السياسات العمرانية في الجزائر

من طرف **Admin** الجمعة نوفمبر 11, 2011 6:57 pm

1_ مقدمة :

لقد شهدت الجزائر خلال الفترة الحديثة تطور ديمغرافي كبير قابله تطور عمراني تميز بوتيرة سريعة جدا حيث عرفت امتداد مساحي عمراني كبير وهذا بسبب المشاريع التنموية التي ألحت الدولة على أنجازها وذلك تلبيتا لحاجيات المواطنين ورغبتا في تحسين أوضاعهم المعيشية وبهذا لجأت الدولة الى التهيئة العمرانية معتمدتا على سياسات عمرانية محددة .فما المقصود بالتهيئة العمرانية ؟وماهي أهدافها ؟وماهي أهم السياسات التي طبقتها الدولة للنهوض بالقطاع العمراني ؟وهل نجحت في ذلك ؟

2

2_ تعريف التهيئة العمرانية :

لقد ظهر مفهوم التهيئة العمرانية مع بدلية الثلاثينات في الاتحاد السوفياتي ثم تطور بعد ذلك في الدول الرأسمالية مثل فرنسا وباقي دول غرب أوروبا اين استعمل كوسيلة في مجال تنظيم أوساطها الطبيعية العمرانية والريفية وكذلك لأهداف سياسية واقتصادية واجتماعية التي دعت اليها هذه الدول وطبقتها بعد الحرب العالمية الثانية (1)

ان تعريف التهيئة العمرانية يختلف من بلدة الى أخرى وهذا حسب النظام الاجتماعي المطبق وكذلك التقدم الاقتصادي الذي تعرفه هذه الدول ولقد تم تعريفها من طرف الدكتور تجاني بشير على أنها نوع من أساليب وتقنيات التدخل المباشر اما بالأفكار أو الدراسات مع الاستعانة بوسائل التنفيذ لتنظيم ظروف المعيشة في المستوطنات البشرية سواءا اقليميا أو وطنيا .(2)

وتعرف أيضا على أنها الأرادة العمومية على تنظيم المظاهر الجغرافية والاقتصادية والبشرية لتحقيق التوازن بين الأماكن والسكان مع توفير الشغل والايواء والخدمات العمومية من خلال :

Ø انجاز الهياكل المطلوبة واستغلال الثروات الطبيعية .

Ø الحفاظ على التراث التاريخي في بيئة ايكولوجية نظيفة .(3)

Ø خلق مساحات اقتصادية وشبه اقتصادية متناسقة .

Ø تصحيح الأخطاء الاقتصادية .

3

3_ أهداف التهيئة العمرانية :

Ø هي وسيلة للازدهار الاقتصادي على المدى البعيد.

Ø القضاء على التناقضات الاجتماعية في مختلف المناطق .

Ø القضاء على الفقر والتخلف .

Ø الحد من الهجرة الريفية نحو المدن وخلق التناسق بين مختلف جهات الوطن .

Ø محاولة ايجاد حلول للاستثمار في المناطق النائية (المعزولة) .

Ø محاولة تحسين الفضاء السوسيوفيزيائي الحضري.

Ø محاولة اشراك جميع مختصي المدينة في مشاريعها .

Ø نشر وتوزيع النشاطات الاقتصادية بطريقة عقلانية

Ø تنمية الدخل القومي والانتاج الداخلي .

Ø حماية المحيط والبيئة .

Ø تلبية لاغبات الشعب .

4

4_ وسائل التهيئة العمرانية :

لايوجد هناك وسائل ثابتة تستعمل في جميع الحلات في جميع أقطار العالم بل ان هذه الوسائل تختلف من دولة لأخرى وهذا حسب النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي تطبقه الدول كما أن هذه الوسائل تختلف من وقت لأخر لذلك يمكننا القول أن التهيئة العمرانية تتأثر بالمناخ الاقتصادي والاجتماعي والمقصود بالنظام الاقتصادي هو اما اشتراكي أو رأس مالى ...

ومن بين وسائل التهيئة العمرانية في الجزائر نذكر :

ü الدولة : وهي السلطة العليا في البلاد حيث أنها هي القادرة على اعطاء التوجيهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى . (4)

ü رأس المال

ü المخططات والبرامج الخاصة والجهوية

ü مراكز التنمية المستوحات من السياسة الاقتصادية الجهوية .

ü سياسة اللامركزية والتجهيزات الوطنية الكبرى

ü التركيز علة المعلومات الاحصائية الدقيقة : تعتبر العمليات الاحصائية ضرورية جدا في عملية التهيئة العمرانية فهذه المعلومات تمكننا من معرفة تمركز السكان وتطورهم (من حيث العدد) وكذلك معرفت احتياجاتهم العمرانية من التجهيزات ...وكذلك اليد العاملة وتوزيعها على القطاعات الاقتصادية (5)

نسنتج اذا أن العامل الاحصادي هو أساس التهيئة العمرانية لانه هو الذي يعطينا فكرة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة المراد تهيأتها.

5_ السياسات العمرانية في الجزائر :

5_1 مرحلة ماقبل الاستقلال :

5_1_1 مرحلة استكمال الغزو الفرنسي للجزائر (1830_1910) :

تميزت هذه المرحلة باستكمال الغزو الفرنسي وتوسيع عملية الاستيطان على حساب أراضي العروش والقبائل المتواجدة في السهول الساحلية الخصبة وكذلك الأحواض الداخلية بالاضافة الى اقامة المستوطنات والأحياء الأوروبية بجانب المدن العتيقة وتدعيمها بالهياكل الأساسية من طرق برية وسكك حديدية أنجزت بأيدي عاملة جزائرية استقطبت كلها من الأرياف .

تبدأهذه الشبكات من مصادر المواد الأولية من معادن ومواد طبيعية أخرى انتهاءا بالموانئ من أجل ربط الجزائر بفرنسا في مجال الاستيراد والتصدير وبالمقابل بقيت النسبة الساحقة من الجزائريين تقطن بالأرياف في ظروف صعبة جراء تدهور الضروف المعيشية في جميع المجالات الذي دفع بالأغلبية الى النزوح باتجاه المراكز الحضرية والاقامة على حوافها في بيوت قصديرية والعمل عند المعمرين في الأشغال الشاقة التي تخص انجاز الطرقات وحفر الأنفاق .

5_1_2 مرحلة الاضطرابات وكثرة الحروب والأزمات الاقتصادية (1910_1954) :

لقد كان تأثير هذه الأزمات كبير على الجزائريين وتسبب في انتشار الفقر والمجاعات من جراءتناقص المنتوج الزراعي الفرنسي حيث تم أخذ نصيب الجزائريين خاصة في ميدان الحبوب وقد استمرت هذه الأوضاع الى ما بعد الحرب العالمية الثانية ممادفع بسكان الأرياف الى نزوح ريفي

شديد باتجاه المراكز الحضرية بحثا عن الشغل وضروف اجتماعية أقل قساوة .

5_1_3 مرحلة اندلاع الثورة والسنوات الأولى من الاستقلال (1954_1966) :

تميزت هذه المرحلة بنزوح ريفي شديد جراء سياسة اللاأمن الفرنسية وكذلك القتل والطرد الجماعي الممارس من طرف الاستعمار كما تميزت باقامة المحتشدات لعزل السكان عن الثورة من جهة وحراستهم من جهة أخرى .

لقد استمر النزوح الريفي نحوى المدن والمراكز الحضرية في السنوات الأولى للاستقلال بعد مغادرة الاستعمار الفرنسي وتركه لسكنات شاغرة .

كما تميزت هذه المرحلة أيضا بظهور مشروع قسنطينة 1958

5_2 مرحلة مابعد الاستقلال :

5_2_1المرحلة الأولى (1966_1979) سياسة توازنات جهوية أكثر منها سياسة تهيئة عمرانية :

لقد ترك المستعمر الفرنسي أوضاع مزرية عند خروجه من الجزائر تميزت بعدم التجانس في توزيع الهياكل القاعدية والمنشأت الاقتصادية والمراكز الحضرية حيث ركز المستعمر كل جهوده على المنطقة الشمالية للبلاد خلصة منها الساحلية التي تتميز بمؤهلات طبيعية كبيرة مما جعل هذه المناطق بعد الاستقلال مستقطبة للسكان لتوفر التجهيزات وتوفر كل الخدمات الاجتماعية والاقتصادية وبهذه الوضعية زادت الفوارق الجهوية بين أرجاء البلاد وبروز فرق شاسع بين المدن والأرياف من جهة وبين المناطق الداخلية والمناطق الساحلية للبلاد من جهة أخرى وأمام هذه الوضعية الصعبة التي ميزت البلاد باشرت الدولة بعدة تدخلات من أجل التقليل من اللاتوازن في الانتشار عبر التراب الجزائري وتتمثل هذه التدخلات في البرامج التنموية الخاصة بالمناطق المحرومة حيث استفادت 8 ولايات من برامج تنموية واسعة بين 1966 و 1973 .

كما لجأت الدولة الى توضبف عائدات البترول في بناء الاقتصاد الوطني بوضع المخطط الثلاثي 1967و1969 .

5_2_1_1 محتوى المخطط الثلاثي (1967_1969 ) :

لقد وجهت من خلاله الدولة اهتمامها بقطاع الانتاج وهذا باقامة العديد من الاقطاب الصناعة الكبرى :

1. على محور قسنطينة . عنابة .سكيكدة .

2. محور العاصمة . الرويبة . الرغاية .

3. على محور وهران . أرزيو . مستغانم .

ويهدف انشاء هذه الاقطاب الصناعية الى تحديث مناطق الشرق والوسط والغرب الجزائري والقضاء على البطالة وخلق نوع من التوازن بين مختلف جهات الوطن لكن هذه الاصلاحات تركزت على المناطق الساحلية والتلية وبالتالى دعمت وبصورة غير مباشرة التوجه العمراني والاقتصادي الموروث عن الاستعمار وزادت فب شدة الفوارق بين المناطق الشمالية والمناطق الجنوبية للبلاد وبالتالي عمقت من الجرح وهذا مايدل على غياب استراتيجية واضحة المعالم للتهيئة العمرانية في الجزائر أنذاك كما أن هذه الاجراءات المتخذة تميزت بغياب خطة متكاملة للتهيئة العمرانية .

ومن السلبيات أن هذه الاجراءات أنها مست المدن الكبرى فقط واستهلكت أراضي زراعية خصبة مثل سهول متيجة وعنابة ووهران ... ولقد فشلت هذه الأقطاب في لعب الدور المعول عليه فعوض تحقيق التنمية في محيطها تحولت الى مناطق جذب السكان خاصة النازحين من المناطق الداخلية وهذا ماأدى الى تضخم المدن وانتشار البيوت القصديرية على حواف المدن والتي تحولت فيما بعد الى مناطق للفقر والتهميش وهذا مايدل على عدم الأخذ بعين الاعتبار الاختلالات الموروثة عن المستعمر الفرنسي بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية من جهة والمناطق الداحلية والمناطق الشمالية من جهة أخرى زيادة على عدم الاطلاع على حقيقة كل الأقاليم الجزائرية قبل هذه الاصلاحات .

وفي بداية السبعينيات زاد وعي الدولة بخطورة الوضع القائم نتيجة الفوارق الجهوية الواضحة فلجأت الدولة الى سياسة جديدة تهدف الى تخفيض الضغط عن المدن من خلال تثبيت سكان الأرياف في أريافهم وزيادة الانتاج الفلاحي وكانت تحت عنوان الثورة الزراعية (1971) حيث تمت برمجة أكثر من 1000 قرية اشتراكية بهدف تحسين المستوى التجهيزي الريفي وتثبيت

السكان ولكن هذه السياسة أيضا لم تحقق الأهداف المطلوبة لسببسن :

1) ترك النشاط الفلاحي وتنقل الفلاحين المؤممين نحو المراكز الحضرية لضمان الشغل بالوحدات الصناعية وهذا لضمان الاستفادة من الخدمات الاجتماعية كتمدرس الأطفال والرعاية الصحية

2) تحول الوظيفة الأساسية للقرية الاشتراكيةحيث تحولت الى مدينة مصغرة تحتوي على كل المزايا الحضرية حيث بلغ عدد القرى المنجزة أنذاك 750 قرية وقعت أغلبها على الأراضي الفلاحية الخصبة .

لقد تميزت هذه المرحلة أيضا بوضع المخططين الرباعيين الأول(1970_ 1973) والثاني (1974_ 1977) والذي خصص لهما أكثر من 50 %من الاعتمادات المالية وكان هدفهما مواصلة انجاز المشاريع الاقتصادية الكبرى والبرامج الخاصة ولقد حقق هذان المخططان الرباعيان بعض الايجابيات منها توفير مناصب الشغل في المناطق المستفيدة من المناطق الصناعية الى أن هذه الأعمال كانت محدودة من حيث الزمان حيث زادت مرة أخرى الفوارق الجهوية بين المناطق الساحلية والمناطق الأخرى مع تبذير في الأراضي الخصبة .

كما تميزت هذه المرحلة بتطبيق المخطط العمراني التوجيهي PUD في سنة 1975

5_2_2 المرحلة الثانية (1979_ 1990) ظهور سياسات عمرانية ذات صلاحيات لكن بدونسلطة وبدون وسائل :

وقد تميزت هذه المرحلة بما يلي :

ü في هذه المرحلة زاد الوعي بالمخاطر التي نتجت عن الاختلالات الموجودة في أرجاء الوطن ولهذا السبب أنشئت وزارة التخطيط والتهيئة العمرانية سنة 1979 قصد التغيير من الأوضاع المجالية السائدة أنذاك .

ü ظهور المخطط الخماسي الأول (1980_ 1985 ) الذي كان يهدف الى تنمية المناطق الداخلية للبلاد وكذلك اعادة هيكلة القطاع الصناعي .

ü في سنة 1981 تأسست الوكالة الوطنية للتهيئة العمرانية (ANAT) والتي كلفت على وجه الخصوص باعداد مخططات جهوية والذي يندرج تحته المخطط الوطني للتهيأة

للتهيئة العمرانية (SNAT)

ü كما ظهر في نفس السنة SRAT و PAW .

ü استخدام تقسيم اداري جديد حيث أصبح عدد الولايات من 26 سنة 1974 الى 48 ولاية سنة 1984 . وقد روعي في هذا التقسيم الانسجام والتقارب من حيث تقليص المساحة والتقارب وقد كان هذا التقسيم ايجابيا خاصة في المناطق الداخلية للبلاد من حيث شبكة العمران والاستيطان البشري كما عمل على توازن الأقاليم في الجزائر . كما مكن الأقاليم الساحلية من توجيه تنميتها نحو المناطق الداخلية

ü وضع خطة وطنية للتنمية القطرية تهتم بتنمية الهضاب العليا والصحراء .

ü تزودت التهيأه العمرانية في 12 جانفي 1987 بقانون التهيأة العمرانية والتعمير

5_2_3 المرحلة الثالثة (1990_ 2000) غياب سياسات عمرانية واضحة المعالم في ظل الأزمة :

وكانت هذه المرحلة بمثابة مرحلة انتقالية حيث دخلت الجزائر النظام الليبيرالي والاقتصاد الحر وبالتالي التخلي عن النمط المركزي في التخطيط وهي مرحلة حرجة في التاريخ الجزائري حيث اجتاحت البلاد أزمت سياسية حادة أثرت على الجانب الاجتماعي والاقتصادي للبلاد كما جلبت أضرار وخيمة على عمليات التهيئة العمرانية .

كما تميزت هذه المرحلة بالرجوع الى ظاهرة التعمير الفوضوي وزيادة التمركز في المناطق الساحلية مما أدى الى رجوع الفقر والتهميش في المناطق الداخلية وكذلك نزوح ريفي كبير وتفريغ بعض المناطق السكنية نتيجة غياب الأمن في المناطق الريفية

في سنة 1990 ظهر المخطط التوجيهي للتهيلأة والتعمير PDAU ومخطط شغل الأرض كبديل للمخطط العمراني التوجيهي PUD .

6_ انعكاسات السياسة العمرانية على المدينة الجزائرية :

ü ان الأشكال الحديثة للتعمير والتوسعات الميدانية التي تشهدها المدن الجزائرية اليوم أصبحت تفقد الطابع العمراني والمعماري الذي يميز كل مدينة أو منطقة حيث أدت الى

ü فقدان الدلائل الثقافية المرتبطة بالعدات والتقاليد والهوية المدينية

ü السماح للشركات الأجنبية في انجاز المشاريع أو المشاركة فيها بسبب حدة أزمت السكن التي عجزت الدولة عن ايجاد حل مناسب لها مما أدى الى ظهور تصميمات دخيلة على المسلمين .

ü استخدام الانشاءات الحديثة مثل البناء الجاهز والبناء المصنع .

ü التوسع العمراني الغير متوازن .

ü استخدام مساحات كبيرة للأراضي صالحة للزراعة من أجل المنشأت .

ü النفقات المرتفعة لشق الطرق واعداد الشبكات المناسبة لاستغلال التجزئات .

ü توقف المشاريع في منتصفها وحتى ان أتممت فانها غير ملائمة .

ü محاولة ايجاد طابع معماري مميز ولكن بدون دراسة .

ü عدم استطاعة الدولة تلبية حاجيات السكان السكنية بالضافة الى عدم سيطرتها على الهجرة الريفية نحو المدن .

ü غياب القيم التي تربط المبنى بالاطار الاجتماعي .

ü مشكلة العقار وسيطرة الخواص عليه .

ü انتشار العمارات الخالية من الذوق الفني (تلوث بصري) .

ü عدم وجود المراقبة الجدية في المجال العمراني .

7_ الخاتمة :

ان من خلال بحثنا هذا نستنتج أن الدولة حاولة ايجاد حلول عمرانية عن طريق برامجها ولكن بدون جدوى وهذا راجع الى سوء التخطيط وعدم الدراسة الدقيقة من جهة والى عدم وجود الوعي العمراني ادى المواطنين من جهة لذى يمكننا القول أن الجزائر تعاني عجز عمراني رغم محاولاتها الفاشلة في تدارك الوضع .