التسيير والتقنيات الحضرية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التسيير والتقنيات الحضرية
التسيير والتقنيات الحضرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أثر الحروب على الانسان وموروثه الثقافي المعماري ( بغداد إنموذجاً )

اذهب الى الأسفل

أثر الحروب على الانسان وموروثه الثقافي  المعماري   ( بغداد إنموذجاً )  Empty أثر الحروب على الانسان وموروثه الثقافي المعماري ( بغداد إنموذجاً )

مُساهمة من طرف Admin السبت يناير 28, 2012 11:22 am


أثر الحروب على الانسان وموروثه الثقافي المعماري
( بغداد إنموذجاً )

أ. د. قبيلة فارس حمود
جامعة بغداد – قسم الهندسة المعمارية
بغداد - العراق

مستخلص البحث : تمثل الحروب احد أهم الأخطار والكوارث البشرية التي تتهدَّد البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية….الخ للبلدان التي ابتليت بها ، والعراق وعاصمته بغداد ودار السلام لم تنعم بالسلام في قرونها الممتدة من 145 هـ , وحتى يومنا هذا حيث تهددتها الغزوات والحروب التي طالت كل شيء ، بما في ذلك العمارة والعمران وفي المقدمة ، العمارة التاريخية والتراثية فهي أرث إنساني وملك دولي لا محلي فحسب ، فيكون الحفاظ عليه واجباً علينا جميعاً .
لقد تعرض العراق لحروب أتت على العديد من المباني التاريخية التراثية في بغداد أو أبنية ضمت بين جدرانـها تراث ثقافي غني ، مما جعل البحث يسعى إلى تناول التراث وضرورة المحافظة عليه متناولا ً ما أصاب هذه الكنوز من تخريب وتدمير مقصود أو غير مقصود مستشرفاً مامرت به بغداد من اضرار بالموروث إبتداءا من العهد العثماني وحتى يومنا هذا , مستفيدا من تجارب دولية في فرنسا والمانيا وروسيا وبولونيا ولبنان وفلسطين والعراق وخاصة بغداد ، موضحاً الدمار الذي تأتي به الحروب ، فيكون المحور العام لإهتمام البحث هو الابنية الموروثة و ما تعانيه من اختزال في أعدادها ويهتم في محوره الخاص بأثر الحروب على ذلك الموروث محاولاً الخروج ومن خلال تجارب دولية وعربية بمؤشرات حول أهمية المحافظة على الموروث , حيث أن المشكلة البحثية كانت في أهمية وضوح التصور العام حول ضرورة المحافظة على الابنية الموروثة في حملة اعمار العراق حالياً , حيث يفترض البحث أن نجاح الاعمار للنسيج العمراني في العراق مرهون بشكل أساسي بالموقف الصحيح من الابنية الموروثة وضرورة الحفاظ عليها متخذاً من تجارب الاخرين وسطاً لتأكيد صحة الفرضية , موصياً بالحفاظ على الموروث بكل السبل والاساليب التي سيذكرها البحث مؤكداً على أهمية اعادة التأهيل لتلك الموروثات مع حسن اختيار الوظيفة المعاصرة بأعتبار ذلك خطوة ناجحة على طريق آمن لانقاذ ما يمكن انقاذه من الموروث ليكون شاهداً على عصره وحضارة مبتدعيه , متواصلاً مع مستقبله .

1 – مقدمة البحث
رغم أن الموروث الثقافي عامة والعمراني والمعماري منه خاصة يروي أنجازات الأجداد ومفاخرهم الا أنه دائماً في صراع مع الزمن ، فهو يتناقص يومياً مما يجعلنا أمام مهمة الحفاظ عليه أو بالاحرى ما تبقى منه , وهنا يصبح الحفاظ على التراث في المقام الأول محاولة للمحافظة على ذاكرة الأمة لتكون بمثابة الدعم والأساس لما يبني عليه الأبناء وبذلك يستمر البناء الفعال للمجتمع من جيل الى آخر. يهتم البحث بالتراث وضرورة المحافظة عليه متناولا ً ما أصاب هذه الكنوز من تخريب وتدمير مقصود أو غير مقصود مستشرفاً مامرت به بغداد من إضرار بالموروث إبتداءا من العهد العثماني وحتى يومنا هذا , مستفيدا من تجارب دولية ، موضحاً الدمار الذي تأتي به الحروب التي تمثل احد أهم الأخطار والكوارث البشرية التي تتهدَّد البنى الثقافية والعمرانية للبلدان التي ابتليت بها ، فبغداد عاصمة العراق ودار السلام لم تنعم بالسلام في قرونها الممتدة من 145 هـ وحتى يومنا هذا , حيث تهددتها الغزوات والحروب التي طالت كل شيء ، وفي المقدمة العمارة التاريخية والتراثية التي هي أرث إنساني وملك عالمي لا محلي فحسب ، ويفترض البحث أن نجاح الاعمار للنسيج العمراني في العراق وعاصمته بغداد خاصة , مرهون بشكل أساسي بالموقف الصحيح من الأبنية الموروثة وضرورة الحفاظ عليها متخذاً من تجارب الاخرين وسطاً لتأكيد صحة الفرضية , موصياً بالحفاظ على الموروث بكل السبل والاساليب لانقاذ ما يمكن انقاذه من الموروث ليكون شاهداً على عصره وحضارة مبتدعيه , متواصلاً مع مستقبله , على إعتبار أن اعادة الاعمار استجابة للضرورات الملحة التي يطالب بها الناس, وان الابتكار مع المحافظة على التقاليد الموروثة مهماً في نجاح هذه العملية حيث تكون حماية الموروث جزءا من عملية تخطيط واعمار وتطوير شاملة ومن لايملك القديم لايمكن ان يبني جديداً .

2 – لماذا نحافظ على موروثاتنا العمرانية والمعمارية ؟
أدى التراث ولا يزال يؤدي دوراً مهماً في عملية البناء الوطني من خلال العودة للجذور وتفعيل العناصر الثقافية والأجتماعية الوطنية وشحذ الجوانب الروحية والقيمية وتأصيل شتى أوجه الحياة ، حيث ترتبط كل هذه الأموربصورة مباشرة أو غير مباشرة بالتراث. وهنا لابد من خلق وعي لجميع الناس , عن طريق التربية والتعليم بحيث يأخذ سكان القرى والمدن والمواطنين في كل مجتمع على عاتقهم مهمة إحياء التراث (وليس بالضرورة تمويل هذه العملية) ولكن غالباً وللأسف لا يدرك السكان ضرورة الحفاظ على التراث الثقافي الذي لامثيل له , انهم يفتقرون إلى الوسائل والتعليم الثقافي اللازم , والى الوعي بالحاجة الى الأشتراك في إحياء التراث والى إيجاد رباط بين ماضيهم وحاضرهم المتغير ومستقبلهم , وبمثل هذا الوعي يصبح الحفاظ على التراث عملية وطنية, كما تعبر المحافظة على التراث واظهاره خلال البيئة المعاصرة عن حيوية الأنسان , وبالتالي فالتراث وسيلة لأنعاش المجتمعات فكرياً وثقافياً وفنياً, وتقدم الدول ذات التراث خدمة انسانية عامة للمجتمع , خدمة لاحدود لها , فعن طريق السياحة الداخلية أو الخارجية يقدم التراث خدمة تعليمية وثقافية وبذلك فهو وسيلة تثقيف وتعليم للمجتمع المحلي أو الخارجي وهذا هدف حيوي آخر قائم بذاته. و يستنفر التراث المجتمع للإلتفات للبيئة والإهتمام بها حاضراً ومستقبلأ, مما يعطيه بعداً محلياً وعالمياً وإنسانياً في المجتمع المتغير, الذي يوضح حقيقة مهمة مفادها أن التراث قضية حياتية تتصل بالأمس واليوم وغداً, فهو وسيلة مهمة من وسائل متعددة تغري السائح بزيارة المنطقة ، مما يؤكد مقدرة التراث على إنعاش الحركة السياحية الثقافية منها خاصة , فضلأ عن أن التراث وسيلة للتعرف بالشعوب وعاداتهم وتقاليدهم وتأريخهم وحضارتهم [ 1 ]. و نجد التراث الى جانب ذلك وفي أمتنا العربية خاصة مجالا واسعا للدراسة والبحث في الوثائق التأريخية ومعرفة مبادئ تشكيل الشواخص المعمارية الخالدة وهذا كله سيكون كنزاً حقيقياً يشهد بعظمة حضارتنا نستقي منه الدروس الواحد تلو الآخر, الا أن الحفاظ على الموروث العمراني والمعماري لا يعني الإكثار من المتاحف وفصل المباني القديمة عن الحياة المعاصرة , أنما يعني منح حياة جديدة لهذه المباني أو الوحدات التخطيطية الموروثة وجعلها ذات وظيفة معاصرة (أعادة تأهيلها) ومصدراً للألهام في كل ما ننتجه اليوم [2] . إن للحفاظ مستويات متعددة ومختلفة أعتماداً على حالة المبنى والعوامل التي أدت الى تدهوره والوظيفة المستقبلية المطلوبة منه، وهذه المستويات هي, وكما يقسمها البروفسور (Bernard Feilden ) في مقالته (The principles and methodology of conservation)) هي Prevention منع التهرئ ,reservation الأبقاء, Restoration الصيانة , Consolidation التقوية, Reconstitution أعادة التشكيل , Adaptive Re – use التكيف لأستعمال جديد أوRehablitation أعادة التأهيل , Reprodution أعادة الأنتاج (الأستنساخ Replication ) , Reconstruction أعادة البناء (أمر أعادة تجديد البناء). [3] وتتفق أكثر المصادر على جعل سياسة الحفاظ على الخزين الحضري والمعماري الموروث متضمنة جانبين :-
• الأول ويهتم بتطوير الوحدات التخطيطية الموروثة معمارياً ووظيفياً مما يستدعي إجراء تحويرات داخلية أو خارجية مع تحسين الخدمات والبنى التحتية وفق الوظيفة المحددة للوحدة التخطيطية (او المبنى الموروث) بعد الحفاظ عليها, مع الأخذ بنظر الأعتبار إمكانية تبديل الوظيفة أكثر من مرة , وهنا تجدر الأشارة الى أن شكل ونمط قطع أرض الوحدات الموروثة وفضاءات الشارع عنصرين يتصفان بالثبات مقارنة مع الوحدات المعمارية نفسها وطرزها, مما يجعل مناطق الخزين الموروث غنية بالتراث التخطيطي وأن تبدلت وحداتها المعمارية.
• الجانب الثاني من سياسة الحفاظ على الخزين الحضري العمراني والمعماري الموروث فيهتم بمعالجة الوحدات التخطيطية التي تقام حديثاً وبطريقة لاتجعلها تتنافر أو تسيء الى الخزين الموروث . [4]

3 – لماذا يتناقص الموروث رغم دعوات الحفاظ ؟
رغم الاهتمام المعاصر وتعالي الصيحات للحفاظ على التراث نعيش في الجانب الآخر مشكلة قلة الوعي بأهمية الحفاظ على التراث , فيتعرض الموروث للكثير من الأضرار مما يتسبب في أختزاله وتناقصه ونخشى أختفاءه كلياً أمام مجمل التحديات التي يواجهها سواء منها المقصودة أم غير المقصودة , المباشرة وغير المباشرة , الطبيعية والبشرية , والأضرار الطبيعية سواء منها الخارجية أو الداخلية , كالبراكين والزلازل والفيضانات , والعوامل المناخية (درجات الحرارة والرياح وأشعة الشمس والثلوج والامطار وتلوث الهواء وغيرها) مضافاً لها الحيوانات والحشرات ومنها بشكل خاص حشرة الإرضة , الى جانب القوارض ، وهذه كلها تهدد الأبنية الموروثة وتقف الرطوبة في المقدمة وهي تدخل المبنى وتشوهه وتضعف كيانه. [5] أما الأضرار البشرية فيتسبب بها الكثيرون ممن تختلف غاياتهم ويتوحد ضررهم بالموروث فأخطر ما يتعرض له الموروث من تأثير بشري هو ما يسببه أعداء التراث ورافضيه مما جعلهم يتنكرون لتراثهم متأثرين بالغزو الثقافي الأجنبي , والى جانب الرافضين للتراث هناك من أضر التراث ممن هم يقدسونه حتى حولوه الى حالة جامدة , ذلك أن هجران الابنية التراثية وتركها يعرضها مع مرور الزمن للتصدع والأنهيار يضاف الى ذلك سوء الصيانة كما أن سوء أختيار الوظيفة لأعادة تأهيل عدد من المباني التراثية والتأريخية تتسبب في الإضرار بها حيث تتسبب بعض الوظائف (الصناعية مثلاً) الى تصدع المباني وأنهيارها. [6] ويطرح بعض المختصين بعض الأخطار البشرية التي تسبب الضرر للنسيج الحضري الموروث من خلال الفجوة التي يخلقها غياب التخطيط السليم بين الوظيفة المطلوبة والطراز الموروث فحاجات الأنسان تتغيربسرعة تفوق سرعة التغير الحاصل في النسيج الحضري , مما قد يتسبب في تهديم غير مبرر لبعض الوحدات التخطيطية الموروثة التي تمثل خسارة لاتعوض , وهذا مـا يـستدعـي دراسة إمكانية التحوير في الوحدات الموروثة بما يجعلها متواءمة مع الوظائف الجديدة والحياة المعاصرة , كما ويقف الإستثمار مهدداً للنسيج الحضري الموروث والأبنية التراثية , فيقوم المستثمر بهدم أو تشويه الموروث لتحقيق ربح أعلى من خلال وظائف معاصرة منافسة تحتل في الغالب المواقع المركزية في المدينـة العربية , وحينها فأن غياب الأشراف التخطيطي , يغـري بعض المالكين من الورثة بهدمها أو حتى حرقها لأيجـاد المبرر للتـصرف بـها وبقصد إقـتصادي (وهذا حدث بالفعل بعد 9/ 4/ 2003 في بغداد وغيرها من محافظات العراق ) , يضاف الى ذلك إلتبا س مفهوم التخطيط المديني لدى بعض المختصـين في كثـير من المـدن العـربية , وإقتصاره في كثير من الحالات على شق الشوارع والطرق وأحياناً بطريقة عشوائية أو تقرب من ذلك خاصة في المناطق الحضرية الموروثة , مما ترك هذا الموروث على شكل جزر مبعثرة ومحاطة بهذه الـشوارع , كما أن محدودية المعلومات المتوفرة عن النسيج الحضري الموروث لنسبة عالية من الناس ولبعض من الجهات السياحية والبلدية والتخطيطية يقلل من قيمة هذا الموروث لديهم , بل أن بعضهم يربط بين التخلف والموروث ويعتقدون بعدم ملاءمته للعصر ومتطلباته. [7] وبذلك صار على المخطط العربي تهيئة الظروف الاجتماعية التي تساعد على إرتباط السكان عاطفياً بمدنهم حتى يمكن لمخططاتها المستقبلية أن تتفاعل معهم وتنمو نموها الـعضوي الـسليم ، ولابد من التعرف مـن خـلال الخلفية التاريخية للمدن التي غرست جذورها القـوية فـي مقومات المدينة وحياة سكانها واللجوء الى تحليل هذه المقومات وإستخلاص النتائج التي يمكن بها ربط التراث الحضاري للمدن بتخطيطها العمراني الحديث. [8]
ولايقف دور الانسان في ضياع جزء من الموروث عند هذا الحد فربما هدمت الأبنية لأسباب فكرية مرتبطة بتغيير العصر ومعايير التذوق للنتاجات المعمارية كما وتقف الأسباب السياسية وراء هدم جزء من الموروث ناهيك عن أعمال السرقة والنهب والتخريب…. الخ , وتقف الحروب ( وهي محور إهتمام البحث الحالي ) كأحد أهم الأضرار البشرية بالموروثات , الحروب التي تطال كل شئ بما في ذلك العمران والموروث منه خاصة بحكم ما مر عليه من الزمان الذي يجعله بحاجة الى الأدامة والصيانة المستمرة, لاالتخريب والهدم , وعندما تتحدث وسائل الأعلام عن المدن التي دمرتها الحروب , تركز أكثريتها على موضوع تدمير المعالم الأثرية والأبنية التأريخية ، ونحن حين نركز على الموروثات لاننسى أنها كائنات حية ضمن نسيج حضري متكامل يجب أن تتجانس معه في نظرة متفاءلة للمستقبل .

4 - الحروب والموروث المعماري الثقافي .......وإعادة الإعمار
تدور الآراء حول عمليات اعمار المدن التي دمرتها الحروب , حول بناء المدن التي دمرتها الحروب ام اعادة بنائها؟ وبتعبير آخر : هل نعتبر اعادة الإعمار مجرد عملية ترميم تؤدي إلى عودة البناء المرمم إلى الوضع الذي كان عليه تماماً ام اقامة بيئة افضل ترتكز على تصور جديد معاصر؟ وهذا ما يدور بين دعاة المحافظة على القديم ودعاة التجديد،فاعادة اعمار فرصوفيا كان مناسبة لاحداث تغيرات هامة , حيث تمت اعادة اعمار وسط فرصوفيا التأريخي انطلاقاً من نظرة مثالية انتقالية تستند إلى مبدأين، اعادة تكوين الماضي , واعادة تصوره , وفي تجربة فرصوفيا وضعت اعادة اعمار المجمعات التاريخية خطوة مهمة في تطوير البنية المدينية لوسط العاصمة , وهذا ما أكده بوغدان ويبوريك وهو يصف اعادة اعمار وارسو بعد الحرب العالمية الثانية وقد دمرت الحرب فيها من اصل 957 مبنى تأريخياً,بشكل كلي 782 مبنى, وبشكل جزئي 141 مبنى, بينما لم يسلم سوى41 مبنى ، بأنه انطلق من المخططات التي وضعها مكتب اعمار العاصمة في الفترة الممتدة من 1945 محتى 1949م, واهم خصائص هذه المخططات تمثلت باعادة اعمار مجمعات تأريخية واهم المباني التأ ريخية, مع تحويل وتطوير البنية المدينية لوسط العاصمة لتحسين شروط العيش والوضع البيئي والوظائفي , وقد برر المشروع الذي اعد في 1946 فكرة اعادة بناء الوسط التأريخي– الذي دمره النازيون عن قصد– على ما كان عليه , وقد تاكدت رسمياً الاهمية الثقافية لهذا الموقع , حيث وضعت مدينة وارسو القديمة على سجل التراث العالمي سنة 1980 كما شمل الاعمار تحسين السكن والابنية السكنية بشكل جذري مع تحديث شبكة الطرقات وقد اكدت تجربة وارسو ان اعادة بناء المجمعات والمباني التاريخية هو أمر اساسي للحفاظ على هوية المدينة , مع الاخذ بنظر الاعتبار الاستجابـة مع المتطلبات الثقافية والاجتماعية للاجيال القادمة . [9]
اما موستار احدى اهم المدن التأريخية في بوسيناهرزغوفينا , فهي خليط من العمارة الاسلامية والنمسوية الحجرية , والعمارة الحديثة , والمدينة بدأت تنمو بعد بناء الجسر القديم على نهر نرتغا عام 1566.وفي سنة 1991 تغير كل شيء فيها عندما بدأت الحرب الاولى حيث قاتل الكروات والمسلمون سوياً ضد الغزو الصربي , وفيها اصاب موستار دمار هائل. اما الحرب الثانية حيث تقاتل الكروات والمسلمون فيما بينهم فقد انتجت دماراً اعظم في المدينة , واصابت الحرب 80% من مباني موستار الشرقية و التراث الثقافي اذ دمرت كافة المساجد والمقابر الاسلامية ودمر الجسر القديم خلال قصف مركز دام يومين في شهر تشرين الثاني 1993.وفي موستاربدأت عملية الاعمارببطء وهي تتسارع مع الوقت, فقد اعيد بناء ثلاثة جسور بالاضافة , إلى جانب عدد من المدارس والمستشفيات والمساكن , كما اعيد بناء قصر العدل , ولازالت موستار تنظر بأمل إلى المستقبل , محاولة الحفاظ على تراثها الثقافي وهي تواجه تحدي الاعمار الاجتماعي والثقافي للسنوات القادمة. [10] وفي فيتنام مرت تجربة اعادة الأعمار بثلاث مراحل منذ انتهاء الحرب 1975، جاءت الثالثة منها لتجديد السياسة الاقتصادية وتطوير كافة القطاعات والانفتاح على الخارج ، وهذا التطور المديني الذي تشهده فيتنام اليوم يطرح على المعمارين ومخططي المدن – كما يرى هاي نغو ترونغ – مهام كبرى تتمثل بحماية المباني الثقافية والتأريخية المعرضة للخطر بسبب ما تم من ابنية حديثة مع ضرورة تأمين الانسجام مع الابنية الحديثة والبناء التقليدي في وسط المدن التأريخية والمحافظة على القيم الاساسية للعمارة التقليدية التي تراكمت على مر السنين ، مع ضرورة الا تؤدي عملية الاعمار إلى تهديد التراث وتعريضه إلى الخطر. [11]
وفيما يخص تجربة روسيا بعد الحرب العالمية الثانية فقد تم ترميم المدن التي دمرت كلياً خلال الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي كان يتم فيه بناء مدن جديدة في القسم الشرقي من الاتحاد السوفيتي (سابقاً) ومن اصل (1710) مدينة دمرت خلال الحرب , تم في المرحلة الاولى ترميم تلك التي كانت تتمتع بتراث تأريخي, وتم تحرير ضفاف الانهار من المعامل والمستودعات لتحويلها إلى حدائق عامة واماكن للراحة والاستجمام. اما المعامل الملوثة فلم يعد انشاؤها ولا ترميمها، وكان اهم المعمارين الروسيين على رأس مجموعات العمل , ويعتبر تصميم المدن والعمارة في هذه التجربة في المناطق المدمرة بعد الحرب متميزاً بالابتكار مع الحفاظ على التقاليد الوطنية .[12]
ويقول بيار فاغور "حول تجربته باعادة اعمار مدينة آرل التاريخية جنوب فرنسا وهي مدينة تعاقبت عليها الحضارات وارتقت آثارها في العمارة والشكل المديني: -
"كان وسط مدينة آرل التاريخي قد دمر نتيجة القصف المتواصل الذي تعرض له خلال الحرب واول قراراتخذته قضى بعـدم المباشرة بأعمار الوسط قبل وضع خطة شاملة لتنظيم المدينة ككل ، وقد باشرت فعلاً بأعداد مخططات تفصيلية لانشاء احياء جديدة على الضفة المقابلة لنهر الرون ، لاستيعاب الوف السكان الذين فقدوا منازلهم خلال الحرب ، وقد تم بناء نواة جديدة تمحورت حولها اربع وحدات سكنية تربطها بالوسط القديم شبكة مواصلات للنقل السريع مع احترامها للمقياس الانساني، مماسمح بخلق بيئة متناسبة مع طابع المدينة الاصيل وبعدها عدنا لمعالجة قضية أعمار الوسط القديم. " وقد أتبع في هذه المعالجة مبدأ الحفاظ على طابع المدينة بشوارعها وأزقتها الضيقة ونسيجها التأريخي وكنائسها وآثارها, فأنتجت مدينة ترتبط بالتراث, دون اللجوء الى التقليد أو المسخ التأريخي. [13]
وتواجه القدس تغريب وتحول حضري مع مشكلة الحفاظ على هويتها وهي مثال خاصة لحالة عامة لغزو التكنولوجيا والقيم الغربيتان , بل هي الحالة الأكثر تطرفاً والأكثر أيلاماً , فهي مدينة بخلفية تأريخية لم تفسدها الأمراض الحضرية المعاصرة نسبياً. ويمكن أيجاز أعمال الأعمار في البلدة القديمة بثلاثة قطاعات هي الأبنية الدينية الأسلامية والمسيحية والأبنية الأثرية والأبنية السكنية , وكان أنجاز الأوقاف الأسلامية في أعمار الأبنية الأثرية , وفي حدود الأمكانات المادية التي توافرت لها , مناسباً , ولكن الأبنية الأثرية التي تنتظر الأعمار مازالت كثيرة. [14]
أما تجربة لبنان فيقول عنها السيد رفيق الحريري ( رحمه الله ) مناقشاً مقولة لمهندس عربي قديماً: " قديماً قال مهندس عربي: " الهندسة فن تشكيل العالم " ثم أضاف : " لقد كانت كذلك لأنها سعي في المكان والزمان والامكان " بيد أن صاحب هذه الرؤية- كما يرى السيد الحريري- البديعة للهندسة ما أضطر لتجربة رؤيته تلك بعد حروب خربت المكان , وكادت تحول دون تعقل الزمان , والموقف في لبنان مع نهاية الحرب جعل السعي في الأمكان , كما أن الزمان داخله التغير والتبدل وكان القرار أعادة البناء والأعمار بامكانيات اللبنانيين ودعم اخوانهم وأصدقائهم , كانت الخطة شاملة وضرورية " , حيث أن أعادة الأعمار تطرح قضايا متشعبة , قضايا أقتصادية ترتبط بعملية التمويل وتحديد الأولويات , قضايا أجتماعية تعني السكان الذين آلمتهم الحرب في ظل وضع مأساوي يهدد ديمومة المعالم التي تضمن تماسك النسيج الأجتماعي, قضايا ثقافية تتعلق بضرورة الحفاظ على التراث المعماري والمديني والأنفتاح على الفرص التي تقومها الحياة المعاصرة , بالأضافة الى كيفية التعاطي مع التكنولوجيا المستوردة وتطوير المهارات المحلية , وقد أحدثت الحرب تلوثاً عمرانياً للمناطق السكنية , وأنتشاراً للفوضى في البناء, فشوهت المناظر الطبيعية والشواطئ , وهدم التراث المعماري . [15]
أن هدف إعادة إعمار مدينة ما , هو بإستمرار, ترميم أو إعادة بناء أو إعادة تأهيل الأحياء أو الأنسجة الممزقة , أيا كانت ملابسات تدميرها أو تأريخه , فجميع خطط أعادة الأعمار, أيا كانت فرضيتها العقائدية المسبقة , أنصرفت الى تصحيح الوضع الذي كان قائماً قبل حصول الدمار, وقد أدى الأعمار الى أدخال تغييرات هامة على البنية المدينية للمدن التي أعيدأعمارها , أكان في مدينة " الهافر " الفرنسية, التي قدمت كمثال للتنظيم المديني التحديثي , أو في برلين , التي كانت طول عقود عدة مختبراً للفن المعماري الحديث , وفرصوفيا التي أعتبرت نموذجاً لعملية إعادة إعمار وسط المدن التأريخية , بحيث أنه يستحيل في أي من المدن التي ذكرناها أن نجد البنية وقد عادت تماماً الى ما كانت عليه قبل التدمير. مؤكدين ما ذهب اليه "فرنشيسكو فينيزيا" حيث يرى في الدمار الناجم عن الحروب او عن العوامل الطبيعية ,او حتى عن حالات التدمير المقصود،مناسبة نكتشف من خلالها في الانظمة المعمارية والتنظيمية المدينية القائمة, عوامل صلة تسمح بخلق قيم جمالية جديدة, وتصبح مهمة المهندس المعماري اذ ذاك الانطلاق من هذه المعطيات بغية تجديد المدينة دون خيانة التراث .


5- أنين موروث بغداد منذ العهد العثماني وحتى يومنا هذا
من الثابت تأريخيا ً أن فن العمارة نشا في بلاد الرافدين منذ أقدم العصور، وقد شهد العالم قبل آلاف السنين نشاط االمعمار العراقي وأبداعه وتفننه في البناء والانشاء، والعراق مهد الجنس البشري وموطن الآثار العظيمة في كل مدنه ، وعاصمته بغداد حاضرة الدنيا وشاغله الازمان كما يصفها المؤرخون زاخرة بالمورث والتراث منذ أن بناها المنصور في 145هـ , ولا زالت آثار بغداد شاخصة وأن كانت قد تناقصت حتى لم يبق من بغداد العباسية الا ثمانية شواخص فقط كما وردت في كتاب ((بغداد بين الامس واليوم))حيث أن من مأسي التاريخ الكبرى،هو ما تعرضت له بغداد من همجية الغزوات وقسوة الطبيعة والفيضانات المتعاقبة ، والتخريب الانساني ، فلم يترك لبغداد من عمرانها بقصورها وقلاعها ومساجدها وحدائقها ومنازلها ومدارسها واسواقها – التي كانت تضرب بها الامثال بروعتها وغناها المعماري – سوى ثمانية أبنية فقط لم ينج أغلبها من التغيير، بسبب محاولات التعمير والصيانة غير العلمية , فلم يبق من بغداد المدورة الا اثر واحد , هو محراب الخاصكي الذي يعتقد أنه يعود إلى جامع المنصور الموجود حاليا – كما يفترض - في المتحف العراقي [16]، والشواخص الثمانية هي:-
(1) باب الظفرية (الباب الوسطاني حاليا) (شيد بين عامي 1118م و 1135م كجزء من السور الذي بدأه الخليفة المستظهر وأكمله المسترشد) ( شكل 1 )
(2) جامع الحظائر (الخفافين. حالياً) شيدته زمرد خاتون عام 1200م والاصيل فيه هو مئذنته.
(3) ضريح زمرد خاتون : شيدته لنفسها والدة الخليفة الناصرفي عام 1202م.
(4) جامع وضريح الشيخ معروف الكرخي: شيد عام 1215م في عهد الخليفة الناصر، والاصيل فيه هو المئذنه.
(5) القصر العباسي : شيده الخليفة المستنصر حوالي عام 1226م، ويذهب البعض إلى انه المدرسة الشرابية.( شكل 2 )
(6)جامع قمرية : شيد في عهد المستنصر عام 1228م والاصيل فيه المئذنه فقط.
(7) المدرسة المستنصرية : شرع الخليفة المستنصر ببنائها عام 1227م وأنجزت في عام 1233م.
(Cool جامع وضريح الشيخ عمر السهروردي، شيد في عهد المستنصر، في عام 1234م وهو يقع قرب الباب الوسطاني.











شكل ( 1 ) الباب الوسطاني في بغداد شكل ( 2 ) القصر العباسي في بغداد


هجرت بغداد العباسية من قبل المعتصم إلى سامراء سنة 832م وعاد المعتمد إليها في العصر العباسي المتأخر 889 م، وسقطت بغداد على يد المغول في كانون الثاني 656 هـ /1258م , ودمار بغداد على يد هولاكو يعرفه القاصي والداني وذكرته كتب التاريخ حين وصفت انهار الدماء لكثرة الضحايا كما وصفت مانال التراث الثقافي والحضاري على يد المغول ، ومع صعوبة تقدير الخسائر المادية التي سببها هذا الغزو عاشت بغداد بين الايلخانيين والجلائريين وتعافت بعد دمارها وأيضا أضافت بغداد في هذا العهد مآثر عمرانية ومعمارية منها مدرسة وجامع مرجان وخان مرجان , وزينت سماء بغداد مآذن بنيت في عهد تيمورنك من مثل جامع العاقولي والآصفية وجامع السيد سلطان علي حتى نصل إلى الأتراك العثمانيين في بغداد وسنبدأ من هذا العصر مما عانت منه بغداد من تخريب لمآثرها التأريخية والتراثية علماً ان هذا العصر ترك مآثر متميزة لبغداد من امثال سراي بغداد والقشله ومساجد كثيرة متميزة من مثل (جامع براثا) وجامع الحيدرخانة. دخل السلطان العثماني مراد الرابع بجيشه مدينة بغداد من باب الطلسم (باب الحلبة)وذلك عام 1049هـ/1639 م وامر بسد هذا الباب وقال: "سوف لن يدخل من هذا الباب فاتح من بعدي في المستقبل"، وأستمر حكم العثمانيين نحو اربعة قرون [17]عجاف عاشتها بغداد وكادت ان تُدرَّس في عهد العثمانيين ومن اشهر ولاة العثمانيين الذين حكموا بغداد، الوالي مدحت باشا ، و مع ما قدمه لبغداد الا انه حرمها من سورها حـيث هدمه عام 1870 م ، للاستفادة من اجره ، طمعا في حفنة من الدراهم كما يرى علي الثويني في مقالته " عمران بغداد في القرن العشرين بين شارع الرشيد وكارثة شارع حيفا " التي نشرها في الشرق الاوسط في 17/8/2003 , أو لبناء القشلة و مدرسة الصنائع من آجره - كما ترد في بعض المصادر. اما ابواب هذا السور الاربع فقد نسف الاتراك باب الطلسم (باب الحلبة) سنة 1913 م في الحرب العالمية الاولى عند تركهم بغداد , وهدم الانكليز باب السلطان ((باب المعظم بعد احتلالهم بغداد)) حيث سقطت بغداد بيد القوات البريطانية في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم 11/3/1917م , وهدم باب كلواذا (باب الشرقي) في اوائل القرن العشرين بحجة توسيع بغداد ، ولم يبق الا باب الظفرية (الباب الوسطاني) وهذا الباب في نسيج حضري موروث جاء الطريق السريع (طريق محمد القاسم) ليقسم هذا النسيج إلى قسمين وذلك في الثمانينات (1981 م) و ظل هذا الباب يقف طللا محاطا بالقبور يفصله الطريق السريع عن قبور أخرى تشمخ قبة الشيخ عمر السهروردي بينها ، و كانت محاولات في عام (2001 م) لصيانة الباب الوسطاني لمدينة بغداد وقصر قرة سراى في مدينة الموصل ، و اشترك في الندوة استشاريون من جهات اكاديمية و هندسية واستشارية ، وكانت التوصية المهمة صيانة الباب الوسطاني و تطويره ضمن نسيجه الحضري مع إعادة تاهيل المنطقة المحيطة به لاعادة الحياة لها بفعاليات معينة ، ولكن توقف العمل بسبب الحرب الاخيرة (2003 ) , و اكثر ما اضر بهذا الاثر العباسي هو الاهمال وعدم الالتفات له فالسيارات تمر قربه مسرعة على الطريق السريع لا تراه الا كلمح البصر، و ينوه البحث هنا لضرورة الاخذ بيد هذا الاثر الخالد واعادة تاهيله بوظيفة ثقافية كأن تكون متحف حربي انطلاقا من وظيفته الأساسية الدفاعية لمدينة بغداد ضمن السور مع ضرورة إعادة بناء جزء من السور اعتمادا على مخططات دقيقة ، و هذا الأثر يستحق منا وقفة أطول وأعمق ولكن البحث أراد التنويه هنا مطالباً بإعادة تأهيل كل المباني التاريخية من امثال القصر العباسي و المدرسة المستنصرية و غيرها . و البحث وهو ينعي الأبواب الثلاث لسور بغداد الرصافة يحمد الله على سلامة الباب الرابع ( الباب الوسطاني ) متأملاً بقاءه واستمراريته التأريخية. ثم بعد عام 1921م اشرف على امانة بغداد حسام الدين جمعة و ارشد العمرى ، (و هذان عمل معولهما في نسيج بغداد التقليدي الموروث) فقاما بتوسيع و تمديد شارع الرشيد (الذي فتحه الوالي العثماني عبد الوهاب باشا (1904-1905) بحجة السيطرة على القلاقل التي يثيرها تمرد اهل الحي) كما قام ارشد العمري بهدم جزء من جامع ومدرسة مرجان التي بنيت في 1354م بتأثــــير توسعة ومد شارع الرشيد, و لم يقف التخريب في هذا العهد عند هذا بل شقوا شارع الخلفاء موازياً لشارع الرشيد على انقاض البيوت العتيقة التي تتجمل بفناءاتها الرحبة و شناشيلها الجميلة , وفي الثمانينات من القرن العشرين تربع شارع حيفا على نسيج تقليدي تراثي مزقه مُمتدا في بغداد ليخترق منطقة الكرخ التاريخية , ومن ثم بناء جدارين من العمارات السكنية متعددة الطوابق والتي أحتلت أراضي واسعة كانت تزينها العديد من البيوت التراثية. ( شكل 3 )






شكل ( 3) شارع حيفا في ثمانينات القرن العشرين قاطعا النسيج الحضري التقليدي مما تسبب في فقدان الكثير من
الموروث المعماري التقليدي في منطقة الكرخ , ويتضح عرض الشارع وتمزيقه للنسيج

اما ما عانته بغداد من حروب في عقودها الثلاثة الأخيرة, فقد جاءت هذه الحروب على كثير من الدور التراثية التي عانت من ضعف هيكلها الإنشائي فتهدم الكثير منها ، وفي الحرب العراقية – الإيرانية كان للقصف الصاروخي دوره في عملية التخريب و في الحربين الأخيرتين 1991م، 2003م وكان للأصوات المدوية للطائرات دورها المضر بهذه البيوت التراثية في مناطق بغداد المختلفة , حيث تضم بغداد اربع مناطق تقليدية ذات أهمية تراثية ، الكرخ , الرصافة ,الاعظمية، الكاظمية ، و هذه المناطق لازالت فيها من البيوت التراثية ما يجعلنا نقف لها اجلالا، لحظة نمر بها ، إلا أن الكثير من الأضرار جعلت هذه البيوت التراثية تتناقص وتتباعد عن بعضها فتبدو متفرقة غريبة بين أبنية معاصرة بطابع مختلف ووجود هذه قرب تلك تمثل أحد الأضرار التي تنزل بالنسيج الحضري الموروث ناهيك عن إهمال هذه الأبنية و عدم صيانتها وما تتعرض له من أصحابها أحيانا , وأكثر ماعانت منه الكاظمية هو إزالة البيوت التراثية التي تجاور وتحيط بالمرقد الكاظمي في أواخر سبعينيات القرن العشرين, فكانت ساحة واسعة تحيط بالمرقد لا تمت بصلة الى هوية المدينة العربية الإسلامية التي يمثل فناء الجامع ساحتها الكبيرة الوحيدة ومنها تنبع الشوارع الرئيسية ثم الثانوية وحتى الازقة المغلقة ( شكل 4) , كما فقدت الأعظمية ورغم دراسات كثيرة لتوثيقها الكثير من أبنيتها التراثية بسبب الحروب وما أتت عليه من تلك البيوت, كما أزيل الكثير من البيوت التراثية من محلة الكرخ عند شق شارع حيفا – كما ذكرنا - كما أن عدداً من البيوت بحالة إنشائية متردية هجرت من قبل أهلها وسقطت بتقادم الزمن أو بتأثير الحروب خصوصاً أنها تقابل وتجاور أبنية كانت هدفاً للقصف الجوي خلال الحروب , أما منطقة الرصافة فالارقام تتحدث عن خسارتها في البيوت التراثية لأسباب كثيرة منها الحروب مما تسبب في أختزالها وتناقصها , حيث جرى مسح ميداني في 1984 م ( إثناء الحرب العراقية – الايرانية ) ضمن الدراسة التخطيطية المعدة لمنطقة الرصافة في بغداد,وأستخلص المسـح الحفاظ على ( 3891 ) بناية تعود أغلبها للفترة من (1534 م–1917م )ما عدا (21) معلماً تعود للعصر العباسي الأخير ( 1152– 1258م ) وبعد سنتين ( أي في 1986 م ) أنجز المسح الميداني الثاني وقد أستخلص الحفـــــــاظ على ( 1414 ) بناية فقط وكلها أبنية منفردة , وقد جرى مسح ثالث بعد ثمانية سنوات في ( 1994 م ) ( وهنا تكون قد مرت على بغداد حربين ( 1980 م , 1991 م ) وقد أشرت هذه الدراسة ( 905 ) داراً فقط يستحق الحفاظ وبنسبة 27 % من مجموع الدور الممسوحة ,كما أقترحت الدراسة الحفـاظ على واجهات ( 174 ) بناية في محاولة للمحافظة على النسيج الحضري ( من دراسة للابنية التراثية في مركز الرصافة , أمانة بغداد , دائرة التصاميم , بالتعاون مع جامعة بغداد , قسم الهندسة المعمارية , 1994 , ص 38 ) وبذلك قل عدد الدور التراثية من 3891 الى 905 خلال عشر سنوات فقط تضمنت حربين .




شكل ( 4 ) مدينة الكاظمية في بغداد قبل وبعد تدمير وإزالة النسيج الحضري حول المرقد الكاظمي

الى جانب البيوت التراثية فان مآثرنا التاريخية لم تنج من بلاء الحروب فها هو صاروخ يقع قرب خان مرجان في الحرب العراقية– الإيرانية (1980 –1988) آلا أن متانة إنشائه تحول دون أصابته بآي أذى رغم ما أصاب الأبنية الحديثة التي تحيط به . وفي الحرب الأخيرة 2003 فأن الضرر بالأبنية التاريخية والتراثية تنوع بين ما اتت عليه الطائرات والقصف الجوي ، ما يرمى به البشر من نيران حرقت ذلك التراث بعد نهبه وسلبه ,وهاهي اطلاقة من دبابة أتت على مئذنة الساعة في جامع الأمام الأعظم في ألاعظمية (وهو مشيد في زمن السلطان سليمان القانوني العثماني على أطلال ما تهدم من المشهد والمدرسة والجامع في العصور السابقة ، وتم تعميره في القرن العشرين ) , ويقف قصر أم حبيبة جاراً على نهر دجلة للقصر العباسي , وأم حبيبة بنت هارون الرشيد بنى لها والدها هذا القصر ويقع في منطقة السراي ، وأستخدم هذا القصر كمدرسة (المدرسة العلية ) و(مدرسة الصنائع ) كما أستخدم قصراً للملك فيصل الأول ومن ثم مقراً لمجلـس الأمـة (1938م) وثـم تحول إلى محكمة عسكرية ومتحف (1967م) وقد أستملك من قبل وزارة الثقافة والأعلام ليكون في عام 1980 م قصراً للثقافة والفنون وحالياً هو بيت الحكمة ، ألا أنه عانى من الحرب الأخيرة الكثير فتهدم جزء من المبنى بتأثير القصف الجوي للمنطقة ( شكل 5 ) , كما احترق معظمه ونهب وسلب كله ونحن نتألم لمصاب هذا الأثر ونحمد الله على سلامة القصر العباسي الذي يقف إلى جواره. إن الدمار لم يصب التراث المادي فحسب , بل تعداه الى التراث الثقافي من الآثار والموروث المكتوب ( شكل 6 ) ، أمهات الكتب وخيرة المراجع والمخطوطات التي تعرضت للحرق والنهب والسلب حتى تحولت كنوز أجدادنا وجهودهم العلمية إلى تلال من الورق المحترق بل الرماد الذي تذروه الرياح فلا يجدي نفعاً (حرق المكتبة الوطنية والمكتبة المركزية ومكتبة الأوقاف والمجمع العلمي العراقي...الخ) .









شكل ( 5 ) قصر ام حبيبة بنت هارون الرشيد (بيت الحكمة حالياً) وقد تضررت واجهته النهرية



شكل ( 6 ) المتحف العراقي للاثار والمكتبة الوطنية في بغداد في 2003


5– الدروس المستفادة مما تقدم والاستنتاجات
1. ان الحفاظ على الموروث له دوره في عملية البناء الوطني والاجتماعي والفكري والثقافي والبيئي والسياحي والتعليمي ... الخ , و الحفاظ بكل أساليبه لا يعني الاكثار من الاطلال وأنما هو منح حياة جديدة للبيئة الموروثة , وهذا ما يجب أن نضعه نصب أعيننا ونحن نعيد إعمار العراق والعاصمة بغداد, كما أن تناقص الموروث وربما إختفاؤه يوماً ما , مرتبط بجملة تحديات طبيعية ( داخلية وخارجية ) وأخرى بشرية ( مقصودة وغير مقصودة ), وان الاضرار بالتــراث والموروث يشترك فيه المـــتنكرون
والرافضون له , وكذلك المقدسون له الى جانب مالكي الابنية الموروثة وبعض المختصين , مع قلة وعي المجتمع بأهمية الموروث .
2. تعتبر الحروب وما يتبعها من الاضرار البشرية المباشرة المقصودة الخطرة للموروثات والابنية الموروثة , وكان أثرها واضحاً في بغداد , وتعتبر عملية الحفاظ للموروث مهمة وضرورية بكل الاساليب من ابقاء واستنساخ واعادة بناء وتقوية وصياتة ومنع تهرؤ وأعادة تشكيل وأعادة تأهيل وكذلك في كل مستوياتها , اخذين بنظر الاعتبار المبنى الموروث ضمن موقعه الحضري .
3. ان اعادة اعمار المدن بعد الحروب يكون لإقامة بيئة أفضل تحافظ على القديم والماضي في ظل تحقيق البيئة المعيشية المعاصرة ,ويشمل الاعمار تحسين السكن والابنية السكنية مع إعادة بناء المجمعات التأريخية كأمر أساسي للحفاظ على هوية المدينة , كما يجب أن تكون إعادة الاعمار ترجمة لتعبئة شاملة للمجتمع مع بناء الجديد على أن تؤكد المرحلة الاولى على إعادة بناء المجمعات التي تتمتع بتراث تأريخي,مع ضرورة تأمين الانسجام مع الأبنية الحديثة والبناء التقليدي في البيئة التاريخية,وضرورة ان لاتؤدي عملية الإعمار الى تهديد التراث وتعريضه الى الخطر دون اللجوء الى التقليد أو المسخ التأريخي , كما ان إعادة الإعمار بحاجة الى خطة شاملة تتناول جوانب أقتصادية وأجتماعية وثقافية تتعلق بضرورة الحفاظ على الموروث مع الإنفتاح على الفرص التي توفرها الحياة المعاصرة وكذلك التعاطي مع التكنولوجيا المستوردة وتطوير المهارات المحلية .
4. ضرورة الحفاظ على الهوية العمرانية والمعمارية ونحن نعمر العراق وعاصمته بغداد، وهذا لا يعني أن نعمر ولا نطور بل يجب أن نضع نصب أعيننا تحسين الوضع مع الوصال بالموروث ، فنؤكد على الشمولية في عملية الحفاظ على النسيج الحضري الموروث والابنية المعمارية والتراثية المتميزة، وعلينا إدماجها في حياة المدينة من خلال إعادة تأهيلها ، ولا نبقيها مهجورة متروكة أطلالاً لاتمت للحياة بصلة مع ضرورة اظهار التراث في الابنية الحديثة المعاصرة ليكون النسيج المعاصر بكامله متناغماً متواصلاً يحكي قصة الماضي في حاضر أصيل يضع أسس مستقبل متناغم مع جذوره متجاوب مع التطور التكنولوجي الذي يميز عصرنا الجديد.
5. لابد من الآخذ بنظر الاعتبار وضع تشريعات تنظيمية خاصة بكل منطقة من مناطق المدينة سواء منها القديمة او القائمة أو الجديدة، وتتضمن هذه التشريعات كافة الجوانب التخطيطية والمعمارية والقانونية ، محاولين الحد مما نفقده يوميا من تراثنا لأسباب كثيرة، وهنا مسؤولية المعماري تجاه وطنه كبيرة فعليه ان يعي أهمية دوره في هذه العملية والمهام الكبيرة التي تنتظره ، فالمدن تنمو والعالم من حولنا يتطور بسرعة وتأريخنا وتراثنا عظيم .
6. علينا ان نبني اليوم عالم الغد،عالم اصيل ، بنظرة كلية لكل المؤثرات دون تجزئة ، وفي تفاعل لكل الجدليات في المكان والزمان , كما هو الحال مع كل مدينة عميقة في التاريخ ، تعيش الحاضر، تستشرف المستقبل بسلام وأمان وهوية متميزة دون اغفال الانسان فهو المخطط وهو المصمم وهو المتلقي وهو الذي يقود حملة الاعمار في كل مكان وزمان.
7. ان نجاح عملية الحفاظ على الموروث مرهونة بوعي جميع أبناء المجتمع فهم بحاجة الى اشراكهم جميعاً كل من موقعه ، ويكفي بغداد الحبيبة ما فقدت من تأريخ وتراث ويكفينا بكاءً على الاطلال , ولنضم صوتنا الى " فرانشسكو نفينيزيا " ونعتبر ما ينجم عن الحرب وغيرها مما يضر التراث فرصة للأنطلاق نحو تجديد المدينة دون خيانة التراث, فالمجتمع الذي لا يتواصل لمعرفة ذاته الثقافي من خلال تراثه , يفقد نسيجه الإنساني الذي يميز نسيجه العمراني , والذي لايمكنه المحافظة على القديم لايمكن أن يبني جديداً الا بالمعنى الذي يشوه الحياة الإجتماعية المعاصرة .

المصادر:
[1] حريز، سيد حامد(1420 هـ)؛ " الملتقى الخليجي الأول للتراث والتأريخ الشفهي "؛ العين؛ مركز زايد للتراث و التأريخ؛ 277, 273 , 268 .
[2] آركون؛ محمد(1413 هـ)؛ تعقيب في كتاب:" الحداثة والتراث؛ صنعاء "؛مايو ؛ (المحرر)أحمد أيفين ؛ 45 .
[3] Feilden, Bernard( 1978 ); The principles and Methodology of conservation; in The scientific conservation of cultural property ; No. 1; p.10 .
[4] Fitch; James Marson( 1982 ); History Preservation; Mc Graw Hill Book Company, N,Y; ; p.8 .
[5] واكد, خليل ابراهيم؛ (1417هـ)؛" اسباب انهيارات المباني؛ طرق الترميم والصيانة " : دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع ؛ ط2: 299,83,7 .
[6] المالكي، قبيلة فارس؛ البياتي؛ نمير قاسم (1421هـ)؛" الحفاظ وأعادة تأهيل المباني التراثية" ؛ مجلة اتحاد الجامعات العربية؛عدد(1) مجلد 7؛ 130-131.
[7] الاشعب،خالص (1405هـ) ؛ "الحفاظ على التراث المعماري والحضري في المدينة العربية" ؛ في ندوة التراث المعماري وعلاقته بالعمارة العربية المعاصرة ؛بغداد ؛ايلول ؛10,8 .
[8] أحمد،نبيل حسن حسن(1409هـ) ؛ " تجانس التخطيط العمراني مع المحيط التأريخيي المدينة العربية " ؛ المجلة المعمارية العلمية؛ كلية الهندسة المعمارية ؛جامعة بيروت العربية ؛العدد الرابع ؛67 .
[9] ويبوريك, بوغدان(1418هـ) ؛" اعادة اعمار وارسو بعد الحرب العالمية الثانية ": نقابة المهندسين, بيروت, 19 .
[10] كورت،تجما (1418هـ) ؛" التراث الثقافي في مدينة مقسومة: موستار" ؛ نقابة المهندسين – بيروت, 69 .
[11] ترونغ, هاي نغو(1418هـ) ؛" اعادة اعمار فيتنام بعد الحرب (1975-1997) " ؛نقابة المهندسين – بيروت،98 .
[12] بيلو يوسف، فلاديمير(1418هـ) ؛" ترميم وأعادة المدن الروسية المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية" ؛ نقابة المهندسين - بيروت؛61 .
[13] فاغو بيار(1418هـ) ؛" المعمار امام مهامه الجديدة" ؛ نقابة المهندسين –بيروت , 146 .
[14] الدقاق، أبراهيم (1418هـ) ؛" تغريب القدس: التحول الحضري الجاري في المدينة ومهمة المحافظة على الهوية القومية الفلسطينية" ؛ نقابة المهندسين-بيروت؛ 47 , 37 .
[15] عاصم، سلام (1418هـ) :" ندوة اعادة اعمار المدن بعد الحروب" ؛نقابة المهندسين: بيروت:6.
[16] جبرا؛ إبراهيم جبرا؛ فتحي؛ إحسان (1408هـ ) ، " بغداد بين ألأمس واليوم" ؛ امانة بغداد الدار العربية للطباعة بغداد؛ 92 .
[17] يوسف، شريف (1404هـ) ؛ "تأريخ فن العمارة العراقية في مختلف العصور"؛ دار الرشيد للنشر ، بغداد؛541 .

The effects of wars on human beings, and his cultural, architectural heritage
( Baghdad as an example )

Prof. Kabila F.Hmood
College of Engineering – Baghdad University
Department of Architectural Engineering

Abstract:
Wars are the most dangerous , hazardous and even disastrous on human beings .
They do not threaten the lifetime of people but they alter even his social, cultural, Industrial, agricultural and economical states.
Iraq ( Mesopotamia ) And it 's capital Baghdad ( dar Al-salam )( Land of Peace ) suffers a lot from wars through out the history starting from 145 A.H. and till nowadays, building and architecture damaged enormously, and especially the historic Cultural buildings in Baghdad which raise in our mind the need of a research or even researches to deal with.
The historical buildings & heritage are not local treasures but they are a human heritage and international property so preservation and conservation are the duty of all.
So the aims of our research are to point out the direct and indirect damages to the historic cultural buildings in Baghdad intentionally & not intentionally starting from ottoman period until the present time , and illustrating the effects of wars on eliminating or eradicating such architectural heritage, moreover to find out a suitable procedure to conserve these buildings, bearing in mind the previous international experiences to such events in (France, Germany, Russia, Poland, Lebanon and even Palestine) and how they are applicable in the construction campaign of Iraq.
The reconstruction or rehabilitation of such heritages should be done in a way to save the historical elements and structures to keep them sound and vital in order to be a witness for the present and a lesson for the future in order to have a successful construction campaign in Iraq.
Admin
Admin
المدير
المدير

عدد المساهمات : 972
نقاط : 2426
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

https://chemamin.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى