التطور العمراني والتراث المعماري للمدينة المنورة
صفحة 1 من اصل 1
التطور العمراني والتراث المعماري للمدينة المنورة
الفصل الأول : التطور العمراني :
استهل المؤلف هذا الفصل بالحديث عن موقع المدينة المنورة ، ذاكرًا خطوط الطول والعرض ، وحدودها وجهاتها ، وامتداد العمران في الاتجاهين الشرقي والجنوبي .
ثم تحدث عن المدينة ( يثرب ) قبل عصر الرسول ? ، حيث حدد مسمى يثرب إلى الشمال الغربي من المدينة الحالية ( الجرف ) ، وذكر ورود هذا الاسم ( يثرب ) في الكتابات القديمة ، ثم في القرآن الكريم في ثلاث سور ، وتحدث عن وضع المدينة ( يثرب ) بأنها كانت على هيئة مجموعة من الأكواخ والمنازل البدائية مبعثرة دون نظام ، تكتنفها المزارع والبساتين ؛ نظرًا لوفرة المياه فيها ، دون سور يجمع تلك الأبنية ويحيطها ، ولذلك انتشر ما يسمى : بالآطام ، وقد كثرت تلك الآطام حتى عرفت المدينة : ( بذات الآطام ) ، يلجأ إليها السكان عند الخطر ، وكانت الأسواق تقام على أطراف المناطق السكنية .
ثم تحدث عن سكان المدينة ، وذكر الأقوال في تاريخ نزوح اليهود وقبائلهم إليها ، وسبب ذلك ، ثم قيام اليهود بالزراعة وبناء الحصون .
ثم تحدث عن المدينة في عهد الرسول ? ، وخلفائه الراشدين ? ، فتحدث عن الهجرة المباركة وسببها ، ووصول النبي ? المدينة ، وبناء المسجد والحجرات ، ثم بناء الصحابة بيوتهم حول المسجد ، ثم خط النبي ? سوق المسلمين .
وتحدث عن المدينة في العصرين : الأموي والعباسي ( 40-656 ) ، حيث تحول علي بن أبي طالب ? إلى الكوفة ، ثم انتقل مركز الحكم من الكوفة إلى دمشق ، ثم إلى بغداد ، وتحدث عن علاقة المدينة بحكم بني أمية ، وأثر الأمويين فيها ، فقد أقام هشام بن عبد الملك سوق المناخة ، واستخدمت طبقات السكن فوق المحلات التجارية في السوق .
وفي العصر العباسي كثرت هجمات الأعراب على المدينة ، فبنى أمير المدينة العباسي سورًا من اللبن والطوب حولها سنة 263 ، فكان هذا أول سور لها ، ثم تهدم مع الأيام ، فجُدَّد ورُمِّم لحماية المدينة من استيلاء ( الفاطمية ) العبيديين عليها ، ثم جُدد السور على يد : جمال الدين محمد بن أبي منصور الأصفهاني بعد مئتي سنة من إقامته ، وبعد حوالي ثمانية عشر عامًا من تجديده أقام نور الدين الزنكي سنة 558 سورًا من الحجر أحاط بالسور القديم ؛ وذلك لحماية المدينة من الهجمات الصليبية . وذكر المؤلف وصف كل من ابن جبير وابن النجار للمدينة ، من الناحية الجغرافية والعمرانية .
ثم تحدث عن المدينة في العهد الأيوبي والمملوكي ، وأوضح أنه في هذه الحقبة زاد عدد الشوارع والأزقة ، وتميزت فيها الشوارع الرئيسية ، وازداد عدد أبواب المدينة ، واتسع العمران من الناحية الغربية ثلاثة أضعاف عما هو عليه من الطرف الشرقي ، وبين عناية السلاطين بعمران المدينة ، وعلى رأسهم قايتباي ، فقد اهتم بإنشاء المدارس العديدة ، كمدرسة السلطان قايتباي : ( الأشرفية ) ، والمدرسة الزمنية ، كما شرع بإنشاء الكثير من المرافق المهمة ؛ كالحمام ، والطاحون ، والفرن ، والمطبخ ، والأربطة ، كرباط ( ياقوت ) ، وسواها من مباني الخدمات .
أما المدينة في العهد العثماني ؛ فقد نالت الرعاية ، وحظيت بالاهتمام ، وقد نقض العثمانيون السور الطيني القديم ، وأشادوا سورًا بدلاً عنه من الحجر ، وأنشؤوا قلعة في الركن الشمالي الغربي منه ، وكانت ذروة هذا الاهتمام في مطلع القرن التاسع عشر .
وقد صمم ( بوركهارت ) عام (1815م) خريطة للمدينة ، تُعَدُّ أقدم خارطة لها ، ولوحظ اتساع المدينة في هذا العهد ، وامتدادها من جهتيها الغربية والجنوبية ، وقد ازدهر شارع العنبرية ، حيث أنشأ بعض الحكام منازلهم فيه ، بينما يتجمع جل السكان في أحواش كبيرة مغلقة ، يقطن في كل حوش حوالي ( 40 ) عائلة ، وتنفصل الأحواش عن بعضها بحدائق النخيل . وأكبر شوارع المدينة ؛ ما كان يمتد بين باب السلام للمسجد إلى الباب المصري ، وهو الشارع التجاري ، والشارع الآخر من باب الرحمة إلى الباب الشامي .
وأما بيوت السكان ، فمكونة من طابق أو طابقين في الأغلب ، وفي بعض الأحيان من طبقات عدة ، يستخدم في بنائها الحجر البازلتي ، والطوب المحروق ( الطين المشوي ) ، وسقوفها من الخشب ، وبها أحواش ونوافير وأشجار ، ولواجهاتها الخشبية ( الرواشين ) الرائعة .
أما المدينة في القرن العشرين ؛ فقد ذكر إبراهيم رفعت في مرآة الحرمين أنها اتسعت وارتفعت أبنيتها طبقات عدة ، وبيوت الكبراء فخمة ، بديعة جميلة الشكل ، وأبوابها مرتفعة عن الأرض ، وواجهاتها مزخرفة عظيمة ، وأحسن شوارعها : شارع الساحة . ولسورها الداخلية أبواب خمسة هي : باب البقيع ، وباب المجيدي ، وباب الشامي ، والباب الصغير ، والباب المصري ، وأما السور الخارجي فكان فيه : باب العوالي ، وباب قباء ، وباب الحميدي ( العنبرية ) . وقد شفع كل تلك التفصيلات بالصور والخرائط .
أضرَّت الحرب العالمية الأولى بالمدينة المنورة ضررًا بالغًا ، وخرج خلق عظيم من أهلها إلى الشام ومصر ، وكان لتدمير الخط الحديدي أفظع الأثر وأشده على الاقتصاد في المدينة ، وقَلَّ زُوَّارها ، وكان ذلك مع نهاية حكم العثمانيين ، وبداية حكم الشريف ، إلا أنه مع مطلع العهد السعودي بدأت أنفاس المدينة المتلاحقة تهدأ من أثر الأحداث الشديدة ، وعادت إلى الاستقرار وترميم ما تهدم ، ويلحظ ذلك بصورة واضحة بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث عادت الروح إلى المدينة من جديد ، فنمت وازدهر اقتصادها ... ، ونشطت الحركة العمرانية ، لكن ذلك - مع الأسف - كان على حساب الحدائق والواحات الجميلة ، التي
كانت تتخلل المدينة ، وقد تعرضت المدينة لحريق أتى على كثير مما فيها من جمال عمراني ( كحريق العينية ) ، فلم تبق إلا حارة الأغوات ، وبعض الأحواش المبعثرة غرب وجنوب الحرم ، ومن خلال حي الأغوات عُرف الطابع المعماري للمدينة والنسيج العمراني فيها ، مع ملاحظة أن كل الطرق والدروب قد نظمت لتؤدي إلى الحرم .
الفصل الثاني : المباني الدينية :
بدأ المؤلف بالمسجد النبوي الشريف ، وذكر أن أول من أرخ للمدينة ومسجدها الشريف ، وحدَّد مساحاته وأطواله بالذراع : ابن زبالة سنة 199هـ ، ثم ابن رسته 299 ، ثم الهروي ت 611 ، ثم ابن النجار ت 643هـ ، ثم السمهودي .
وقد قارن المؤلف د. لمعي بين معلومات تلك الكتب وما لحقها من مؤلفات ، وحدد طوله وعرضه ، وزياداته في كل عصر ، ومساحات تلك الزيادات ، وأفاض في أوصافها ، وذِكْرِها عند كل مؤرخ وفي كل عصر .
ثم تحدث عن المسجد النبوي في عهد الرسول ? ، وقصة اختيار مكانه ؛ حيث بركت الناقة ، وتحدث عن دور المسجد ووظائفه في صدر الإسلام ، وتحدث عن بنائه ، فذكر أن عمق الأساس كان حوالي ثلاثة أذرع ، وطريقة بناء الجدران لبنة لبنة ، وسمك الجدار حوالي ذراع ونصف ، بمعدل 75 سم ، وسقفه كان بعوراض من جذوع النخل ، ثم غطيت بالجريد والخوص ، وقد فرشت أرضه بالحصباء ، ولم يكن له مئذنة ولا محراب مُجَوَّف ، وكان له منبر خشبي من مرقاتين .
وفي عهد عمر بن الخطاب ? حدثت التوسعة الثانية ، فزاد في طول المسجد وعرضه ، وكانت الزيادة من جهة الغرب ، ومن الطول من جهة القبلة ، وجهة الرحبة ، واستخدم في هذه الزيادة الطوب واللبن ، وجذوع النخيل .
وفي عهد عثمان ? وسع المسجد ، واستخدم في هذه التوسعة الحجر المنحوت ، وكذا الأعمدة الحجرية بدلاً عن جذوع النخل ، وجُصِّصَتْ جدرانه .
وسع الوليد بن عبد الملك المسجد ، فأُدخلت فيه الحجرات الشريفة، وزينت جدرانه ، وزُخرف سقفه وذُهِّب ، وعملت للمسجد مآذن في أركانه .
ثم زاد المهدي العباسي في طول المسجد من الناحية الشمالية ، وكذلك أجريت بعض التعديلات والترميمات والإصلاحات في زمن بعض الخلفاء والأمراء .
بقي المسجد على حاله إلى أن احترق في عهد السلطان قايتباي ، فقامت عمليات الإصلاح ، وكان سلاطين المماليك يتسابقون على العناية بالمسجد وترميمه .
وفي العهد العثماني لقي المسجد النبوي عناية فائقة ، فقد حرص كل سلطان على التحسين والزيادة والتوسيع ، ولعل أشهر ذلك عمارة السلطان عبد المجيد وزياداته ، ومن بعده السلطان عبد الحميد الثاني .
وفي عهد الملك عبد العزيز رحمه الله وسع المسجد توسعة كبيرة بالنسبة لما كان عليه ، ثم عمل الملك فيصل رحمه الله مظلاتٍ واقيةً وصلت إلى شارع المناخة من الناحية الغربية .
بعدها تحدث د. لمعي عن النصوص التاريخية والآيات والمدائح ، وكل ما خُطَّ وسُطِّر على جدار المسجد النبوي الشريف ، وكان بداية ذلك عبارة عن لوحة صغيرة يشار فيها إلى سنة وتاريخ العمران ، أو الإصلاح ، واسم السلطان الذي أمر بإنشائها ، ثم تطورت إلى كتابة البسملة ، وبعض آياتٍ من القرآن الكريم ، ثم زيد في ذلك بعض القصائد من المدائح النبوية ، ولعل تلك الكتابات بلغت أوجها في العهد العثماني ، كما أُثبِتَت أسماء النبي ? على الجدار القبلي للمسجد بخط الثلث الجميل .
1 - مسجد المُصَلَّى ( الغمامة ) ، ويقع جنوب غربي المناخة ، بني في المكان الذي صلى فيه الرسول ? صلاة العيد ، واستمرت صلاة العيدين فيه إلى أواخر القرن التاسع الهجري ، وأول من بناه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، ثم بدأ يُرمم ويُجدد على عهد السلاطين والولاة ، كلما دعت الضرورة إلى ذلك ، وعمارته الحالية تعود إلى عهد السلطان العثماني : عبد المجيد الأول 1255هـ ،، وهو مبني بالحجر البازلتي ، ومسقوف بقبة كبيرة ، وله مئذنة . وأفاض د. لمعي في وصف عمارته وأجزائه وجدرانه ، وأروقته ، ونوافذه ، ومقايسه ، وأحجامه ؛ من طول وعرض وسمك وارتفاع ...
2 - مسجد أبي بكر الصديق ? : من مصليات الأعياد ، وأول من بناه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، ثم أهمل فترة حتى جدده السلطان العثماني محمود الثاني سنة : (1254هـ) ، ثم رمم في العهد السعودي .
3 - مسجد عمر بن الخطاب ? : من مصليات الأعياد ، ذكره السمهودي ، وكان يلحق به مدرسة ، وموقعه قرب باب قباء ، وتعلو بَابَه لوحةٌ تشير إلى تاريخ إنشائه : (1254هـ) في عهد السلطان محمود الثاني ، ويختلف عن مسجد الصديق ببعض التفاصيل .
4 - مسجد علي بن أبي طالب ? : من مصليات الأعياد ، قال السمهودي : المسجد المنسوب لعلي ? اندثر ، وصار مقبرة للحجاج المتوفين في الموسم ، ثم جُدِّد بناؤه سنة 881هـ ، ثم بناه السلطان العثماني عبد المجيد الأول سنة 1269هـ ، يطل المسجد على شارع المناخة .
5 - مساجد منطقة قباء :
أ - مسجد قباء : أول مسجد في الإسلام ، أسسه النبي ? لبني عمرو بن عوف ، وأصله مربد لكلثوم بن الهدم ، وقد زيد فيه ووُسِّع على عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان ? ، ثم أعاد بناءه عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، وجعل له منارة ، وجمع د. لمعي مقايسه ، ووصفه من كتب المؤرخين ، وقارن بينها ، كما تحدث عن المسجد في العهود الإسلامية المتعاقبة ، وعناية العثمانيين به ، وقد أجرى الملك فيصل رحمه الله إصلاحات في المسجد ، وزاد فيه ( رواقًا ) في الجهة الشمالية ، ووصف د. لمعي المسجد وصفًا معماريًا مفصلاً ، تناول جدرانه وسقفه ومحرابه ومنبره ونقوشه ، وتصميمه الهندسي المعماري ، وما كتب على جدرانه من كتابات قرآنية ، وغير ذلك .
ب - مسجد الجمعة : سمي بذلك لأن النبي ? صَلَّى فيه أولَ جمعة ، وهو في طريقه إلى المدينة من قباء ، ويقع في وادي رانوناء ، وقد اهتم به السلاطين والأمراء في عهود متلاحقة ، ثم أسهب د. لمعي في وصفه .
ج - مساجد الفتح ، المعروفة بالمساجد السبعة : وهي ستة : مسجد الفتح ، ومسجد سلمان الفارسي ، ومسجد أبي بكر الصديق ، ومسجد عمر بن الخطاب ، ومسجد علي بن أبي طالب ، ومسجد سعد بن معاذ ( سمي - حديثًا - بمسجد فاطمة ) .
مسجد الفتح : سمي كذلك لأن سورة الفتح نزلت في هذا الموضع ، ويعرف بمسجد الأحزاب ؛ حيث دعا النبي ? يوم الخندق على الأحزاب ، وقد بنيت هذه المساجد كلها على عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله .
واستعرض د. لمعي أقوال المؤرخين حول هذه المساجد وتسميتها ، واختلافهم في التسمية على بعض المساجد ، من مثل إطلاق اسم السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، على مسجد سعد بن معاذ ? ، فهو قد شهد الخندق ، وفاطمة رضي الله عنها مع النساء ، وأثار د. لمعي مسألة تبادل أسماء المساجد على المسميات ، ثم وصف كل مسجد على حدة ، وصفًا دقيقًا ، من حيث شكله وطريقة عمارته ، وأعمدته ، وإيوانه ، وسمك جدرانه وسقفه ... الخ .
6 - المساجد خارج المدينة :
أ - مسجد القبلتين : يقع على هضبة في حرة الوبرة ، في الناحية الشمالية الغربية للمدينة المنورة ، أقامه بنو سواد بن غنم على عهد رسول الله ? ، وسمي كذلك للأمر باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس ، وكان ذلك في صلاة الظهر ، في 15 شعبان ، من السنة الثانية للهجرة ، وجدد على عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، واعتنى به بعض المماليك ، ثم أصلح على عهد سليمان القانوني ، لكنه أهمل حتى استحال خربة في مطلع القرن الماضي ، ثم بُني بالطوب ، وسقف بالخشب - كما يرى العياشي - حتى جاء العهد السعودي ، فبني (بالإسمنت المسلح) ..
ب - مسجد الفضيخ : يقع شرق قباء ، بين العوالي والحرة الشرقية .حيث ضرب النبي ? مكانه خيمة لما حاصر بني النضير ، وسُمي بذلك لأن تحريم الخمر نزل أثناء ذلك ، فأهرق المسلمون خمور الفضيخ ، فاشتهر بذلك ، ثم أُطلق عليه مسجد الشمس ؛ لوقوعه شرق المدينة ، ولأن الشمس أول ما تشرق عليه .
ج - مسجد الإجابة : يقع شمالي البقيع ، وكان لبني معاوية بن مالك بن عوف الأوسي ، بُني على عهد رسول الله ? ، وسمي بذلك لأن الرسول ? دعا هناك ، كما في الأثر المشهور ، بناه بالحجر عمر بن عبد العزيز ، وأُصلح وجُدد على عهد من بعده من السلاطين والولاة ، ثم أُهمل حتى خرب ، ثم جُدِّد في العهد السعودي .
د - مسجد الشجرة ( ذي الحليفة ) وهو مسجد الميقات ، ويبعد عن المدينة حوالي (8 كم) ، وسُمي بالشجرة ؛ لأن النبي ? كان عند خروجه إلى مكة يصلي إلى جنب شجرة ( سَمُرَة ) ، عند قرية (آبار علي) ، بني في عهد عمر بن عبد العزيز ، ثم وُسع وجدد في العهد العثماني ، وصنع له مئذنة . ثم جدد في العهد السعودي .
هـ - مسجد السقيا : نزل الرسول ? مكانه ، حين عرض الجيش إلى غزوة بدر ، وسمي بذلك نسبة إلى بئر هناك يسمى السقيا ، بُني في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، ثم تهدم ، وجدد عدة مرات ، آخرها في العهد السعودي .
و - مسجد العنبرية : بناه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سنة (1325هـ) بجوار محطة السكة الحديدية ، غرب المدينة ، وهو مبنى جميل ، يتكون من جزأين ؛ رواق ومسجد ، وله مئذنتان سامقتان جميلتان ، ويتسم المسجد بالاتزان الكامل ، وقد أقيم على نمط المساجد العثمانية ، كأنه أحد مساجد إسطنبول .
الفصل الثالث : مباني الخدمات الدينية :
1 - رباط مظهر الأحمدي : يعرف بمكتبة محمد مظهر الفاروقي ، أُنشئ عام 1292هـ ، وكان مدرسة وتكية ورباطًا ، يقع في حارة الأغوات ، ويتكون من طابقين ، يتوسطهما صحن حوش للإنارة والتهوية ، وقبو .
2 - رباط ياقوت المارداني : يقع في حارة الأغوات ، يتكون من طبقتين وحوش مستطيل ، ويرجع بناؤه إلى سنة 706هـ ، وهو ثاني أقدم بناء أثري في المدينة ، وقد خُصص لسكن الغرباء من الرجال .
3 - المدرسة الرستمية : وقد أقيمت في العهد العثماني ، ويُرجح المؤلف أنها أقيمت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ، في حي الأغوات ، مقابل رباط ياقوت ، وهي عبارة عن حوش حوله غرف .
4 - مدرسة حسين آغا : وهو الناظر السابق للتكية المصرية بالمدينة ، وذلك سنة 1273هـ ، وهذا المبنى مدرسة وتكية ، وتقع في حي الأغوات ، وقد أنشئت لتعليم الدين .
5 - مدرسة الوزير علم الدين : أقيمت سنة (1301هـ) : تقع قرب المحكمة الشرعية ، وتتكون من ثلاث طبقات ، وتنفتح من الداخل على حوش .
6 - التكية المصرية : أقيمت في عهد والي مصر محمد علي باشا ، على يد ابنه إبراهيم ، وتقع على يسار الداخل إلى المدينة من جهة الغرب ، من باب العنبرية ، وهي في حالة جيدة بطول (89 مترًا) ، وعرض (50 مترًا) ، وألحق بها أفران ومخازن ومطبخ ، وخصصت لتوزيع الخبز والشوربة على (800 شخص) يوميًا ، وتتكون من طابق واحد ، تضم مجموعة من الغرف مغطاة بقباب كروية ، أمامها أروقة تنفتح على صحن واسع .
الفصل الرابع : مباني الخدمات العامة :
1 - حمام طيبة : وهي إحدى الحمامات في المدينة ، تقع قريبًا من الحرم
( حي ذروان ) في حارة الأغوات ، أنشئت في عهد السلطان سليمان عام (973هـ) ، وقد بُنيت من الحجر البازلتي .
الفصل الخامس : المباني السكنية :
حارة الأغوات : تقع في الجهة الشرقية الجنوبية للمسجد النبوي الشريف ، يترواح عرض أزقتها بين متر وثلاثة أمتار ، وبعضها مغطى مسقوف ، وبعضها غير نافذ ، ومبانيها من طبقتين غالبًا ، وأحيانًا من ثلاث طبقات ، وقد حوت بعض المحال التجارية ، بنيت بالحجر والطوب ، وسقفت بالخشب ، ولواجهاتها رواشين مزينة بالزخارف والمشربيات ، ثم وصف المؤلف بعض المنازل التي كانت تقع في تلك الحارة كمثال على البقية .
الخاتمة : لخص فيها المؤلف ما سبق عرضه ، وبين أهم السمات العمرانية للمدينة المنورة ، وهي :
1 - وقوع المسجد النبوي في مركز للمدينة ، وإليه تفضي كل الشوارع والدروب .
2 - أنشئت الأسواق التجارية خارج المدينة ، ثم اندمجت مع السكن في نهاية العصر الأموي ، ثم ظهرت الشوارع التجارية .
3 - لم يكن للمدينة سور دفاعي إلا عندما دعت الحاجة إلى ذلك ، فأقيم السور .
4 - احتَرَم تخطيط المدينة العادات الاجتماعية والتقاليد والأعراف ، فكانت على شكل أحواش ومزارع .
5 - تعددت أشكال شبكة الطرق وأسماؤها ، ( درب ، حارة ، شارع ، زقاق ) ولكل غرض وظيفته ومقياسه .
6 - لم يكن بالمدينة ما يسمى ( بالخان ) في المدن الأخرى ، وهي ( الفنادق ) وذلك لوجود الأربطة لإيواء الغريب .
7 - اعتمد القياس البشري في التصحيح ، فاستعمل : الذراع ، والشبر ، والخطوة ، مما أوجد نسبًا انسيابية .
ثم بين أهم الخصائص المعمارية ، وهي :
1 - احترام الوظيفة للمبنى ، سكن ، مدرسة ، مبنى خدمات .
2 - استعمال التشكيل الحر بالواجهات ، الرواشين والمشربيات .
3 - الانتماء إلى الداخل في التصميم بعمل أحواش داخلية ، مراعيةً الظروف والمناخ ، وملائمة المجتمع الإسلامي .
4 - التجانس في اللون من الحجر البازلتي والخشب الأسمر والطوب البني .
5 - استعمال التشكيل الهندسي المرتبط بوحدة متكررة .
6 - تنوع طرق التشكيل البصري للشوارع .
7 - تواجد انسياب رأسي وأفقي للفراغات داخل المباني .
وبعد ؛ فقد تميز الكتاب عن المدينة المنورة بأن مؤلفه د. لمعي أفاد من معلومات من سبقوه من القدامى أولاً ، ثم صاغه بروح الهندسي ثانيًا ، فتحدث عن الجسوم وأطوالها وعرضها ومساحاتها ومساقطها وزواياها وطريقة بنائها ، ونوع البناء والمواد المستعملة في البناء ، وذكر الأساس وعرضه وعمقه ، وهل بني بالطوب أو بالحجر ، كما تعرض لذكر الممرات وفتحات التهوية والإضاءة ، والأعمدة والأروقة والسقوف والواجهات والدرجات والدركات .
وقد زان الكتاب بصور كثيرة ، وخرائط موضحة ، وذيله بفهارس علمية متعددة ، مما جعل للكتاب أهمية ، يجدر بالقارئ العودة إليه والإفادة منه .
المراجع :
كتاب المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها المعماري
للدكتور صالح لمعي مصطفى
يقع الكتاب في حدود 350 صفحة من الحجم ( الكبير ) ، وقد صدر عن ( دار النهضة العربية ) للطباعة والنشر ، بيروت ، سنة 1981م ، ونال به مؤلفه جائزة أمين مدني ، مناصفة .
يبدأ الكتاب بمقدمة ، بين فيها المؤلف سبب تأليف هذا الكتاب ؛ وهو اختياره خبيرًا للتراث الحضاري بمشروع تخطيط المدينة المنورة ... ، فكان من عمله دراسةُ المراحل التاريخية ، لأول مدينة إسلامية في العالم ، وتطورها وتحديد شكلها ومعالمها لكل فترة .
كما بين المؤلف مراجعه التي اعتمدها في هذه الدراسة - ومعظمها عربية - ، وأهمها كتاب : وفاء الوفا للسمهودي ، ثم مرآة الحرمين بالتركية العثمانية لأيوب صبري ، ومرآة الحرمين لإبراهيم رفعت ، ومخطوطات الأستاذ حمد الجاسر عن المدينة ، وبعض الدراسات الأجنبية ( لبوركهارت ، بيرتون ) ، وبعض الكتب العربية .
استهل المؤلف هذا الفصل بالحديث عن موقع المدينة المنورة ، ذاكرًا خطوط الطول والعرض ، وحدودها وجهاتها ، وامتداد العمران في الاتجاهين الشرقي والجنوبي .
ثم تحدث عن المدينة ( يثرب ) قبل عصر الرسول ? ، حيث حدد مسمى يثرب إلى الشمال الغربي من المدينة الحالية ( الجرف ) ، وذكر ورود هذا الاسم ( يثرب ) في الكتابات القديمة ، ثم في القرآن الكريم في ثلاث سور ، وتحدث عن وضع المدينة ( يثرب ) بأنها كانت على هيئة مجموعة من الأكواخ والمنازل البدائية مبعثرة دون نظام ، تكتنفها المزارع والبساتين ؛ نظرًا لوفرة المياه فيها ، دون سور يجمع تلك الأبنية ويحيطها ، ولذلك انتشر ما يسمى : بالآطام ، وقد كثرت تلك الآطام حتى عرفت المدينة : ( بذات الآطام ) ، يلجأ إليها السكان عند الخطر ، وكانت الأسواق تقام على أطراف المناطق السكنية .
ثم تحدث عن سكان المدينة ، وذكر الأقوال في تاريخ نزوح اليهود وقبائلهم إليها ، وسبب ذلك ، ثم قيام اليهود بالزراعة وبناء الحصون .
ثم تحدث عن المدينة في عهد الرسول ? ، وخلفائه الراشدين ? ، فتحدث عن الهجرة المباركة وسببها ، ووصول النبي ? المدينة ، وبناء المسجد والحجرات ، ثم بناء الصحابة بيوتهم حول المسجد ، ثم خط النبي ? سوق المسلمين .
وتحدث عن المدينة في العصرين : الأموي والعباسي ( 40-656 ) ، حيث تحول علي بن أبي طالب ? إلى الكوفة ، ثم انتقل مركز الحكم من الكوفة إلى دمشق ، ثم إلى بغداد ، وتحدث عن علاقة المدينة بحكم بني أمية ، وأثر الأمويين فيها ، فقد أقام هشام بن عبد الملك سوق المناخة ، واستخدمت طبقات السكن فوق المحلات التجارية في السوق .
وفي العصر العباسي كثرت هجمات الأعراب على المدينة ، فبنى أمير المدينة العباسي سورًا من اللبن والطوب حولها سنة 263 ، فكان هذا أول سور لها ، ثم تهدم مع الأيام ، فجُدَّد ورُمِّم لحماية المدينة من استيلاء ( الفاطمية ) العبيديين عليها ، ثم جُدد السور على يد : جمال الدين محمد بن أبي منصور الأصفهاني بعد مئتي سنة من إقامته ، وبعد حوالي ثمانية عشر عامًا من تجديده أقام نور الدين الزنكي سنة 558 سورًا من الحجر أحاط بالسور القديم ؛ وذلك لحماية المدينة من الهجمات الصليبية . وذكر المؤلف وصف كل من ابن جبير وابن النجار للمدينة ، من الناحية الجغرافية والعمرانية .
ثم تحدث عن المدينة في العهد الأيوبي والمملوكي ، وأوضح أنه في هذه الحقبة زاد عدد الشوارع والأزقة ، وتميزت فيها الشوارع الرئيسية ، وازداد عدد أبواب المدينة ، واتسع العمران من الناحية الغربية ثلاثة أضعاف عما هو عليه من الطرف الشرقي ، وبين عناية السلاطين بعمران المدينة ، وعلى رأسهم قايتباي ، فقد اهتم بإنشاء المدارس العديدة ، كمدرسة السلطان قايتباي : ( الأشرفية ) ، والمدرسة الزمنية ، كما شرع بإنشاء الكثير من المرافق المهمة ؛ كالحمام ، والطاحون ، والفرن ، والمطبخ ، والأربطة ، كرباط ( ياقوت ) ، وسواها من مباني الخدمات .
أما المدينة في العهد العثماني ؛ فقد نالت الرعاية ، وحظيت بالاهتمام ، وقد نقض العثمانيون السور الطيني القديم ، وأشادوا سورًا بدلاً عنه من الحجر ، وأنشؤوا قلعة في الركن الشمالي الغربي منه ، وكانت ذروة هذا الاهتمام في مطلع القرن التاسع عشر .
وقد صمم ( بوركهارت ) عام (1815م) خريطة للمدينة ، تُعَدُّ أقدم خارطة لها ، ولوحظ اتساع المدينة في هذا العهد ، وامتدادها من جهتيها الغربية والجنوبية ، وقد ازدهر شارع العنبرية ، حيث أنشأ بعض الحكام منازلهم فيه ، بينما يتجمع جل السكان في أحواش كبيرة مغلقة ، يقطن في كل حوش حوالي ( 40 ) عائلة ، وتنفصل الأحواش عن بعضها بحدائق النخيل . وأكبر شوارع المدينة ؛ ما كان يمتد بين باب السلام للمسجد إلى الباب المصري ، وهو الشارع التجاري ، والشارع الآخر من باب الرحمة إلى الباب الشامي .
وأما بيوت السكان ، فمكونة من طابق أو طابقين في الأغلب ، وفي بعض الأحيان من طبقات عدة ، يستخدم في بنائها الحجر البازلتي ، والطوب المحروق ( الطين المشوي ) ، وسقوفها من الخشب ، وبها أحواش ونوافير وأشجار ، ولواجهاتها الخشبية ( الرواشين ) الرائعة .
أما المدينة في القرن العشرين ؛ فقد ذكر إبراهيم رفعت في مرآة الحرمين أنها اتسعت وارتفعت أبنيتها طبقات عدة ، وبيوت الكبراء فخمة ، بديعة جميلة الشكل ، وأبوابها مرتفعة عن الأرض ، وواجهاتها مزخرفة عظيمة ، وأحسن شوارعها : شارع الساحة . ولسورها الداخلية أبواب خمسة هي : باب البقيع ، وباب المجيدي ، وباب الشامي ، والباب الصغير ، والباب المصري ، وأما السور الخارجي فكان فيه : باب العوالي ، وباب قباء ، وباب الحميدي ( العنبرية ) . وقد شفع كل تلك التفصيلات بالصور والخرائط .
أضرَّت الحرب العالمية الأولى بالمدينة المنورة ضررًا بالغًا ، وخرج خلق عظيم من أهلها إلى الشام ومصر ، وكان لتدمير الخط الحديدي أفظع الأثر وأشده على الاقتصاد في المدينة ، وقَلَّ زُوَّارها ، وكان ذلك مع نهاية حكم العثمانيين ، وبداية حكم الشريف ، إلا أنه مع مطلع العهد السعودي بدأت أنفاس المدينة المتلاحقة تهدأ من أثر الأحداث الشديدة ، وعادت إلى الاستقرار وترميم ما تهدم ، ويلحظ ذلك بصورة واضحة بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث عادت الروح إلى المدينة من جديد ، فنمت وازدهر اقتصادها ... ، ونشطت الحركة العمرانية ، لكن ذلك - مع الأسف - كان على حساب الحدائق والواحات الجميلة ، التي
كانت تتخلل المدينة ، وقد تعرضت المدينة لحريق أتى على كثير مما فيها من جمال عمراني ( كحريق العينية ) ، فلم تبق إلا حارة الأغوات ، وبعض الأحواش المبعثرة غرب وجنوب الحرم ، ومن خلال حي الأغوات عُرف الطابع المعماري للمدينة والنسيج العمراني فيها ، مع ملاحظة أن كل الطرق والدروب قد نظمت لتؤدي إلى الحرم .
الفصل الثاني : المباني الدينية :
بدأ المؤلف بالمسجد النبوي الشريف ، وذكر أن أول من أرخ للمدينة ومسجدها الشريف ، وحدَّد مساحاته وأطواله بالذراع : ابن زبالة سنة 199هـ ، ثم ابن رسته 299 ، ثم الهروي ت 611 ، ثم ابن النجار ت 643هـ ، ثم السمهودي .
وقد قارن المؤلف د. لمعي بين معلومات تلك الكتب وما لحقها من مؤلفات ، وحدد طوله وعرضه ، وزياداته في كل عصر ، ومساحات تلك الزيادات ، وأفاض في أوصافها ، وذِكْرِها عند كل مؤرخ وفي كل عصر .
ثم تحدث عن المسجد النبوي في عهد الرسول ? ، وقصة اختيار مكانه ؛ حيث بركت الناقة ، وتحدث عن دور المسجد ووظائفه في صدر الإسلام ، وتحدث عن بنائه ، فذكر أن عمق الأساس كان حوالي ثلاثة أذرع ، وطريقة بناء الجدران لبنة لبنة ، وسمك الجدار حوالي ذراع ونصف ، بمعدل 75 سم ، وسقفه كان بعوراض من جذوع النخل ، ثم غطيت بالجريد والخوص ، وقد فرشت أرضه بالحصباء ، ولم يكن له مئذنة ولا محراب مُجَوَّف ، وكان له منبر خشبي من مرقاتين .
وفي عهد عمر بن الخطاب ? حدثت التوسعة الثانية ، فزاد في طول المسجد وعرضه ، وكانت الزيادة من جهة الغرب ، ومن الطول من جهة القبلة ، وجهة الرحبة ، واستخدم في هذه الزيادة الطوب واللبن ، وجذوع النخيل .
وفي عهد عثمان ? وسع المسجد ، واستخدم في هذه التوسعة الحجر المنحوت ، وكذا الأعمدة الحجرية بدلاً عن جذوع النخل ، وجُصِّصَتْ جدرانه .
وسع الوليد بن عبد الملك المسجد ، فأُدخلت فيه الحجرات الشريفة، وزينت جدرانه ، وزُخرف سقفه وذُهِّب ، وعملت للمسجد مآذن في أركانه .
ثم زاد المهدي العباسي في طول المسجد من الناحية الشمالية ، وكذلك أجريت بعض التعديلات والترميمات والإصلاحات في زمن بعض الخلفاء والأمراء .
بقي المسجد على حاله إلى أن احترق في عهد السلطان قايتباي ، فقامت عمليات الإصلاح ، وكان سلاطين المماليك يتسابقون على العناية بالمسجد وترميمه .
وفي العهد العثماني لقي المسجد النبوي عناية فائقة ، فقد حرص كل سلطان على التحسين والزيادة والتوسيع ، ولعل أشهر ذلك عمارة السلطان عبد المجيد وزياداته ، ومن بعده السلطان عبد الحميد الثاني .
وفي عهد الملك عبد العزيز رحمه الله وسع المسجد توسعة كبيرة بالنسبة لما كان عليه ، ثم عمل الملك فيصل رحمه الله مظلاتٍ واقيةً وصلت إلى شارع المناخة من الناحية الغربية .
بعدها تحدث د. لمعي عن النصوص التاريخية والآيات والمدائح ، وكل ما خُطَّ وسُطِّر على جدار المسجد النبوي الشريف ، وكان بداية ذلك عبارة عن لوحة صغيرة يشار فيها إلى سنة وتاريخ العمران ، أو الإصلاح ، واسم السلطان الذي أمر بإنشائها ، ثم تطورت إلى كتابة البسملة ، وبعض آياتٍ من القرآن الكريم ، ثم زيد في ذلك بعض القصائد من المدائح النبوية ، ولعل تلك الكتابات بلغت أوجها في العهد العثماني ، كما أُثبِتَت أسماء النبي ? على الجدار القبلي للمسجد بخط الثلث الجميل .
1 - مسجد المُصَلَّى ( الغمامة ) ، ويقع جنوب غربي المناخة ، بني في المكان الذي صلى فيه الرسول ? صلاة العيد ، واستمرت صلاة العيدين فيه إلى أواخر القرن التاسع الهجري ، وأول من بناه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، ثم بدأ يُرمم ويُجدد على عهد السلاطين والولاة ، كلما دعت الضرورة إلى ذلك ، وعمارته الحالية تعود إلى عهد السلطان العثماني : عبد المجيد الأول 1255هـ ،، وهو مبني بالحجر البازلتي ، ومسقوف بقبة كبيرة ، وله مئذنة . وأفاض د. لمعي في وصف عمارته وأجزائه وجدرانه ، وأروقته ، ونوافذه ، ومقايسه ، وأحجامه ؛ من طول وعرض وسمك وارتفاع ...
2 - مسجد أبي بكر الصديق ? : من مصليات الأعياد ، وأول من بناه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، ثم أهمل فترة حتى جدده السلطان العثماني محمود الثاني سنة : (1254هـ) ، ثم رمم في العهد السعودي .
3 - مسجد عمر بن الخطاب ? : من مصليات الأعياد ، ذكره السمهودي ، وكان يلحق به مدرسة ، وموقعه قرب باب قباء ، وتعلو بَابَه لوحةٌ تشير إلى تاريخ إنشائه : (1254هـ) في عهد السلطان محمود الثاني ، ويختلف عن مسجد الصديق ببعض التفاصيل .
4 - مسجد علي بن أبي طالب ? : من مصليات الأعياد ، قال السمهودي : المسجد المنسوب لعلي ? اندثر ، وصار مقبرة للحجاج المتوفين في الموسم ، ثم جُدِّد بناؤه سنة 881هـ ، ثم بناه السلطان العثماني عبد المجيد الأول سنة 1269هـ ، يطل المسجد على شارع المناخة .
5 - مساجد منطقة قباء :
أ - مسجد قباء : أول مسجد في الإسلام ، أسسه النبي ? لبني عمرو بن عوف ، وأصله مربد لكلثوم بن الهدم ، وقد زيد فيه ووُسِّع على عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان ? ، ثم أعاد بناءه عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، وجعل له منارة ، وجمع د. لمعي مقايسه ، ووصفه من كتب المؤرخين ، وقارن بينها ، كما تحدث عن المسجد في العهود الإسلامية المتعاقبة ، وعناية العثمانيين به ، وقد أجرى الملك فيصل رحمه الله إصلاحات في المسجد ، وزاد فيه ( رواقًا ) في الجهة الشمالية ، ووصف د. لمعي المسجد وصفًا معماريًا مفصلاً ، تناول جدرانه وسقفه ومحرابه ومنبره ونقوشه ، وتصميمه الهندسي المعماري ، وما كتب على جدرانه من كتابات قرآنية ، وغير ذلك .
ب - مسجد الجمعة : سمي بذلك لأن النبي ? صَلَّى فيه أولَ جمعة ، وهو في طريقه إلى المدينة من قباء ، ويقع في وادي رانوناء ، وقد اهتم به السلاطين والأمراء في عهود متلاحقة ، ثم أسهب د. لمعي في وصفه .
ج - مساجد الفتح ، المعروفة بالمساجد السبعة : وهي ستة : مسجد الفتح ، ومسجد سلمان الفارسي ، ومسجد أبي بكر الصديق ، ومسجد عمر بن الخطاب ، ومسجد علي بن أبي طالب ، ومسجد سعد بن معاذ ( سمي - حديثًا - بمسجد فاطمة ) .
مسجد الفتح : سمي كذلك لأن سورة الفتح نزلت في هذا الموضع ، ويعرف بمسجد الأحزاب ؛ حيث دعا النبي ? يوم الخندق على الأحزاب ، وقد بنيت هذه المساجد كلها على عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله .
واستعرض د. لمعي أقوال المؤرخين حول هذه المساجد وتسميتها ، واختلافهم في التسمية على بعض المساجد ، من مثل إطلاق اسم السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، على مسجد سعد بن معاذ ? ، فهو قد شهد الخندق ، وفاطمة رضي الله عنها مع النساء ، وأثار د. لمعي مسألة تبادل أسماء المساجد على المسميات ، ثم وصف كل مسجد على حدة ، وصفًا دقيقًا ، من حيث شكله وطريقة عمارته ، وأعمدته ، وإيوانه ، وسمك جدرانه وسقفه ... الخ .
6 - المساجد خارج المدينة :
أ - مسجد القبلتين : يقع على هضبة في حرة الوبرة ، في الناحية الشمالية الغربية للمدينة المنورة ، أقامه بنو سواد بن غنم على عهد رسول الله ? ، وسمي كذلك للأمر باستقبال الكعبة بدل بيت المقدس ، وكان ذلك في صلاة الظهر ، في 15 شعبان ، من السنة الثانية للهجرة ، وجدد على عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، واعتنى به بعض المماليك ، ثم أصلح على عهد سليمان القانوني ، لكنه أهمل حتى استحال خربة في مطلع القرن الماضي ، ثم بُني بالطوب ، وسقف بالخشب - كما يرى العياشي - حتى جاء العهد السعودي ، فبني (بالإسمنت المسلح) ..
ب - مسجد الفضيخ : يقع شرق قباء ، بين العوالي والحرة الشرقية .حيث ضرب النبي ? مكانه خيمة لما حاصر بني النضير ، وسُمي بذلك لأن تحريم الخمر نزل أثناء ذلك ، فأهرق المسلمون خمور الفضيخ ، فاشتهر بذلك ، ثم أُطلق عليه مسجد الشمس ؛ لوقوعه شرق المدينة ، ولأن الشمس أول ما تشرق عليه .
ج - مسجد الإجابة : يقع شمالي البقيع ، وكان لبني معاوية بن مالك بن عوف الأوسي ، بُني على عهد رسول الله ? ، وسمي بذلك لأن الرسول ? دعا هناك ، كما في الأثر المشهور ، بناه بالحجر عمر بن عبد العزيز ، وأُصلح وجُدد على عهد من بعده من السلاطين والولاة ، ثم أُهمل حتى خرب ، ثم جُدِّد في العهد السعودي .
د - مسجد الشجرة ( ذي الحليفة ) وهو مسجد الميقات ، ويبعد عن المدينة حوالي (8 كم) ، وسُمي بالشجرة ؛ لأن النبي ? كان عند خروجه إلى مكة يصلي إلى جنب شجرة ( سَمُرَة ) ، عند قرية (آبار علي) ، بني في عهد عمر بن عبد العزيز ، ثم وُسع وجدد في العهد العثماني ، وصنع له مئذنة . ثم جدد في العهد السعودي .
هـ - مسجد السقيا : نزل الرسول ? مكانه ، حين عرض الجيش إلى غزوة بدر ، وسمي بذلك نسبة إلى بئر هناك يسمى السقيا ، بُني في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، ثم تهدم ، وجدد عدة مرات ، آخرها في العهد السعودي .
و - مسجد العنبرية : بناه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني سنة (1325هـ) بجوار محطة السكة الحديدية ، غرب المدينة ، وهو مبنى جميل ، يتكون من جزأين ؛ رواق ومسجد ، وله مئذنتان سامقتان جميلتان ، ويتسم المسجد بالاتزان الكامل ، وقد أقيم على نمط المساجد العثمانية ، كأنه أحد مساجد إسطنبول .
الفصل الثالث : مباني الخدمات الدينية :
1 - رباط مظهر الأحمدي : يعرف بمكتبة محمد مظهر الفاروقي ، أُنشئ عام 1292هـ ، وكان مدرسة وتكية ورباطًا ، يقع في حارة الأغوات ، ويتكون من طابقين ، يتوسطهما صحن حوش للإنارة والتهوية ، وقبو .
2 - رباط ياقوت المارداني : يقع في حارة الأغوات ، يتكون من طبقتين وحوش مستطيل ، ويرجع بناؤه إلى سنة 706هـ ، وهو ثاني أقدم بناء أثري في المدينة ، وقد خُصص لسكن الغرباء من الرجال .
3 - المدرسة الرستمية : وقد أقيمت في العهد العثماني ، ويُرجح المؤلف أنها أقيمت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ، في حي الأغوات ، مقابل رباط ياقوت ، وهي عبارة عن حوش حوله غرف .
4 - مدرسة حسين آغا : وهو الناظر السابق للتكية المصرية بالمدينة ، وذلك سنة 1273هـ ، وهذا المبنى مدرسة وتكية ، وتقع في حي الأغوات ، وقد أنشئت لتعليم الدين .
5 - مدرسة الوزير علم الدين : أقيمت سنة (1301هـ) : تقع قرب المحكمة الشرعية ، وتتكون من ثلاث طبقات ، وتنفتح من الداخل على حوش .
6 - التكية المصرية : أقيمت في عهد والي مصر محمد علي باشا ، على يد ابنه إبراهيم ، وتقع على يسار الداخل إلى المدينة من جهة الغرب ، من باب العنبرية ، وهي في حالة جيدة بطول (89 مترًا) ، وعرض (50 مترًا) ، وألحق بها أفران ومخازن ومطبخ ، وخصصت لتوزيع الخبز والشوربة على (800 شخص) يوميًا ، وتتكون من طابق واحد ، تضم مجموعة من الغرف مغطاة بقباب كروية ، أمامها أروقة تنفتح على صحن واسع .
الفصل الرابع : مباني الخدمات العامة :
1 - حمام طيبة : وهي إحدى الحمامات في المدينة ، تقع قريبًا من الحرم
( حي ذروان ) في حارة الأغوات ، أنشئت في عهد السلطان سليمان عام (973هـ) ، وقد بُنيت من الحجر البازلتي .
الفصل الخامس : المباني السكنية :
حارة الأغوات : تقع في الجهة الشرقية الجنوبية للمسجد النبوي الشريف ، يترواح عرض أزقتها بين متر وثلاثة أمتار ، وبعضها مغطى مسقوف ، وبعضها غير نافذ ، ومبانيها من طبقتين غالبًا ، وأحيانًا من ثلاث طبقات ، وقد حوت بعض المحال التجارية ، بنيت بالحجر والطوب ، وسقفت بالخشب ، ولواجهاتها رواشين مزينة بالزخارف والمشربيات ، ثم وصف المؤلف بعض المنازل التي كانت تقع في تلك الحارة كمثال على البقية .
الخاتمة : لخص فيها المؤلف ما سبق عرضه ، وبين أهم السمات العمرانية للمدينة المنورة ، وهي :
1 - وقوع المسجد النبوي في مركز للمدينة ، وإليه تفضي كل الشوارع والدروب .
2 - أنشئت الأسواق التجارية خارج المدينة ، ثم اندمجت مع السكن في نهاية العصر الأموي ، ثم ظهرت الشوارع التجارية .
3 - لم يكن للمدينة سور دفاعي إلا عندما دعت الحاجة إلى ذلك ، فأقيم السور .
4 - احتَرَم تخطيط المدينة العادات الاجتماعية والتقاليد والأعراف ، فكانت على شكل أحواش ومزارع .
5 - تعددت أشكال شبكة الطرق وأسماؤها ، ( درب ، حارة ، شارع ، زقاق ) ولكل غرض وظيفته ومقياسه .
6 - لم يكن بالمدينة ما يسمى ( بالخان ) في المدن الأخرى ، وهي ( الفنادق ) وذلك لوجود الأربطة لإيواء الغريب .
7 - اعتمد القياس البشري في التصحيح ، فاستعمل : الذراع ، والشبر ، والخطوة ، مما أوجد نسبًا انسيابية .
ثم بين أهم الخصائص المعمارية ، وهي :
1 - احترام الوظيفة للمبنى ، سكن ، مدرسة ، مبنى خدمات .
2 - استعمال التشكيل الحر بالواجهات ، الرواشين والمشربيات .
3 - الانتماء إلى الداخل في التصميم بعمل أحواش داخلية ، مراعيةً الظروف والمناخ ، وملائمة المجتمع الإسلامي .
4 - التجانس في اللون من الحجر البازلتي والخشب الأسمر والطوب البني .
5 - استعمال التشكيل الهندسي المرتبط بوحدة متكررة .
6 - تنوع طرق التشكيل البصري للشوارع .
7 - تواجد انسياب رأسي وأفقي للفراغات داخل المباني .
وبعد ؛ فقد تميز الكتاب عن المدينة المنورة بأن مؤلفه د. لمعي أفاد من معلومات من سبقوه من القدامى أولاً ، ثم صاغه بروح الهندسي ثانيًا ، فتحدث عن الجسوم وأطوالها وعرضها ومساحاتها ومساقطها وزواياها وطريقة بنائها ، ونوع البناء والمواد المستعملة في البناء ، وذكر الأساس وعرضه وعمقه ، وهل بني بالطوب أو بالحجر ، كما تعرض لذكر الممرات وفتحات التهوية والإضاءة ، والأعمدة والأروقة والسقوف والواجهات والدرجات والدركات .
وقد زان الكتاب بصور كثيرة ، وخرائط موضحة ، وذيله بفهارس علمية متعددة ، مما جعل للكتاب أهمية ، يجدر بالقارئ العودة إليه والإفادة منه .
المراجع :
كتاب المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها المعماري
للدكتور صالح لمعي مصطفى
يقع الكتاب في حدود 350 صفحة من الحجم ( الكبير ) ، وقد صدر عن ( دار النهضة العربية ) للطباعة والنشر ، بيروت ، سنة 1981م ، ونال به مؤلفه جائزة أمين مدني ، مناصفة .
يبدأ الكتاب بمقدمة ، بين فيها المؤلف سبب تأليف هذا الكتاب ؛ وهو اختياره خبيرًا للتراث الحضاري بمشروع تخطيط المدينة المنورة ... ، فكان من عمله دراسةُ المراحل التاريخية ، لأول مدينة إسلامية في العالم ، وتطورها وتحديد شكلها ومعالمها لكل فترة .
كما بين المؤلف مراجعه التي اعتمدها في هذه الدراسة - ومعظمها عربية - ، وأهمها كتاب : وفاء الوفا للسمهودي ، ثم مرآة الحرمين بالتركية العثمانية لأيوب صبري ، ومرآة الحرمين لإبراهيم رفعت ، ومخطوطات الأستاذ حمد الجاسر عن المدينة ، وبعض الدراسات الأجنبية ( لبوركهارت ، بيرتون ) ، وبعض الكتب العربية .
مواضيع مماثلة
» جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة
» تاثير البيئة الحضرية على المنظر العام للمدينة المنورة
» المدينة المنورة
» خصائص الفن المعماري الإسلامي
» التطور الحضري لحي القماص
» تاثير البيئة الحضرية على المنظر العام للمدينة المنورة
» المدينة المنورة
» خصائص الفن المعماري الإسلامي
» التطور الحضري لحي القماص
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى