التسيير والتقنيات الحضرية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التسيير والتقنيات الحضرية
التسيير والتقنيات الحضرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صنع القرار فى مجال التنمية العمرانية في مصر

اذهب الى الأسفل

صنع القرار فى مجال التنمية العمرانية في مصر Empty صنع القرار فى مجال التنمية العمرانية في مصر

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء ديسمبر 21, 2011 9:13 pm

فندق الماريوت قاعة The View الدور 20
القــاهرة
11 يونيو 2007


صنع القرار فى مجال التنمية
يمكن أن توصف تجارب التنمية التي تحققت على أرض مصر خلال الحقبة الحالية بأنها فى مجموعها تنمية متناثرة ومتعثرة بل يمكن ان توصف أيضا بأنها تنمية مبتورة.
وللدلالة على ذلك يكفى ذكـر الظـواهر الآتية والتي تمثل السـمات الأسـاسية للتنمـية فى مصر :
أولا : القفز المكاني المستمر لمشروعات التنمية
غالبا ما ينتقل الاهتمام العام للدولة بمشروعات التنمية جغرافيا من مكان لأخر قبل ان يستكمل المكان الأول مقوماته التنموية الكافية ليصير قادرا على النمو الذاتي دون ما حاجة الى دعم إضافي منها . أو بتعبير آخر فإنه كثيرا ما تنصرف الدولة عن الاهتمام بتنمية إقليم معين وهو ما يزال فى مراحل التنمية الأولى ولم يبلغ بعد ما قد يسمى " بسن الرشد التنموي" وتوقف الصرف عليه وتتجه نحو تنمية إقليم آخر دون ما سبب واضح.
ففي خلال الثمانينات كان الاهتمام العام منصبا على تنمية اقليم سيناء . وكان لهذا الاهتمام ما يبرره ، فالأسباب الأمنية معروفة ولا داعي لذكرها . ولكن الأسباب الموضوعية كثيرة ومتنوعة ، منها أن هذا الإقليم غني بامكاناته التنموية المتنوعة والتي بها يمكن ان تتحقق فيه تنمية شاملة متكاملة . كما ان العائد من الاستثمارات فى مشروعات تنمية هذا الإقليم ليس عائدا بعيد المدى بل هو فى حقيقة الأمر عائد سريع قصير المدى . كما ان النواة البشرية أو ما يسمى بالقاعدة السكانية والتي تبدأ التنمية بها متوفرة به بدرجة كافية .
وما ان بدأنا نلمس الثمار الأولى لتنمية هذا الإقليم الواقع فى الركن الشمالي الشرقي للبلاد حتى انصرف الاهتمام عنه واتجه نحو إقليم آخر يقع فى الاتجاه المضاد تماماً فى الركن الجنوبي الغربي لمصر فى توشكى وشرق العوينات ، ويكاد يختلف عن الإقليم الأول فى كل شئ. فليست به قاعدة بشرية مستقرة يمكن ان تبدأ التنمية بها . كما انه فى تنميته أحادى النشاط وهو النشاط الزراعي وليس متعدد الأنشطة مثل إقليم سيناء ، ويحتاج الى استثمارات ضخمة والعائد منها ليس قريب المدى.
وهذا التحول شبه المفاجئ ليس له ما يبرره وكان يجب ان ينتظر بعض الوقت حتى يستكمل اقليم سيناء مقوماته التنموية الأساسية .
وعندما ظهرت بعض الصعاب التى تواجه مشروع توشكى بدأ الحديث يتجه نحو محور تنموي جديد وهو المحور الذي يقترحه فاروق الباز فى الصحراء الغربية والممتد طوليا بمحاذاة الحيز الحالي من الشمال الى الجنوب. ويعطى هذا المشروع الآن نفس البريق الذي أعطى لمشروع توشكى من قبل .

ثانيا : ضياع دم التنمية بين القبائل :
وأسوق للدلالة على ذلك الأمثلة التالية:
اشتد الصراع فى يوم ما بين وزارة السياحة ووزارة التعمير والإسكان عما ايهما أحق بتنمية سواحل مصر. وقد تم تقسيم السواحل بينهما بالتساوي إرضاءً للطرفين المتنازعين ، فأعطى ساحل البحر الأحمر لوزارة السياحة وأعطى ساحل البحر الأبيض لوزارة التعمير والإسكان . ورضي كل منهما بنصيبه من الغنيمة، فأقامت وزارة السياحة ما هى متخصصة فيه وتجيد صناعته وهو إقامة سلسلة شبه متصلة من القرى السياحية بطول البحر الأحمر . كما أقامت وزارة التعمير ما هى متخصصة فيه وتجيد صناعته وهو إقامة سلسلة متصلة من المدن السكنية بطول البحر الأبيض.
ولذا فقد جاءت تنمية كل من الساحلين تنمية قاصرة ومبتورة، فساحل البحر الأحمر برمته أصبح أحادى النشاط المتمثل فى السياحة وهو نشاط بطبيعته غير مستقر وغير آمن . وتنقص المشروعات السياحية القائمة به البعد العمراني القادر على الجذب السكاني والاستقرار البشري الدائم .
أما ساحل البحر الأبيض فقد تحول الى سلسلة من المدن السكنية للإقامة المؤقتة وينقص المشروعات التي تمت به البعد السياحي تماما . ويعتبر هذا الساحل الفريد من أكثر مناطق العالم امكاناتا للسياحة العالمية لمدة لا تقل عن ثمانية اشهر فى العام . وهكذا ضاع على مصر مصدرا هاما من مصادر الدخل القومي كان يمكن ان يضخ فى اقتصادها الوطني دما جديدا بصفة مستمرة .
وباختصار صار لدينا فى البحر الأحمر سياحة بلا إسكان وفى البحر الأبيض إسكان بلا سياحة . ولو تعاونتا الوزارتان لتنمية الساحلين لتغير وضعهما تماما ولاختلفت صورة التنمية فيهما عما هي عليه الآن.
والمثال الثاني هو ميناء دمياط ، فقد اشتد الصراع أيضا بين وزارة النقل والمواصلات ووزارة التعمير والإسكان حول من هو أحق بإقامة المواني فى مصر. ولسبب ما كسبت وزارة التعمير الجولة الأولى بإنشاء الميناء بكل ما يلزمه من أرصفة ومخازن وخدمات ، رغم ان مسئولية إقامة مثل هذه المشروعات تقع بداهة على كاهل وزارة النقل والمواصلات وليس على وزارة التعمير والإسكان. ولكن الميناء ظل غير مستخدم لسنوات عدة ، ذلك لأنه لم تكن هناك شبكة طرق رئيسية تربطه بباقي مدن وأقاليم مصر حتى يمكن نقل البضائع منه واليه. ولم تقم وزارة النقل بإنشاء شبكة الطرق الإقليمية هذه فى الوقت المناسب ربما ردا على ما أصابها من هزيمة فى الجولة الأولى من المبارزة . وقامت هذه الوزارة بإنشاء هذه الشبكة من الطرق فقط عندما تدخل رئيس الدولة وطالب بتنفيذها حتى يمكن الاستفادة من الميناء بعد ان ظل ميناء أشباح لسنوات طويلة.
أما المثال الثالث فهو يتعلق بمدينة السادات والتي يطلق عليها عادة بمدنية الأشباح. فقد تم الاتفاق عند تخطيط المدينة فى مراحلها الأولى أن ينشأ بها مجمع كبير للحديد والصلب والصناعات المكملة له ليكون القاعدة الاقتصادية الصلبة التي ستقوم عليها المدينة . وبناءً على ذلك أقيمت المدينة بمساكنها وخدماتها ومرافقها استعدادا لاستقبال هذا المجمع الكبير . ولكن فى اللحظة الأخيرة غيرت



وزارة الصناعة رأيها وآثرت ان تقيم هذا المجمع الصناعي على شاطئ البحر الأبيض فى منطقة الدخيلة بمنطقة العجمي بالإسكندرية .


وأقامت ما يلزمه من مدينة سكنية ومرافق وخدمات فى مناطق مجاورة لها وتركت مدينة السادات بمساكنها ومرافقها وخدماتها " تنعى من بناها" . ونحن نعلم ان شواطئ البحار تستخدم فى إغراض معروفة ليس بينها قطعا إقامة الصناعات الثقيلة عليها . ولو اقيم هذا المجمع فى الموقع الذي خصص له أصلا لكانت مدينة السادات اليوم "مدينة عامرة " وليست "مدينة أشباح" كما يحب البعض ان يسميها. اما الأسباب التي دعت وزارة الصناعة الى إقامة هذا المجمع بالدخيلة فى منطقة العجمي وليس بمدينة السادات كما كان مخططا له فلم تكن فى حقيقة الأمر أسبابا موضوعية. ويعبر هذا التحول عن التنافر الذي يسود أحيانا علاقات الوزارات بعضها ببعض.
هذه أمثلة ثلاثة عن فقدان التعاون بين الوزارات المسئولة عن التنمية ، وكأن كل منها تعمل فى دولة مختلفة خاصة بها ولا تعمل جميعها فى دولة واحدة اسمها مصر.

ثالثا : ضياع أرض مصر بين العشائر :
مرت حيازة أرض مصر خارج الوادي والدلتا بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى :
فى عام 1981 صدر القانون رقم 143 لسنة 1981 بشأن الأراضي الصحراوية والذي بموجبه يتم الاتي :
- تقوم وزارة الدفاع بتحديد المناطق ذات الأهمية العسكرية واستغلالها والتصرف فيها للأغراض العسكرية
- بعد ان تقوم وزارة الدفاع بتحديد المناطق العسكرية تقوم الوزارة المسئولة عن استصلاح الأراضي بتحديد المناطق اللازمة لمشروعات استصلاح الأراضي وتقوم بالتصرف فيها واستغلالها بعد اخذ رأي وزارة الدفاع .
- تقوم هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة باستغلال والتصرف فى المواقع غير الواقعة فى المناطق العسكرية أو فى مواقع الاستصلاح بالتنسيق مع وزارة الدفاع.
وبذلك أعطـيت الأولوية فى استـغلال الأراضي الصحراوية لوزارة الدفاع تليها وزارة استصـلاح الاراضي ثم تأتي فى المرتبة الثالثة هيئة المجتمـعات العمرانية . ولكن فى واقـع الأمر أعطيـت لوزراة الدفاع هيمـنة شـبه كاملة على أراضي مصر كلها خارج الوادي والدلتا.
المرحلة الثانية :
فى عام 1991 صـدر القانون رقم 7 لسنة 1991. وقد نص هذا القانـون على إجراءات مختلفة لتحديد استخـدامات الأراضي الصحراوية . فلم يعد يتم هذا التحديد بصورة منفـردة تقوم به كل وزارة على حدة كما كان الحال حسب القانون السابق بل يتم بموجب قرارات جمهورية بعد موافقة


مجلـس الوزراء وبناء على عرض الوزير المختص. أي أن تحديد استخدامات الأراضي أصبح يتم بقدر من التنسيق بين الوزارات وبصورة جماعية وليس بصورة منفردة . ولكن بقيت أولويات الترتيب فى تحديد استخـدامات الأراضي كما كانت عليه فى القانـون السـابق .
إذ أعطيت الأولوية الأولى للأغراض العسـكرية ثم يتم بعد ذلك تحديد مناطـق استصـلاح الأراضـي ومناطـق إقامة المجتمعات الجديـدة والمناطـق السياحية .
المرحلة الثالثة :
فى هذه المرحلة صدرت ثلاثة قرارات جمهورية متتالية كالأتي :
- القرار رقم 152 لسنة 2001 : بموجب هذا القرار تم تحديد المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية من الأراضي الصحراوية.
- القرار رقم 153 لسنة 2001 : بموجب هذا القرار تم إنشاء مركز وطني لتخطيط وتحديد استخدامات الأراضي يتبع لمجلس الوزراء ويتولى بالتنسيق مع الوزارات المختلفة حصر أراضي الدولة وإعداد التخطيط العام لاستخداماتها . ثم تصدر قرارات جمهورية بتخصيصها للوزارات بعد موافقة مجلس الوزراء على هذا التخصيص . أي أن هذا المركز يمثل الجهاز الفني التخطيطي الذي يتولى تحديد استخدامات الأراضي للأنشطة المختلفة.
- القـرار رقم 154 لسنة 2001: بموجـب هذا القـرار تم تخصيص المساحات الموضحة الحدود والمعالم على الخريطة المرفقـة بالقرار لاستخدامات أراضي الدولة حتى عام 2017 فى الأغراض والأنشطة الزراعية والصناعية والتعدينية والعمرانية وخدمات النقل والكهرباء والطاقة . وقد أعدت هذه الخريطة وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية.
والتناقض واضح بين القرارات الجمهورية السابق ذكرها . فبصدور القرار رقم 154 لسنة 2001 لم تعد هناك حاجة لإنشاء جهاز لتحديد استخدامات الأراضي ، فقد تم تحديد استخداماتها بالفعل بموجب هذا القرار. أو بمعنى آخر فإنه بصدور هذا القرار الأخير أصبح القرار رقم 153 لسنة 2001 بإنشاء المركز الوطنى لتخطيط وتحديد استخدامات الأراضي غير ذي موضوع . ولكن من الملاحظ ان المركز الوطني قائم بالفعل حتى الآن ويقوم بتحديد استخدامات أراضي سبق تحديد استخداماتها بموجب قرار جمهوري لاحق لقرار إنشائه.
وفى هذا الشأن يجب ملاحظة ما يلي :
1- أنه فى مجال تخصيص الأراضي أعطيت الأغراض العسكرية أولوية مطلقة على الأنشطة والأغراض التنموية .
2- عندما ترك للوزارات تحديد مواقع ما تحتاجه من أراضي لتحقيق أهدافها فإنها بالغت كثيرا فى تحديد مساحة هذه الأراضي ووضعت يدها على مواقع اكبر مساحة مما تحتاجه فعلا.
3- ان بعض هذه الجهات سعت الى تحويل استخدام بعض الأراضي المخصصة لها الى تحقيق منافع خاصة للعاملين فيها مثل إنشاء مدن سكنية أو مدن ساحلية لهم ولعائلاتهم أو بيعها بالمزاد العلني وإيداع حصيلة هذا البيع فى صناديق خدمات خاصة بهؤلاء العاملين.
4-


تعدد الجهات المنوط بها استخدامات الأراضي كما هو موضح فى القرارات الجمهورية الخاصة بهذا الشأن .
ومثل هذا التعدد يمثل تداخل وتضارب فى المسئوليات بين هذه الجهات ، وسوف ينتهي الأمر حتما الى عدم تحديد استخدامات أراض مصر حسب تخطيط قومي سليم ويستمر الأمر – كما هو عليه الآن – أشبه بتناطح بين جهات مختلفة أيهما يحظى بنصيب الأسد من أرض مصر.

رابعا : ضياع مسئولية إعداد التخطيط القومي والإقليمي بين القبائل والعشائر:
جاء فى قرار إنشاء المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة وهو القرار رقم 153 لسنة 2001 السابق الإشارة اليه ان يقوم هذا المركز بحصر أراضي الدولة خارج الوادي والدلتا وإعداد تخطيط لها بهدفين أساسيين : أولهما تنميتها وثانيهما تحديد استخداماتها وذلك بالتنسيق مع الوزارات المعنية الإنتاجية والخدمية وكذلك بالتنسيق مع وزارة الدفاع . أي ان هذا الجهاز سيتولى إعداد التخطيط الشامل والذي بموجبه سيتم تحديد استخدامات الأراضي للأغراض الزراعية والصناعية والسياحية والعمرانية ، كما سيتولى الجهاز اعداد المخططات القطاعية والمخططات التفصيلية لهذا المخطط الشامل .
وقد سبق ان جاء فى القرار الجمهوري رقم 1093 لسنة 1973 والخاص بإنشاء الهيئة العامة للمجتمعات الجديدة انه من ضمن مسؤلياتها تحديد استخدامات الأراضي خارج الحيز الحالي . و هذه المسئوليات لا تختلف كثيرا عن مسئوليات المركز الوطني لتخطيط واستخدامات الأراضي السابق ذكرها .
ومن جهة أخـرى قامت وزارة التخطـيط بتقسيم المسـطح الجغرافي المصري بحيزه المعمور الحالي وبصحراواته وسواحله الى سبعة أقاليم تخطيطية وذلك بموجب القرار الجمهوري رقم 475 لسنة 1977 ، وقد نص هذا القرار على ان تنـشأ بكل إقليـم لجنة عليا للتخطيط الإقليمي كما تنشأ أيضا بكل إقليـم هيئـة للتخطيط الإقليمي تتبع وزارة التخطيط وتختص بالقيام بالبحوث والدراسات اللازمة لتحديد امكانات موارد الإقليم الطبيعية والبشرية ووسائل تطويرها واستخدامها الاستخدام الامثل . وكذلك إعداد التخطيط التنموي لهذا الإقليم .
كما قامت من جانبها وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية ممثلة فى الهيئة العامة للتخطيط العمراني إعداد الدراسات والتخطيطات الإقليمية لمعظم أقاليم مصر وذلك فى ضوء المادة الأولى من القانون رقم 3 لسنة 1982 الخاص بإنشائها والتي تنص على ان الهيئة هي جهاز الدولة المسئول عن إعداد خطط وبرامج التنمية العمرانية على مستوى الجمهورية . ولكن كل هذه المخططات شبه معطلة لأن الوزارات - سواء أكانت وزارات إنتاج أو وزارات خدمات - غير ملزمة بتنفيذ كل أو بعض ما جاء بمخططات وزارة الإسكان. اذ ان هذه المخططات لم يتم إعدادها بمشاركة فعّالة من الوزارات بل قامت بها وزارة الإسكان منفردة . فضلا عن أن أغلب وزارات الإنتاج والخدمات لديها خططها القومية لتنفيذ برامجها، ولكن هذه الخطط هي خطط قطاعية مثل خطة النقل والمواصلات وخطة الطاقة وخطة الصناعة وخطة السياحة . وقد أعدت كل خطة منها بمعزل عن الخطط الأخرى دون تنسيق فيما بينها.
مما سبق يتضح وجود تداخل شديد فى الاختصاصات بين الأجهزة الموكل إليها إعداد التخطيط القومي والإقليمي خصوصا بين وزارة التخطيط من ناحية ووزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية من ناحية ثانية والمركز الوطني لتحديد استخدامات الأراضي التابع لمجلس الوزراء من ناحية ثالثة. وقد جاء هذا التداخل والتضارب كنتيجة حتمية للتداخلات بين نصوص القوانين والقرارات الجمهورية المختصة بالعملية التخطيطية . وباختصار فإن التخطيط القومي والإقليمي تقوم به ثلاث جهات منفصلة تعمل كل منها بموجب قانون أو قرار جمهوري خاص بها . كما تعمل كل جهة على حدة دون تنسيق أو تعاون مع الجهات الأخرى.

*****************

وفى رأيي ان تعثر التنمية فى مصر هذا التعثر غير المقبول يرجع الى سببين رئيسيين : الأحادية والانفرادية ، أحادية المشروع وانفرادية صانع القرار.
أولهما: أحادية المشروع
ان ما يجرى بإسم التنمية فى حقيقة الأمر هو تنفيذ مجموعة من المشروعات غير المتسقة وغير المترابطة ، فكل مشروع منها يتم التفكير فيه ودراسته وتنفيذه على حدة منفصلا عن غيره وكأنه كيان قائم بذاته.
ان ما يجب التفكير فيه هو خطة استراتيجية للتنمية القومية الشاملة ثم تأتي "المشروعات" لكى تحققها فى مراحل متتالية. أي ان كل مشروع منها غير منفصل عمل يسبقه وعما يتبعه من مشروعات فالكل يجب ان يقع فى منظومة تخطيطية واحدة متكاملة .
ولا أظن أن الدول التي يضرب بها المثل فى النجاح التنموي الاقتصادي والاجتماعي كانت تفكر فى "إقامة مشروعات" بقدر ما كانت تفكر فى التنمية الشاملة بكل أطيافها كتوجه قومي عام .
واذا كان التوجه العام يركز على مشروع أحادي فغالبا ما يجرى تنفيذه فى إطار "سياسي" وليس فى إطار "تنموي" . ويكون تنفيذ هذا المشروع عادة مرتبط اما بفرد أو بطبيعة مرحلة ما ، ويستمد المشروع بقاؤه من بقاء الفرد أو من بقاء المرحلة وينتهي عادة بانتهاؤه .
ثانيهما: انفرادية صانع القرار
كثيرا ما شاهدنا انفراد مسئول ما باتخاذ قرار مصيري هام فى التنمية العمرانية دون ان يستند فى اتخاذ هذا القرار الى دراسات علمية يقوم بها المتخصصون فى مجال العمران ، بل يستند الى رؤى شخصية ذاتية تتسم عادة بقصر النظر وتهدف أساسا لتحقيق مصالح شريحة اجتماعية واحدة ومحددة على حساب شرائح المجتمع الأخرى . توضيحا لذلك نسوق المثال التالي : جاء فى استراتيجية تخطيط القاهرة الكبرى التى أعدها خبراء مصـريون وفرنسـيون فى منتصف السبعـينات من القرن العشرين إنشاء عشرة تجمعات سكنية خارج القاهرة بهدف وقف امتداد العشوائيات بها وايضا نقل بعض الأنشطة من داخل القاهرة الى خارجها وخلخلة الكثافة السكانية بأحياء المدينة العالية الكثـافة . ولكن تم اتخاذ قرار مفاجئ فى التسـعينات بتغيير الهدف من انشاء التجمعات العشرة وتجميع بعضها فى شرق القاهرة فى تجمع كبير أطلق عليه "القاهـرة الجديدة"



بمساحة قدرها 45000 فـدان (يمكن ان تسع 4.5 مليون نسمة) . وخصـص هذا التجمع الضخم للإسـكان الفاخـر وفوق المتوسط .
كما صدر قرار وزاري اخر بزيادة الحيز العمراني لمدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة لتسع ايضا 4.5 مليون نسمة . وقد اتخذت هذه القرارات رغم اعتراض مجموع المخططين العمرانيين ومجموع المعماريين. وسوف تؤدى هذه القرارات الى مزيد من التركيز السكاني الشديد فى إقليم القاهرة عكس ما ينادي به المخططون من ضـرورة وقف النمو السـكاني بالمراكز الحضريـة الكبرى وتوجيه الاهتمام بعمران المدن الصغيرة والمدن المتوسطة فى الحيز الحالي وبعمران محاور التنمية الواعدة فى الحيز الجديد بهدف إعادة التوزيع السكاني على المسطح الجغرافي المصري بصورة متوازنة.
وبمعنى موجز فإن التنمية الحقيقة المستدامة تستلزم الأخذ بالتفكير" التنموي الشامل" وليس التفكير "المشروعاتي الاحادى" مهما كان حجم المشروع ومهما كان بريقه. كما تستلزم الأخذ بالتفكير الجماعي أو تفكير الفريق وليس التفكير الانفرادي الذاتي .

***********
أغلب مشروعات التنمية – ان لم يكن كلها – الناجح منها وغير الناجح قد تم ليس فى الحيز المأهول الحالي فى الشريط الضيق فى الوادي والدلتا بل تم فى الحيز غير المأهول الممتد فى صحراوات مصر وسواحلها.

لقد تمكن أسلافنا الأوائل منذ آلاف السنين من ترويض النهر وتحويله من مستنقع مائي الى مستقر بشري وأقاموا على ضفتيه هذه الحضارة العظيمة المنسوبة إليهم. ومن خلال تجارب طويلة استقر المصري على نمط من الحياة الزراعية النهرية . كما استقرت فى وجدانه مجموعة من القيم والمعتقدات تتسق تماما مع طبيعة هذه الحياة. وأعتقد ان جيلنا هذا يشهد الآن نهاية هذه الدورة الحضارية العظيمة وعليه – ان أراد البقاء لمصر – ان يبدأ بدورة حضارية جديدة تقوم على ترويض الصحراء، كما بدأ أسلافه حضارتهم بترويض النيل .
ان الحياة خارج الوادي والدلتا لم نمتلك بعد مفاتيحها ، وسوف تتطلب أنساق جديدة من الحياة بل وإنسان جديد يختلف عن الإنسان الذي عاش على ضفاف النهر منذ الاستقرار الأول وحتى الآن.
والمشكلة فى التنمية الساحلية والصحراوية لا تكمن فقط فى توطين مشروعات تنموية بها بل تكمن أساسا فى توطين الإنسان المصري فى بيئة جديدة عليه وتأهيله للعيش والبقاء فيها.
ولنبدأ بالخصوصية المصرية وهي خصوصية مكانية وسكانية .
أما خصوصية المكان فتتمثل فى انقسامه الى حيزين متباينين كل التباين : أولهما زراعي خصب ضيق مستو يتسم بندرة الأرض ووفرة المياه ويمثل 4% فقط من مساحة مصر ويسكنه 95% من سكانها وثانيهما رحب صحراوي متباين فى هضابه ومنخفضاته ووديانه وتبلغ مساحته 96% من مساحة مصر ويسكنه 5% فقط من سكانها . والحد الفاصل بين الحيزين واضح وقاطع كالحد الفاصل بين اليابس والماء .
أما خصوصية سكان مصر فتتمثل فى ان المصريين عاشوا خلال تاريخهم الطويل وحتى بداية القرن التاسع عشر فى العصر الحديث فى توازن مع حيزهم المكاني . وقد بلغ متوسط عددهم فى اغلب فترات التاريخ


ثلاثة ملايين نسمة يعيشون على حوالي مليون فدان تروى بري الحياض وتنتج محصول واحد من الزراعة فى العام . ولقد مرت على مصر العديد من الدول والأنظمة ، وشهدت ما شهدت من متغيرات سياسية لا حصر لها ، ولكن بقيت في خلفية الحياة المصرية حقيقة ثابتة لا تتغير وهي ثبات النسبة بين عدد السكان ومساحة المكان ، أو ما يمكن ان يعبر عنه باستقرار الاتزان بين الإنسان والمكان عبر التاريخ.
ولكن العصر العلوي - الذي بدأ فى أول القرن التاسع عشر واستمر حتى منتصف القرن العشرين ودام مائة وخمسين عام - شهد تغير فى عدد السكان وفى مساحة المكان . فقد زاد عدد السكان من ثلاثة ملايين نسمة الى 20 مليون نسمة ، أي بزيادة حوالي ستة مرات . ولكن صاحب هذه الزيادة السكانية زيادة مكانية تمثلت فى ان مساحة الأراضي الزراعية زادت من مليون فدان الى ما يقرب من ستة ملايين أفدنة ، أي بزيادة قدرها ستة مرات أيضا وهي نفس النسبة التى زاد بها عدد السكان . أي ان الزيادة فى عدد السـكان والزيادة فى مسـاحة المكان قد تمتا فى العصر العلوي بمعدل واحد . وهذا يعني ان الاتزان التاريخي بين الإنسان والمكان خلال تاريخ مصر كله امتد ليشـمل الحقبة العلوية ايضا حتى نهايتها. بالإضافة ان اغلب الأراضي الزراعية فى العصر العلوي بدأت تروى بالري الدائم نتيجة لشبكة الري والخزانات والسـدود التي أقيمت فى هذه الفترة ، وبذلك أصبحت الأرض تغل محصـولين او ثلاثة محاصيل فى العام بدلا من المحـصول الواحد التي كانت تغله بري الحياض.
ولكن الأمر اختلف تماما مكانيا وسكانيا بعد ذلك ، فمنذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن زاد عدد سكان مصر من 20 مليون نسمة الى ما يقرب من 76 مليون نسمة أي ما يقرب من أربعة مرات ولم تصاحب الزيادة السكانية زيادة مكانية بل العكس هو الذي حدث تماما . فقد تآكلت الأراضي الزراعية بمعدل كبير نتيجة امتدادات المدن والقرى عليها. ففقدنا خلال النصف الأخير من القرن العشرين حوالي 1.5 مليون فدان ونفقد سنويا حوالي 60 ألف قدان.
وهذا يعني ان الزيادة الكبيرة فى عدد السكان فى الفترة الأخيرة قابلها انخفاض كبير فى مساحة المكان ، وهكذا اختل التوازن التاريخي بين الإنسان والمكان لأول مرة فى تاريخ مصر اختلالا كبيرا. وأصبح الحيز الحيوي يتناقص بمعدل سريع وخطير ويضيق - بمعدل مضاعف -عن استيعاب الزيادة السكانية الضخمة فى الحاضر والمستقبل. ولو استمر هذا التناقص فى المكان كما هو عليه الآن فإن مصر كما عرفها العالم والتاريخ سوف تختفي تماما ما بين 2070 و 2100 كما يتوقع بعض المخططين. وبمعنى آخر فإن الزحف الخرساني السريع وانحسار الغطاء الأخضر أمامه يهدد الوجود المصري برمته كل التهديد .
ويتوقع خبراء السكان بأن تعداد مصر سوف يبلغ عام 2020 حوالي 93 مليون نسمة أي بزيادة قدرها 17 مليون نسمة . ومع بلوغ المدن والقرى درجة التشبع السكاني القصوى والتي على وشك ان تبلغها خلال السنوات القليلة القادمة بقى السؤال الذي يجب ان لا يغيب عن بالنا أبدا أين تذهب الزيادة السكانية والتي تفيض عن قدرة الحيز الحالي فى استيعابها والتي تبلغ من الآن وحتى 2020 حوالي عشرة ملايين نسمة ؟ ثم اين تذهب الزيادة السكانية بعد هذا التاريخ والى ان يصل تعداد مصر الى 135 مليون نسمة ، أي حين تبلغ مصر ما يسمى بدرجة "الاتزان أو الثبات السكاني" فى منتصف هذا القرن كما يتوقع خبراء السكان ؟.

*********


لم يعد أمام مصر امام هذا المأزق التاريخي إلا أن تخرج بسكانها الى آفاق جديدة خارج الوادي والدلتا فى محاور تنموية فى الصحراوات والسواحل لاستيعاب الزيادة السكانية الضاغطة. تلك هي أجندة العمل الوطني الحقيقي لمصر فى الحاضر والمستقبل . وهذا هو الهدف القومي الأول والذي يجب ان توضع خطط التنمية الشاملة لتحقيقه ، بل والذي يجب ان تدور حوله كل من السياسة والاقتصاد والإدارة.
ان ذلك يلزم بداهة ان اعتبار مصر بحيزها المأهول وحيزها غير المأهول كوحدة تنموية واحدة . وحصر كافة امكاناتها الظاهرة والكامنة ودراسة سبل تحويل هذه الامكانات الى أنشطة إنتاجية واقتصادية . ومع تحديد المحاور التنموية الواعدة ونوعية الأنشطة الحياتية التي يمكن تقام بها وبدراسة طبيعتها الايكولوجية والجغرافية يتحدد النمط التخطيطي والعمراني للمستقرات البشرية اللازمة لها والقادرة على الجذب السكاني للعيش والاستقرار فيها .
وتنتهي هذه الدراسات بوضع التخطيط القومي والإقليمي للتنمية الشاملة فى مصر بما يشمله من أولويات ومراحل تنفيذ لتحقيق الهدف الأسمى: وهو إعادة توزيع سكان مصر على كامل مسطحها الجغرافي.
ان ضرورة وضع خطة قومية للتنمية الشاملة يستوجبها عاملين ضاغطين: أولهما الزيادة السكانية الكبيرة وعدم قدرة الحيز الحالي على استيعابها. وثانيهما طبيعة الخصوصية الجغرافية المصرية المكّونة من حيزين متباينين كل التباين، أحدهما زراعي معمور ومكتظ بساكنيه وضيق كل الضيق والآخر صحراوي رحب واسع وشبه خالي من السكان.
وغنى عن الذكر ان التخطيط العمراني وغيره من التخطيطات القطاعية تتم فى ضوء هذا التخطيط القومي العام . ويتبع ذلك بالضرورة إعادة هيكلة النظام الإداري فى مصر لتحديد الأجهزة المنوط بها إعداد هذه التخطيطات والأجهزة المنوط بها تنفيذها ومتابعتها . وتحديد مستويات الإدارة المختلفة: المركزية والإقليمية والمحلية ومسئوليات كل منها وعلاقات العمل بينها.
وفى مثل هذا التوجه الجديد يكون صانع القرار الحقيقي ليس الفرد وليست المرحلة بل الخطة القومية الشاملة ، فهى وحدها التي تحدد المكان والزمان المناسب لكل مشروع من مشروعات التنمية .
Admin
Admin
المدير
المدير

عدد المساهمات : 972
نقاط : 2426
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

https://chemamin.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى