مقال بعنوان فكرة الزمن والعمارة
صفحة 1 من اصل 1
مقال بعنوان فكرة الزمن والعمارة
الدكتور : وليد أحمد السيد
دكتوراه نظرية العمارة - جامعة لندن
قارئ في العمارة العربية المعاصرة وفي مضمونها التراثي
كثيرة هي الدراسات التي بحثت موضوع الزمن كبعد رابع في العمارة. إذ تنظر الدراسات المختلفة الى عامل الزمن وتأثيره بالناتج التي تفرزه عملية التصميم المعماري. ويبرز الثالوث الإنسان والمكان والزمان كأهم المتغيرات والمؤثرات التي تتناولها معظم الدراسات. بيد أنه يبدو أن الزمن كعنصر أساسي ومهم في العمارة ينظر اليه كمتغير "مبهم", بمعنى أن ماهية الزمن وارتباطاتها الحسية كعنصر "غير حسي" بالعمارة وتأثيراتها لم تتطرق لما يعنيه البعد الرابع في الفكر المعماري ذاته لا كناتج عمراني فحسب. وبكلمات أخرى تنحو الدراسات الى النظر للزمن على أنه متغير فقط واعتبار أن له تأثير على العمارة بدلالة الفروقات الزمنية – كتغير يومي وفصلي, أوالزمانية – كتغير حقب وسلالات بشرية, لكن تأثير "فكرة الزمن ذاتها" المباشرة على العمارة والفكر المعماري –وبحسب علمي- فلم تطالها أفكار الباحثين. ولذلك فإن ما يسعى اليه هذا المقال بالتحديد هو الإجابة على التساؤلات الرئيسة التالية: ما هو مفهوم الزمن بتعريفه الفلسفي؟ وما هو تأثير الزمن "بحسب هذا المفهوم" في العمارة كتفكير وكآلية منهجية في البيئة المبنية؟
للإجابة على التساؤل الأول فيما يتعلق بفكرة الزمن دعونا نبدأ من المقاربة الأساسية التالية: معروف منطقيا أن الماهيات في هذا الكون تقسم الى عدة أنواع, منها ما هو حسي ملموس يتحدد ويعرف بدلالات حسية فقط كالجماد عموما, أو الحسيات التي تتحدد خصائصها بكينونتين واحدها حسية –الأعضاء البيولوجية المادية الملموسة, والأخرى معنوية –الروح, كالمخلوقات الحية كالإنسان مثلا والحيوانات وتشمل النباتات. وهناك ماهيات "لا حسية" تتحدد بدلالة الحسيات كالشمس وضوئها والقمر ونوره. ويستتبع هذه الفصيلة من اللاحسيات التي تتحدد بالحسيات أنواعا عديدة من غير المرئيات كالفضاء أو الحيز الفراغي والبيئات المتعددة الإجتماعية والثقافية والدينية والسياسية التي تتحدد خصائصها وتتنوع من مكان لآخر بحسب طبيعة الحسيات التي تكونها –نحن البشر. وهناك ماهيات في هذا الكون مخلوقة من طبيعة عجيبة لا تتبع أيا من قوانين الماهيات السابقة إذ تتحدد بطريقة غير مباشرة بدلالة ماهيات أخرى حسية وبأفعال هذه الماهيات الحسية معا –كفعل دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها- بيد أنها هي ذاتها "غير حسية" ومثال هذا النوع الزمن. فما هو الزمن بتعريفه الفلسفي؟
الزمن –بتعريفه وبحسب ادعاء هذا المقال- هو مخلوق دنيوي من عالم الخلق المحدود الفاني –لا عالم الأمر الأزلي الباقي- بيد أن له ماهية مختلفة تماما عن سائر المخلوقات الأخرى إذ وظيفته مرجعية لجميع ما حوله ممن في عالمه فقط. ولذلك –بإدعاء هذا المقال- نحن كثيرا ما نخطئ إذ نعمد إلى مد حدود "الزمن" الى أبعد من حدود العالم الذي تشكل فيه والذي خلق لأجله ولغاية واحدة من أجلها خلقت الحسيات التي تشكله وهي الكواكب ودورانها وذلك (لتعلموا عدد السنين والحساب) أي "كمسطرة" و"آلة قياس" لمرور الوقت. كذلك نخطئ أيضا بنسبة التقادم أو الفناء للزمن ذاته. فالزمن "كمسطرة قياسية" ليس مسؤولا عن شئ أنما هو وسيلة وأداة مرجعية للاستناد اليها فيما يخص "الدفق" الوقتي الذي صمم ليجري من الماضي عبر الحاضر الى المستقبل. تماما كمن يخطئ بنسبة إرتفاع المد بأمواج النهر الى المقياس النهري المستعمل لذلك. أما التقادم والهرم والهلاك فمرده البنية التكوينية البيولوجية للأشياء في عالم الخلق والتي تجعلها تتآكل مع مرور الزمن إما بفعل عوامل التعرية, وإما –في حالة الإنسان وكما أثبت العلم الحديث, بسبب مرور الدم في الأوردة والشرايين على مدى السنين مما يجعلها عرضة للتآكل تماما مثل المواسير بالمبنى المعماري مما يكسب البشرة طابع التقادم والهرم. وإذا انطلقنا من هذه الفكرة ولإدراك مفهوم وفكرة الزمن علينا أن ننظر للعوامل الحسية التي تشكل الزمن. ومن أجل شمولية البحث ولإدراك فكرة الزمن في عالمنا الفاني يبدو من المفيد أن نتطرق لمفهوم "عكس الزمن" في عالم الأمر الباقي؟ فما هو الأول وما هو الثاني؟
من أجل البحث عن الإجابة سنستعين بالمادة الثيولوجية والمنطقية العلمية المتوفرة في هذا الخصوص. ونبدأ بالتساؤل المنطقي التالي: ما الذي يحدد ويشكل الزمن في عالمنا؟ والجواب العلمي المعروف للجميع هو أن الزمن يتشكل بإحداثيات حسية هي كواكب ونجوم وأفعال -هي دورانها حول بعضها, وسرعة الدوران هذه تحدد بصورة أساسية "وحدات الزمن" القياسية بما نستطيع فهمه وهي الغاية من خلق الزمن. فدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس بسرعة معينة "تخلق" الزمن الأرضي. بيد أن "الزمن" كأداة قياسية انما هو متفاوت التدريج, إذ هو "أزمنة" –وإن شئت فقل "مساطر قياسية" متعددة, تماما كما أن "المكان" ليس واحدا إنما هو "أمكنة". فالزمن على الأرض ليس هو ذاته على عطارد أو المشتري أو الزهرة الذي يدور حول نفسه ببطء وتكاسل شديد إذ يستغرق 243 يوما أرضيا ليكمل دورة واحدة حول نفسه وهو أطول من الوقت الذي يستغرقه للدوران حول الشمس, بمعنى أن اليوم على الزهرة أطول من السنة وهو من عجيب التنوع في هذا الكون. وأقرب هذه الكواكب لزمننا الأرضي هو المريخ إذ أن اليوم المريخي هو 24 ساعة و36 دقيقية أرضية وله فصول أربعة مشابهة لفصولنا الأرضية بسبب درجة ميلان محوره عن الشمس المشابهة لدرجة ميلان أرضنا. وبما أن الأيام على كواكبنا المحدودة التي تنتمي لشمسنا ليست واحدة وهي التي تحدد الزمن في كل مكان منها بدرجة أساسية فمعنى ذلك أن الزمن وفكرته الفلسفية معتمدة اعتمادا كليا على هذه المخلوقات الدنيونية الفانية ولا بد يوما. وما يعتمد على ما هو فان فلا بد أن يكون فانيا أيضا بالمنطق. بمعنى أن "الزمن" الأرضي الذي نعرفه هو مخلوق يموت كل لحظة, أفلا تموت الثواني على الدوام منذ زمن آدم عليه السلام. ومن هنا نستحضر الحديث القدسي الذي معناه (فإني كتبت الموت على كل ما هو تحت العرش). والزمن هو مخلوق من مخلوقات الله تعالى تحت العرش. وهنا تبرز فكرة نناقشها لاحقا في هذا المقال وهي: بما أن الزمن هو مخلوق فان فكيف لخالقه أن ينضوي تحت قوانينه؟ كيف للخالق المطلق أن تحكمه قوانين المخلوق الفاني؟
من هنا تبرز فكرة لنعمل فكرنا المحدود بها وهي فكرة "عكس الزمن" أو اللازمن. ما هو عكس الزمن؟ نحن نعرف أن عكس المادة هي العدم ولكن كيف هو العدم؟ ماذا يعني الصفر بالضبط؟ وبالمثل نتساءل ما هو الخلود أو عكس الإنضباط بالزمن؟ لا أعتقد أن بوسعنا إدراك ذلك تماما إذ نحن محدودون بطبيعة خلقتنا الحالية بضوابط ومحددات كثيرة, إنما بوسعنا الإستقراء بما نعلم مما يحيط بنا من عالمنا. وهذه بعض الأفكار لنعمل فكرنا فيها. ما رأي القارئ الكريم إذا طرحت فكرة أن "الزمن" الدنيوي كإسم ********* - ولنسمه مثلا (حسنين) - قد ينتمي "لعائلة أوسع" من "الزمن" الكوني لكن لكل واحد منها طبيعة مختلفة تماما. ولتقريب ما أقول للمنطق وللذهن, أضرب مثالا من الملموسات –مع مرعاة أن الزمن ليس بملموس كما ذكرنا أعلاه- هناك التفاح والبرتقال وغيره مما ينتمي لعائلة أوسع هي الفاكهة, وكذا عائلة الخضروات وعائلة "البشر" وعائلة الكواكب وعائلة الحيوان وعائلات الطيور وعائلة المكان (الماء والهواء والتراب والنار), فبالمنطق ما الذي يمنع من وجود "عائلة" واسعة ينتمي اليها صاحبنا (حسنين) إذ هو ليس مقطوعا من شجرة إذ ولا بد أن له شجرة عائلة ينتمي اليها أسوة بسائر المخلوقات ومنها المكان. ولا أعني أن عائلته ولا بد أن تكون دنيوية. ما الذي يمنع من وجود صور أخرى لخلقة الزمن تتشكل بمعطيات ومؤثرات حسية أو لا حسية؟ بمعنى أنه ما الذي يمنع من وجود صور فريدة للزمن متطورة بطبيعتها بحيث لا تكون مشابهة لطبيعة زماننا المحدودة بعناصر حسية فانية؟ ما الذي يمنع من وجود صورة أو صور متقدمة فريدة "للزمن" كمسطرة قياسية مرجعية لا تقيس الفناء كما في عالم الخلق الفاني خاصتنا, إنما تقيس الخلود إن كانت هناك حاجة أصلا لقياس الخلود؟ ما الذي يمنع من وجود صورة للزمن تتحدد مثلا –وأقول مثلا- بطواف المائة ألف ملك في السماء حول البيت المعمور الذي يشابه كعبتنا لقياس عالم الخلود كحقب زمنية بما يناسب مفهوم الخلود, وبما أننا سلمنا جدلا أعلاه أن الزمن إنما هو مسطرة قياسية فقط ولا علاقة له بالفناء نفسه إنما هو فان في عالمنا لإعتماده على كواكب تفنى فإن صورة الزمن (إبن عمومة صاحبنا حسنين) في عالم الأمر الخالد ولا بد أن يكون صورة من صور الخلود أيضا؟
المصدر : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
دكتوراه نظرية العمارة - جامعة لندن
قارئ في العمارة العربية المعاصرة وفي مضمونها التراثي
كثيرة هي الدراسات التي بحثت موضوع الزمن كبعد رابع في العمارة. إذ تنظر الدراسات المختلفة الى عامل الزمن وتأثيره بالناتج التي تفرزه عملية التصميم المعماري. ويبرز الثالوث الإنسان والمكان والزمان كأهم المتغيرات والمؤثرات التي تتناولها معظم الدراسات. بيد أنه يبدو أن الزمن كعنصر أساسي ومهم في العمارة ينظر اليه كمتغير "مبهم", بمعنى أن ماهية الزمن وارتباطاتها الحسية كعنصر "غير حسي" بالعمارة وتأثيراتها لم تتطرق لما يعنيه البعد الرابع في الفكر المعماري ذاته لا كناتج عمراني فحسب. وبكلمات أخرى تنحو الدراسات الى النظر للزمن على أنه متغير فقط واعتبار أن له تأثير على العمارة بدلالة الفروقات الزمنية – كتغير يومي وفصلي, أوالزمانية – كتغير حقب وسلالات بشرية, لكن تأثير "فكرة الزمن ذاتها" المباشرة على العمارة والفكر المعماري –وبحسب علمي- فلم تطالها أفكار الباحثين. ولذلك فإن ما يسعى اليه هذا المقال بالتحديد هو الإجابة على التساؤلات الرئيسة التالية: ما هو مفهوم الزمن بتعريفه الفلسفي؟ وما هو تأثير الزمن "بحسب هذا المفهوم" في العمارة كتفكير وكآلية منهجية في البيئة المبنية؟
للإجابة على التساؤل الأول فيما يتعلق بفكرة الزمن دعونا نبدأ من المقاربة الأساسية التالية: معروف منطقيا أن الماهيات في هذا الكون تقسم الى عدة أنواع, منها ما هو حسي ملموس يتحدد ويعرف بدلالات حسية فقط كالجماد عموما, أو الحسيات التي تتحدد خصائصها بكينونتين واحدها حسية –الأعضاء البيولوجية المادية الملموسة, والأخرى معنوية –الروح, كالمخلوقات الحية كالإنسان مثلا والحيوانات وتشمل النباتات. وهناك ماهيات "لا حسية" تتحدد بدلالة الحسيات كالشمس وضوئها والقمر ونوره. ويستتبع هذه الفصيلة من اللاحسيات التي تتحدد بالحسيات أنواعا عديدة من غير المرئيات كالفضاء أو الحيز الفراغي والبيئات المتعددة الإجتماعية والثقافية والدينية والسياسية التي تتحدد خصائصها وتتنوع من مكان لآخر بحسب طبيعة الحسيات التي تكونها –نحن البشر. وهناك ماهيات في هذا الكون مخلوقة من طبيعة عجيبة لا تتبع أيا من قوانين الماهيات السابقة إذ تتحدد بطريقة غير مباشرة بدلالة ماهيات أخرى حسية وبأفعال هذه الماهيات الحسية معا –كفعل دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها- بيد أنها هي ذاتها "غير حسية" ومثال هذا النوع الزمن. فما هو الزمن بتعريفه الفلسفي؟
الزمن –بتعريفه وبحسب ادعاء هذا المقال- هو مخلوق دنيوي من عالم الخلق المحدود الفاني –لا عالم الأمر الأزلي الباقي- بيد أن له ماهية مختلفة تماما عن سائر المخلوقات الأخرى إذ وظيفته مرجعية لجميع ما حوله ممن في عالمه فقط. ولذلك –بإدعاء هذا المقال- نحن كثيرا ما نخطئ إذ نعمد إلى مد حدود "الزمن" الى أبعد من حدود العالم الذي تشكل فيه والذي خلق لأجله ولغاية واحدة من أجلها خلقت الحسيات التي تشكله وهي الكواكب ودورانها وذلك (لتعلموا عدد السنين والحساب) أي "كمسطرة" و"آلة قياس" لمرور الوقت. كذلك نخطئ أيضا بنسبة التقادم أو الفناء للزمن ذاته. فالزمن "كمسطرة قياسية" ليس مسؤولا عن شئ أنما هو وسيلة وأداة مرجعية للاستناد اليها فيما يخص "الدفق" الوقتي الذي صمم ليجري من الماضي عبر الحاضر الى المستقبل. تماما كمن يخطئ بنسبة إرتفاع المد بأمواج النهر الى المقياس النهري المستعمل لذلك. أما التقادم والهرم والهلاك فمرده البنية التكوينية البيولوجية للأشياء في عالم الخلق والتي تجعلها تتآكل مع مرور الزمن إما بفعل عوامل التعرية, وإما –في حالة الإنسان وكما أثبت العلم الحديث, بسبب مرور الدم في الأوردة والشرايين على مدى السنين مما يجعلها عرضة للتآكل تماما مثل المواسير بالمبنى المعماري مما يكسب البشرة طابع التقادم والهرم. وإذا انطلقنا من هذه الفكرة ولإدراك مفهوم وفكرة الزمن علينا أن ننظر للعوامل الحسية التي تشكل الزمن. ومن أجل شمولية البحث ولإدراك فكرة الزمن في عالمنا الفاني يبدو من المفيد أن نتطرق لمفهوم "عكس الزمن" في عالم الأمر الباقي؟ فما هو الأول وما هو الثاني؟
من أجل البحث عن الإجابة سنستعين بالمادة الثيولوجية والمنطقية العلمية المتوفرة في هذا الخصوص. ونبدأ بالتساؤل المنطقي التالي: ما الذي يحدد ويشكل الزمن في عالمنا؟ والجواب العلمي المعروف للجميع هو أن الزمن يتشكل بإحداثيات حسية هي كواكب ونجوم وأفعال -هي دورانها حول بعضها, وسرعة الدوران هذه تحدد بصورة أساسية "وحدات الزمن" القياسية بما نستطيع فهمه وهي الغاية من خلق الزمن. فدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس بسرعة معينة "تخلق" الزمن الأرضي. بيد أن "الزمن" كأداة قياسية انما هو متفاوت التدريج, إذ هو "أزمنة" –وإن شئت فقل "مساطر قياسية" متعددة, تماما كما أن "المكان" ليس واحدا إنما هو "أمكنة". فالزمن على الأرض ليس هو ذاته على عطارد أو المشتري أو الزهرة الذي يدور حول نفسه ببطء وتكاسل شديد إذ يستغرق 243 يوما أرضيا ليكمل دورة واحدة حول نفسه وهو أطول من الوقت الذي يستغرقه للدوران حول الشمس, بمعنى أن اليوم على الزهرة أطول من السنة وهو من عجيب التنوع في هذا الكون. وأقرب هذه الكواكب لزمننا الأرضي هو المريخ إذ أن اليوم المريخي هو 24 ساعة و36 دقيقية أرضية وله فصول أربعة مشابهة لفصولنا الأرضية بسبب درجة ميلان محوره عن الشمس المشابهة لدرجة ميلان أرضنا. وبما أن الأيام على كواكبنا المحدودة التي تنتمي لشمسنا ليست واحدة وهي التي تحدد الزمن في كل مكان منها بدرجة أساسية فمعنى ذلك أن الزمن وفكرته الفلسفية معتمدة اعتمادا كليا على هذه المخلوقات الدنيونية الفانية ولا بد يوما. وما يعتمد على ما هو فان فلا بد أن يكون فانيا أيضا بالمنطق. بمعنى أن "الزمن" الأرضي الذي نعرفه هو مخلوق يموت كل لحظة, أفلا تموت الثواني على الدوام منذ زمن آدم عليه السلام. ومن هنا نستحضر الحديث القدسي الذي معناه (فإني كتبت الموت على كل ما هو تحت العرش). والزمن هو مخلوق من مخلوقات الله تعالى تحت العرش. وهنا تبرز فكرة نناقشها لاحقا في هذا المقال وهي: بما أن الزمن هو مخلوق فان فكيف لخالقه أن ينضوي تحت قوانينه؟ كيف للخالق المطلق أن تحكمه قوانين المخلوق الفاني؟
من هنا تبرز فكرة لنعمل فكرنا المحدود بها وهي فكرة "عكس الزمن" أو اللازمن. ما هو عكس الزمن؟ نحن نعرف أن عكس المادة هي العدم ولكن كيف هو العدم؟ ماذا يعني الصفر بالضبط؟ وبالمثل نتساءل ما هو الخلود أو عكس الإنضباط بالزمن؟ لا أعتقد أن بوسعنا إدراك ذلك تماما إذ نحن محدودون بطبيعة خلقتنا الحالية بضوابط ومحددات كثيرة, إنما بوسعنا الإستقراء بما نعلم مما يحيط بنا من عالمنا. وهذه بعض الأفكار لنعمل فكرنا فيها. ما رأي القارئ الكريم إذا طرحت فكرة أن "الزمن" الدنيوي كإسم ********* - ولنسمه مثلا (حسنين) - قد ينتمي "لعائلة أوسع" من "الزمن" الكوني لكن لكل واحد منها طبيعة مختلفة تماما. ولتقريب ما أقول للمنطق وللذهن, أضرب مثالا من الملموسات –مع مرعاة أن الزمن ليس بملموس كما ذكرنا أعلاه- هناك التفاح والبرتقال وغيره مما ينتمي لعائلة أوسع هي الفاكهة, وكذا عائلة الخضروات وعائلة "البشر" وعائلة الكواكب وعائلة الحيوان وعائلات الطيور وعائلة المكان (الماء والهواء والتراب والنار), فبالمنطق ما الذي يمنع من وجود "عائلة" واسعة ينتمي اليها صاحبنا (حسنين) إذ هو ليس مقطوعا من شجرة إذ ولا بد أن له شجرة عائلة ينتمي اليها أسوة بسائر المخلوقات ومنها المكان. ولا أعني أن عائلته ولا بد أن تكون دنيوية. ما الذي يمنع من وجود صور أخرى لخلقة الزمن تتشكل بمعطيات ومؤثرات حسية أو لا حسية؟ بمعنى أنه ما الذي يمنع من وجود صور فريدة للزمن متطورة بطبيعتها بحيث لا تكون مشابهة لطبيعة زماننا المحدودة بعناصر حسية فانية؟ ما الذي يمنع من وجود صورة أو صور متقدمة فريدة "للزمن" كمسطرة قياسية مرجعية لا تقيس الفناء كما في عالم الخلق الفاني خاصتنا, إنما تقيس الخلود إن كانت هناك حاجة أصلا لقياس الخلود؟ ما الذي يمنع من وجود صورة للزمن تتحدد مثلا –وأقول مثلا- بطواف المائة ألف ملك في السماء حول البيت المعمور الذي يشابه كعبتنا لقياس عالم الخلود كحقب زمنية بما يناسب مفهوم الخلود, وبما أننا سلمنا جدلا أعلاه أن الزمن إنما هو مسطرة قياسية فقط ولا علاقة له بالفناء نفسه إنما هو فان في عالمنا لإعتماده على كواكب تفنى فإن صورة الزمن (إبن عمومة صاحبنا حسنين) في عالم الأمر الخالد ولا بد أن يكون صورة من صور الخلود أيضا؟
المصدر : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
مواضيع مماثلة
» مقال بعنوان اختفاء نهر النيل عن مجراه الطبيعي
» مقال بعنوان البنية المحلية 'قاطرة التنمية'
» مقال بعنوان العمارة القطرية بين الأصالة والمعاصرة
» مقال بعنوان المباني الخضراء وفكرة البناء التقليدي بالصين
» مقال بعنوان مشكلة الركود الموسمى لضباب التلوث فوق القاهرة والدلتا
» مقال بعنوان البنية المحلية 'قاطرة التنمية'
» مقال بعنوان العمارة القطرية بين الأصالة والمعاصرة
» مقال بعنوان المباني الخضراء وفكرة البناء التقليدي بالصين
» مقال بعنوان مشكلة الركود الموسمى لضباب التلوث فوق القاهرة والدلتا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى