى أن الدولة الرستمية المؤسسة لها قد عاصرت دولة الأغالبة في القيروان ودولة الأدارسة في فاس وإنها زالت معهما عند ظهور الفاطميين واستيلائهم على المغرب الإسلامي وذلك في أواخر القرن الثالث هـ فانتقل أهل تاهرت إلى مدينة سدراته.
سدراته:
توجد آثار هذه المدينة على (600) كيلو متر في الجنوب الشرقي من مدينة الجزائر أسسها الخوارج النازحون من تاهرت لما صارت البلاد تحت الحكم الفاطمي كما ذكر وقد لعبت سدراتة هذه دورا مهما في تزويد أبي يزيد بالإمدادات الحربية لما قام هذه الثائر على دولة الفواطم ودوخ البلاد وذلك خلال الثلث الأول من القرن الرابع هـ. ودامت سدراته إلى موفى الربع الثالث من القرن الخامس هـ. فكانت مدتها قرنين خلا منهما ربع قرن ولم تكن عاصمة دينية فقط بل كانت مركزا تجاريا ذا بال وبالخصوص موطنا ازدهر فيه الفن الإسلامي ازدهارا جليلا كما تشهد به الآثار التي اكتشفت حديثا في خرائبها والتي يوجد بعضها معروضا بمتحف ستيفان قسال بعاصمة الجزائر.
أشيـر:
كل يعلم أن الدولة الفاطمية لم ستقر قدمها في البلاد المغربية إلا بمساعدة قبائل كتامة فلما ثار أبو يزيد الخارجي وتصدعت من أجل ذلك أركان الدولة حتى كاد يقضى عليها بادرت قبائل صنهاجة لمناصرتها وأنقذتها من الهلاك بفوزها على أبي يزيد فلما انتقلت الدولة الفاطمية إلى البلاد المصرية سنة 326 هـ. أمرت على افريقية بلقين بن زيري بن مناد عاهل صنهاجة وكانت عاصمة حكمة أشير التي أسسها أبوه زيري وهي في الجنوب الغربي من مدينة الجزائر على (140) كيلو مترا منها تقريبا ولم ينتقل منها على القيروان بعد ولايته وكذلك أولاده من بعده فقد جعلوا نائبا عنهم في القيروان وظلوا متمسكين بسكنى أشير إلى أن حدث لباديس ثالث الأمراء من بني زيري ما اضطره للانتقال إلى القيروان والاستقرار بها.
ومدينة أشير هذه مدينة بربرية بسيطة متواضعة لم يكن لها ذكر إلا لكونها كانت عاصمة لإمارة صنهاجة ولعل الحفريات الأثرية الجارية الآن في خرائبها سوف تخبرنا عنها بتفاصيل أكثر والجدير بالملاحظة في شأن هذه المدينة أن النويري صاحب موسوعة نهاية الأرب قد أورد في القسم التاريخي من كتابه ما يفيد أن بلقين صاحب أشير قد طلب من الخليفة العبيدي القائم بأمر الله أن يبعث إليه بأحسن ما عنده في المهدية من البنائين ليبنوا له قصورا وقلاعا على شاكلة ما كان يبنى من ذلك في بلاد افريقية.
عاصمة الجزائر:
عمر هذه المدينة في القرن الثاني الهجري قبيلة بربرية اسمها "مزغنى" وكانت في الحقيقة مجموعة مداشر بسيطة إلى أن أمر زيري بن مناد ابنه بلقين بتمصيرها سنة 362 هـ. ثم أن يوسف بن تاشفين أبرز ملوك الدولة المرابطية فتحها في اواخر القرن الخامس هـ. فبنى لها سورا ومسجدا جامعا وهو الموجود اليوم ومن الصدف الحسنة أن هذا المسجد لم تدخل عليه غير تغييرات جزئية بحيث هو الآن على حالته الأولى مع ملاحظة أن الصومعة قد أعادها وأكسبها شكلها الحالي أبو عنان من ملوك بني مدين وذلك أواسط القرن الثامن هـ.
وظلت مدينة الجزائر تابعة للدولة المرابطية حتى ظهرت دولة الموحدين فألحقت بمملكتهم.
قلعة بني حماد
واثر انتقال باديس إلى القيروان ثار عليه أخوه حماد فحاربه باديس ومات وهذا ولم يعد حماد إلى الطاعة كما أخفق سعي المعز بن باديس في اخضاع عمه فتفرق بذلك بنو زيري إلى فرعين فرع بني باديس مركزه القيروان وفرع بني حماد مركزه قلعة بني حماد وهي على (150) كيلو مترا تقريبا من جنوب بجاية وكانت قرية غاية في البساطة إلى أن استولى الأعراب من بني هلال وسليم على القيروان فنزح معظم أهلها إلى القلعة فكبر بذلك شأنها وسريعا ما صارت القوافل تقصدها من العراق والشام والحجاز ومصر ومن جميع النواحي الأخرى.
ونمت ثروة أهلها فجعلوا يشيدون المباني الفاخرة يؤثثونها ويزخرفونها بأنواع المؤثثات والمزخرفات وأفخرها كما يشهد بذلك مجموعة التحف الموجودة بمتحف ستيفان قسال بعاصمة الجزائر وكثرت فيها مظاهر الترف والرفاهية حتى اعتراها الفتور فخرج عنها مقاليد السيطرة على الطرق والسوابل فصارت في أيدي الأعراب فلم يجد أصحاب الدولة وسيلة للخلاص من الخناق إلا بالانتقال إلى بجاية عاصمة جديدة لدولتهم.
بجاية:
اتخذها بنو حماد عاصمة ثانية سنة 484 هـ. غير أنهم لم يتركوا قلعتهم نهائيا إلى بعد أربعين سنة وأصبحت بجاية مركزا لدولة مستبدة على الجانب الأوسط من الشمال الافريقي برا وبحرا بل امتد سلطانها في بداية القرن السادس هـ. حتى إلى تونس والقيروان إلى أن فتح عبد المؤمن بن علي كامل المغرب الإسلامي فدخلت بجاية كغيرها من الدويلات المنشقة عن دولة بني زيري الصنهاجية تحت سلطان الدولة الموحدية وذلك سنة 552 هـ.
تلمسان
لم يكن لهذه المدينة ذكر حتى أصبحت عاصمة لبني عبد الواحد وذلك سنة 633هـ. وقد كان أمرها من قبل إلى صنهاجة ثم إلى الموحدين وبني عبد الوادي وهم قبيلة من الرحل قد فازوا بإنشاء مملكة ذلك أنه لما هزلت دولة الموحدين وتفككت أواصرها انقسمت إلى ممالك ثلاث في الثلث الأول من القرن السابع مملكة للحفصيين في تونس ومملكة للمرينيين في فاس ومملكة لبني عبد الوادي أو بني زيان بتلمسان وكان موقع هذه الدولة الأخيرة من أحرج المواقع لوجودها بين دولتين طموحتين تواقتين إلى الانتشار لاستعادة النفوذ الشامل على كامل المغرب أي احياء مملكة الموحدين الراحلة، تحت لواء تونس أو تحت لواء فاس فقد تداول على تلمسان بالمنازعة والشغب والحرب والحصار الحفصيون من جهة والمرينيون من جهة أخرى وضيقوا عليها واستمروا على ذلك مدة تجاوزت القرن.
قلنا تلمسان لم يكن لها ذكر كبير قبل بني عبد الوادي إن ذلك لصحيح إذا اعتمدنا كتب المؤرخين ولكن الآثار الموجودة بها تفيد غير ذلك فإذا تأملنا من جامعها الكبير وجدناه من مؤسسات يوسف بن تاشين مثل جامع عاصمة الجزائر وهذان الجامعان اثنان – ثالثهما جامع القرويين بفاس – من المؤسسات الفريدة في بابها التي تمثل الفن الإسلامي في ذلك العصر عصر المرابطين الذي ما زال حوله الغموض وهذه مزية عظيمة امتاز بها القطر الجزائري إذ يحتوي على مثل هذه الآيات الفنية وعلى مثل هذه الوثائق التاريخية التي تفيد العلم إفادة عظيمة.
وبتلمسان – إلى جانب الآثار المرابطية القيمة آثار جليلة من مؤسسات بني مرين أبرزها مسجد أبي الحسن الذي صار اليوم متحفا وهو من أجمل التحف التي صاغها الصانع الجزائري بل البشر على الإطلاق ومن الغريب أن بني زيان لم يتركوا لنا شيئا من آثارهم فلعلها محيت من قديم. محاها المرينيون.
المنصورة:
مدينة المنصورة على أربعة أميال غربي تلمسان تقريبا وهي اليوم خربة لم يبق منها إلا سورها وسور جامعها وجهة فقط من أربع من منارة الجامع. والمنصورة بناها أبو يعقوب المنصور المريني سنة 698 هـ، لمنازلة تلمسان لما طال عليه حصارها ولم تنزل عند أوامره وتركت بعد ذلك بقليل فسريعا ما داهمها التخريب.
ولنتوقف عند هذا المقدار وهو كاف
أولا للبرهنة على أن التراب الجزائري هو موطن حضارة منذ القديم وأن هذه الحضارة لم تنقطع منه بل أنها ازدهرت بصفة ممتازة في العصور الإسلامية
ثانيا للإشارة أن هذا القطر له – إلى جانب الآثار القديمة الفنيقية والرومانية والبيزنطية الجليلة القدر – آثار إسلامية هي وليدة الآثار الأولى وجامعة لها وحاوية لجميع مزاياها وبعبارة أخرى فهي حلقة متأخرة من سلسلة متصلة الحلقات متينة الارتباط من نتائج القريحة البشرية فضل الله بها بالقطر الجزائري الشقيق فلأجل ذلك كانت الآثار الإسلامية هذه خليقة بأن يعتني بها عناية لائقة بمقامها.
ولكن الأقدار شاءت أن يطمس جلها فتحولت المساجد إلى غير ما أعدت له ومحيت معالم التمصير العربي في المدن والقرى وغيرت أسماء هذه المدن والقرى العربية فصارت أعجمية كأن مثل هذه السخافات وهذه المحاولات الصبيانية كافية لأن تفصل نهائيا بين ماضي الجزائريين الحافل بالمجد وبين حاضرهم المكلل بالفخار. وفي بطولة أخواننا الخارقة ما فيه الدليل الدامغ على أنهم لم يرضوا بأن يكونوا لحظة إلا الأبناء البررة لأسلاف أماجد قد كانوا أساتذة الغرب في العلوم والفنون، ومثال الحكمة والحصافة والرشد في السياسة، ومثال الرجولة والفحولة والبطولة والمروءة في الحرب.
مدن المغرب الأقصى
فاس:
فاس التي اتخذها الأدارسة عاصمة لحكمهم، كما عمل على تنظيم الإدارة والجيش وتوحيد البلاد. بعد وفاة إدريس الثاني تنازع أبناؤه على الحكم، فانقسمت المملكة وضعفت حتى سقوطها سنة 974 م. ІІ – كان للعاصمة فاس إشعاع حضاري متميز: أسس السلطان إدريس الثاني مدينة فاس (عدوة الأندلس) سنة 808 م، على هضبة سايس، ثم بنى سنة 809 عدوة القرويين، وكان يفصلهما الوادي الكبير. ضمت مدينة فاس العديد من المساجد (الأشياخ، الأندلس، الشرفاء) والجوامع والفنادق والحمامات كما أصبحت مركزا للتجارة والعلماء والفقهاء والأطباء، إلا أن أهم ما تميزت به هوجامع القرويين الذي بنته فاطمة الفهريةسنة 859 م. خاتمـة:
فتحت الدولة الإدريسية المجال أمام ظهور دول إسلامية مستقلة
استطاعت حكم كامل المغرب العربي بل الوصول للأندلس

الإنجاز الحضاري لبني مرين:

شهدت «الدولة المرينية» رخاءً وازدهارًا فى نواحى الحياة كافة.
وجعل المرينيون كل إقليم من أقاليم دولتهم وحدة اقتصادية مستقلة، وجعلوها جميعًا تحت إشراف الوزير المختص أو صاحب الأشغال، وقد تعددت مصادر الدخل المالى وشملت الزكاة، والخراج، والجزية، والضرائب، والغنائم، والمصادرات، وكذلك تنوعت أوجه الإنفاق وشملت: الرواتب، والعطايا، ونفقات الجيش، والبناء والتعمير.
وقد ازدهرت الزراعة ببلاد «المغرب الأقصى» نظرًا لتوافر أسبابها؛ حيث تمتعت البلاد بعدد من الأنهار، إلى جانب الأمطار التى تسقط على جهات متفرقة، مع تنوع المناخ، فضلا عن خصوبة التربة، واهتمام السلاطين بالزراعة، فأسفر ذلك عن وفرة وتنوع فى المحاصيل مثل: القمح، والفول، والشعير، والزيتون، وقصب السكر، والبقول، وكذلك توافرت الفواكه والخضراوات، ونمت الغابات فى مساحات واسعة، فأمدت البلاد بأنواع الأخشاب المختلفة لصناعة السفن والمنازل وغير ذلك من الأغراض.
وشهدت الصناعة ازدهارًا ورواجًا كبيرًا، وتعددت أغراضها ونشطت مراكزها، خاصة وأن الموحدين تركوا وراءهم صناعة مزدهرة بهذه البلاد، وجاء المرينيون فازدهرت فى عهدهم صناعة عصر الزيتون وصناعة السكر، واهتموا بالصناعات الحربية نظرًا لكثرة حروبهم، ويُروى أنهم كانوا روَّادًا فى استعمال البارود، بل لعلهم - كما يقول «ابن خلدون»- أول من استعمله فى صناعة المدافع التى استخدمت فى قذف الأسوار وتحطيمها.
ولم يهمل «بنو مرين» التجارة، بل حرصوا على توفير الأمن للقوافل واهتموا بالتجارة، وأكثروا من الأسواق المتخصصة، وزادوا من عدد الحوانيت ووفروا الراحة للتجار، وأنشأوا لهم الفنادق مثل: «فندق الشماعين»، الذى كان من أهم مراكز التجميع لكبار التجار.
وقد تعددت طرق التجارة، وأقام المرينيون علاقات تجارية مع كثير من الأقطار، فنشطت التجارة الخارجية، وكان التجار المغاربة يحملون الذهب والصمغ من «السودان» إلى «الأندلس»، وقاموا بتصدير المنسوجات الصوفية والجلدية إلى «أوربا»، واستوردوا الآلات الحديدية والأحواض الرخامية، وكان لميناء «سبتة» وغيره من الموانى دور بارز فى تسهيل عمليتى استيراد هذه البضائع وتصديرها.
تشكل المجتمع المرينى من عدة عناصر جاء البربر فى مقدمتها، وجاءت «قبيلة هنتانة» التى تنتمى إليها الأسرة الحاكمة فى مقدمة القبائل البربرية.
ولاشك أن هذه القبيلة التى أسست «الدولة المرينية» قد احتلت مركز الصدارة بالدولة، وتلتها فى المرتبة القبائل الهلالية، ثم القبائل التركية، ثم بقايا الروم والفرنج الذين انضموا إلى الجيش المرينى.
وقد اتسم بلاط المرينيين فى بداية عهدهم بالبداوة، ثم أخذوا بمظاهر الرقى والترف بعد أن استقرت لهم أوضاع البلاد، وثبتت أركانها وتنوعت احتفالات المرينيين، وتعددت بها مظاهر الأبهة والعظمة وكان لاستقبال الوفود وتوديعها احتفال خاص يليق بالدولة، كما كان الاحتفال بعيدى الفطر والأضحى، والمولد النبوى، من أهم ما حرص عليه سلاطين هذه الدولة.
وحظى البناء والتعمير بمرتبة رفيعة لدى المرينيين، واهتموا به اهتمامًا بالغًا، وشيدوا عدة مدن تأتى فى مقدمتها مدينة «فاس الجديدة» أو «الدار البيضاء» التى أنشأها السلطان «يعقوب بن عبدالحق»، فى سنة (674 هـ= 1275م)، لتكون عاصمة لبلاده بدلا من العاصمة القديمة «فاس» التى ازدحمت بالناس.
كما بنى «يوسف بن يعقوب» مدينة «المنصورة» أثناء حصاره لمدينة «تلمسان» سنة (698 هـ= 1299م) واختط بها قصره ومسجدًا، ومساكن للجند والدور والفنادق والبساتين، ثم أُحيطت المدينة بسور كبير.
هكذا بنى المرينيون المساجد الكبيرة بشتى مدن «المغرب الأقصى»، وعنوا بفرشها وتزويدها بالماء اللازم للوضوء، وكان المسجد الجامع الذى بنى بفاس الجديدة سنة (677 هـ= 1278م) من أهم هذه المساجد.
وكانت المدارس من أهم المنشآت التى حرص المرينيون على إقامتها، فأقاموا «مدرسة الصفارين» فى عهد السلطان «يعقوب» الذى عين لها المدرسين، وأجرى على طلبتها النفقات اللازمة، وزودها بخزانة للكتب، وبنى السلطان «أبو سعيد» عدة مدارس منها: مدرسة العطارين، ومدرسة المدينة البيضاء، ومدرسة الصهريج.
ولم يغفل المرينيون إنشاء المستشفيات، فأقام السلطان «يعقوب بن عبد الحق» عدة مستشفيات للمرضى والمجانين، ووفر لها الأطباء، وأجرى عليهم المرتبات، كما خصص جزءًا كبيرًا من أموال الجزية لرعاية الجذامى والعميان.
ورث «بنو مرين» عن المرابطين والموحدين ثروة ثقافية كبيرة، فأسهموا بدورهم فى زيادة هذه الثروة، وأنشئوا المؤسسات العلمية كالمساجد والمدارس، ورحبوا بالعلماء القادمين من «الأندلس» وغيرها؛ وشجعوهم على بذل ما لديهم دفعًا للحركة العلمية بالبلاد.
فاهتم العلماء بتفسير القرآن، وبرع عدد كبير منهم فى هذا العلم أمثال: «محمد بن يوسف بن عمران المزداغى» المتوفى عام (655 هـ= 1257م)، و«محمد بن محمد بن على» المعروف بابن البقال المتوفى عام (725 هـ= 1325م)، و«محمد بن على العابد الأنصارى» الذى اختصر تفسير الزمخشرى المتوفى عام (762 هـ= 1361م).
أما علم الحديث فقد ازدهر باعتباره المصدر الثانى للتشريع، ومن أبرز علمائه: «عبدالمهيمن الحضرمى»، و«محمد بن عبدالرازق الجزولى»، و«ابن رشيد» الذى تُوفى فى سنة (721 هـ= 1321م).
وقد تقدم علم الفقه تقدمًا كبيرًا بسبب تشجيع سلاطين «بنى مرين» للفقهاء؛ فكثرت المؤلفات، وظهر كثير من الفقهاء مثل: «محمد بن محمد بن أحمد المقرى» المعروف بالمقرى الكبير المتوفى عام (758 هـ= 1357م)، و«أحمد بن قاسم بن عبدالرحمن الجذامى» الذى عُرف بالقباب المتوفى عام (778 هـ= 1376م).
وإلى جانب هذه العلوم الدينية ازدهرت علوم اللغة، والنحو والتاريخ، والسير، والرحلات، والجغرافيا، والفلك، والرياضيات، والفلسفة والمنطق والطب، كما ازدهرت الحركة الأدبية، واشتهر عدد كبير من الشعراء، مثل: «أبى القاسم رضوان البرجى» الذى تولى وظيفة الإنشاء فى عهد «أبى عنان المرينى»، و«لسان الدين بن الخطيب» أشهر الشعراء الأندلسيين الذين عاشوا مدة طويلة بالدولة المرينية، وكذا اشتهر عدد كبير فى فن النثر، منهم: «ابن خلدون» و«ابن مرزوق الخطيب».
وأسهمت المكتبات إسهامًا بارزًا فى تنشيط الحركة الفكرية، وكان السلطان «أبو عنان المرينى» قد أفرد دارًا للكتب وزوَّدها بالكتب فى شتى مجالات العلوم والمعرفة، واستخدم بها الأمناء لحفظ الكتب وترتيبها وتصنيفها، وكذا لاستقبال الزائرين.

8. مراجع
1. كتاب بغية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ليحيى بن خلدون أخ عبد الرحمن بن خلدون
2. تاريخ بني زيان من كتاب نظم الدر والعقيان في بيان شرف بني زيان لمحمد بن عبد الله التنسي
3. كتاب العبر لابن خلدون الجزء7
Admin
Admin
المدير
المدير

عدد المساهمات : 972
نقاط : 2426
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

https://chemamin.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى