التسيير والتقنيات الحضرية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التسيير والتقنيات الحضرية
التسيير والتقنيات الحضرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الخصائص المعمارية للمساكن التقليدية في المملكة العربية السعودية

اذهب الى الأسفل

الخصائص المعمارية للمساكن التقليدية في المملكة العربية السعودية Empty الخصائص المعمارية للمساكن التقليدية في المملكة العربية السعودية

مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء ديسمبر 13, 2011 8:42 pm

المقدمة

تكونت المستوطنات العمرانية التقليدية على أراضي المملكة العربية السعودية في مناطق متعددة، تفصل بينها صحاري شاسعة، يرعى البدو الرحل فيها مواشيهم، وفي بيوت من الشعر (الخيام) مكان لسكناهم، ونظرا لكبر الرقعة الجغرافية للمملكة ولما تتميز به مناطقها المختلفة من تنوع في الخصائص المناخية والطبوغرافية والبيئية واختلاف في مواد البناء المتوفرة فقد وجدت بالإضافة إلى بيت الشعر أنماط أخرى من المساكن التقليدية المتميزة في المستوطنات العمرانية بمختلف مناطق المملكة، لقد أثبتت هذه المساكن صلاحيتها وكفاءتها وفعاليتها كحلول تصميمية ملائمة للعوامل المناخية وملبية للاحتياجات الاجتماعية الثقافية والاقتصادية للسكان.
لقد تطورت هذه المساكن في القيم والأفكار التصميمية وفي تقنية واستخدام مواد البناء المتوفرة من خلال خبرة أجيال عديدة من معلمي البناء المحليين عن طريق التجربة المستمرة مع العمل دائما على تجنب الأخطاء وتطوير الخبرات، فكانت بذلك نماذج جيدة للمساكن المستجيبة للمتغيرات المختلفة (مثل التنوع في العوامل المناخية وتقنيات ومواد البناء) ومحافظة في نفس الوقت على الثوابت المشتركة (كالقيم الإسلامية الداعية إلى الحفاظ على ستر المحارم وتوفير السكينة والطمأنينة للأسرة).
وبالرجوع إلى هذه النماذج بالدراسة والتحليل يمكن استنباط واستخلاص مجموعة من المعايير والحلول المعمارية التي يمكن توظيفها لتحسين البيئة السكنية المعاصرة وتصميم مشاريع الإسكان المستقبلية، وسيتم فيما يلي استعراض ورصد الخصائص العمرانية والمعمارية للمساكن التقليدية في كل من منطقة نجد، والمنطقة الغربية، والمنطقة الجنوبية، والمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية.

المساكن التقليدية في منطقة نجد

تتكون المستوطنات العمرانية في نجد من واحات زراعية على جنبات الوديان الرئيسية مثل وادي الرمة، وحنيفة، والدواسر، ونظرا لانعزال منطقة نجد وسط الجزيرة العربية بعيدا عن السواحل فقد ظل نمط المساكن التقليدية بها أقل تأثرا بتلك النماذج الموجودة في البلدان الأخرى، حيث تأثر تشكيل نمطها المعماري بمناخ المنطقة الصحراوي الجاف ومواد البناء المتوفرة.

النسيج العمراني

يتصف نمط النسيج العمراني التقليدي في منطقة نجد بضيق الطرقات وبتراص وصلابة الكتل وترابطها وتداخلها مع الفراغات المعمارية في النسيج العمراني، وذلك كردة فعل للمؤثرات المناخية، كما يتميز نمو هذه المستوطنات بالعفوية، فالشوارع بوجه عام ضيقة ومتعرجة، بحيث توفر أكبر قسط ممكن من الظلال لحماية المشاة من أشعة الشمس الحارقة، بالإضافة إلى تقليل آثار الرياح والعواصف الرملية، ويوجد كذلك ضمن النسيج العمراني العديد من الشوارع المسدودة التي لا منفذ لها، والمساكن متلاصقة، مما يقلل عدد الجدران التي تتعرض لأشعة الشمس المباشرة وفي ذلك وقاية لساكنيها من وطأة الحرارة.

الخصائص المعمارية للمساكن

تمتاز المساكن التقليدية في منطقة نجد بقلة وصغر الفتحات الخارجية مع انتشار الأفنية الداخلية لتوفير التهوية والإضاءة الطبيعية، كما وتتميز المساكن بقلة وبساطة الزخارف والتفاصيل المعمارية وخاصة في الواجهات الخارجية، وتبنى المساكن في نجد من دور أو دورين وفي حالات قليلة من ثلاثة أدوار حول فناء داخلي مع الاعتماد على القليل من النوافذ الصغيرة التي تفتح إلى الشارع للمحافظة على خصوصية وسترة الأسرة، حيث توجد الفتحات بصورة رئيسية في الأدوار العليا، أما الفتحات في الدور الأرضي فهي صغيرة جدا وتستخدم التهوية.
يعد الفناء أهم عناصر السكن الطيني في منطقة نجد، فهو يخدم وظائف متعدد، حيث أنه فراغ خارجي لاستخدام جميع أفراد العائلة كما وأنه يقوم بدور المنظم لدرجات الحرارة داخل البيت، فنجده ينعم بالظل نهاراً ويكون مفتوحا على السماء ليلا حيث يحتفظ بهواء الليل البارد لساعات النهار الحارة، وكثيرا ما يكون لهذه المساكن مدخلان، أحدهما للنساء والعائلة، والآخر للرجال والضيوف، وللمحافظة على خصوصية المساكن يقام في فراغ المدخل أمام الباب مباشرة حائط ساتر ليمنع نظرات العابرين في الشارع ويحافظ على خصوصية المسكن وساكنيه.
تشيد المساكن في منطقة نجد من قوالب اللبن المصنوعة من الطين المخلوط بالتبن والماء والمجففة تحت أشعة الشمس، وتبنى الحوائط بسمك (60 سم) لتوفير العزل الكافي من الحرارة الخارجية، إن استخدام الطين في البناء يعد من الأمثلة الجيدة على مدى التكيف مع البيئة نظرا لما يتميز به من قدرة منخفضة على توصيل الحرارة، وتستخدم الأحجار الجيرية المتوفرة في المنطقة في بناء أساسات بعض المساكن لحمايتها من تأثيرات مياه الأمطار.
أما الأسقف فتشيد من أعصاب خشبية من جذوع شجر الأثل وفي بعض المباني من جذوع النخيل ترص بشكل عمودي ويرص فوقها جريد النخيل المتلاصق بجوار بعضه ثم تغطى بالحصير المشغول من سعف النخيل يعلوه طبقة سميكة من الطين. ويحيط بالسطح جدار بارتفاع أعلى من الإنسان البالغ لتوفير الخصوصية والستر، لكي يتمكن جميع أفراد العائلة من الاستمتاع بالجلوس والنوم في ليالي الصيف الجميلة، أما الأبواب والنوافذ والأعتاب فتصنع من الأخشاب المتوفرة محليا ويتم زخرفتها بتكوينات تشكيلات هندسية بطريقة الحفر وباستخدام الألوان الزاهية.
توجد على الحوائط الخارجية للمسكن التقليدي في منطقة نجد تكوينات زخرفية لتزيين الواجهة على شكل مثلثات بارزة مقلوبة إلى الأسفل تعلوها(أفاريز) تجاويف طولية تحدد المستويات المختلفة للمبنى، أما أركان سطح المبنى فتزين بأشكال متدرجة بنهايات دقيقة إلى الأعلى، حيث تعتبر هذه المعالجات الزخرفية مفيدة عملياً في إبعاد مياه الأمطار عن جدران وأركان المبنى، وتزين بعض الحوائط الداخلية بالزخارف الجبسية المحفورة مثل أرفف حفظ الأوعية بجوار (الوجار) الموقد المخصص لإعداد القهوة والشاهي.

المساكن التقليدية في المنطقة الغربية

توجد في المنطقة الغربية مراكز حضارية كبيرة هي مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف، وقد تأثرت هذه المنطقة بالأعداد الكبيرة من الحجاج الذي يفدون إليها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وعلى مر العصور نقل هؤلاء الوافدون تقنيات وأساليب ميزت نمط المساكن التقليدية في المنطقة الغربية عن مناطق المملكة الأخرى وبالذات فيما يخص أساليب التشييد والمعالجات المعمارية.

النسيج العمراني

يتميز النسيج العمراني التقليدي في المنطقة الغربية بكثافة الكتل المعمارية المترابطة والمتصلة ببعضها البعض والتي تتخللها الطرق والأزقة الضيقة والمتعرجة التي توفر الظل ونسمات الهواء البارد للمشاة، فالمباني متراصة ومترابطة يظلل كل منها الآخر، مما يؤثر في التخفيف من حدة الحرارة بفعل تخلل تيارات الهواء الباردة.

الخصائص المعمارية للمساكن

تمتاز المساكن التقليدية في المنطقة الغربية بارتفاعها وتعد أدوارها وبكثرة واتساع الفتحات الخارجية المغطاة بالرواشين والمشربيات ذات النقوش الخشبية الجميلة، كما وتمتاز هذه المساكن بكثرة الزخارف الجصية والخشبية المشغولة على الرواشين وحول الأبواب بشكل عقود مدببة أو مستديرة.
لقد تأثر تشكيل المساكن التقليدية في المنطقة الغربية بعاملين أساسيين هما الحفاظ على الخصوصية وتوفير أعلى درجة من التهوية الطبيعية، إن وجود الرواشين في الواجهات يكسر من حدة ضوء الشمس الساطع خلال النهار، ويسمح لنسمات الهواء الباردة القادمة من جهة البحر بالتخلل إلى داخل المسكن، بالإضافة إلى أنها توفر الخصوصية للسكان. حيث تسمح الرواشين لجميع أفراد الأسرة وبخاصة النساء مشاهدة ما يحدث في الشوارع دون أن يلاحظهن أحد، كما وتمنح بروزاتها ظلالا للمشاة في الطرقات أسفل منها.
يتم تشييد المساكن التقليدية في المنطقة الغربية بنوعين من الحجارة، فيستعمل الحجر الجيري المرجاني في المستوطنات الساحلية مثل مدينة جدة وينبع، والحجر الجبلي الصلب في المستوطنات الجبلية مثل مكة المكرمة والطائف، فعلى سبيل المثال، تشيد المساكن التقليدية في جدة بارتفاع يصل إلى ستة أدوار من الأحجار الجيرية المرجانية ومونة الطين أو الجير مع استخدام دعامات أو فواصل خشبية أفقية على الحوائط تبعد عن بعضها البعض راسيا بمسافات متساوية تقارب المتر، وذلك من أجل منع تصدعات الحوائط الناتجة عن الهبوط غيرالمتساوي للمبنى، والذي يحدث نتيجة لضعف تحمل التربية وارتفاع منسوب المياه السطحية. أما الأسقف فتنشأ من ألواح خشبية ترتكز على مرابيع من الخشب ثم توضع فوقها طبقة من الحجر الجيري المرجاني ثم طبقة من الرمل ثم بلاط الأرضيات.
تغطى حوائط المساكن الخارجية بطبقة من لياسة الجير لحماية أحجار البناء من التآكل بتأثير الرطوبة النسبية العالية، ثم تدهن بطبقة من الدهان الأبيض أو بألوان فاتحة مثل الأزرق السماوي، وتركب الرواشين والسواتر الخشبية على فتحات المسكن وحول جدار السطح، ويتم عمل الرواشين، من أخشاب التيك أو أي خشب صلد وتحلى بنقوش دقيقة رائعة تظهر وكأنها تغطى معظم مساحة واجهة المسكن، فتظهر الحوائط الخارجية كأنها من نسيج خشبي رقيق.

المساكن التقليدية في المنطقة الجنوبية

تتكون المنطقة الجنوبية من مستوطنات وتجمعات سكانية زراعية صغيرة منتشرة في جميع أنحاء الإقليم على قمم وسفوح الجبال وفي تهامة الساحل، وتعد المنطقة الجنوبية من أعلى مناطق المملكة كثافة سكانية، وذلك لوفرة الأمطار وملاءمتها للزراعة، لقد أعطى الاختلاف الكبير في المناخ وفي طبوغرافية الأرض بدءا من قمم الجبال والسفوح وانتهاء بساحل البحر الأحمر تميزا واختلافا في الأنماط المعمارية للمساكن وفي مواد البناء المستخدمة وطرق الإنشاء المتبعة، حيث تتميز المنطقة الجنوبية بأنماط عمرانية ومعمارية متغايرة في كل من منطقة الهضبة (نجران) ومنطقة السراة/ المرتفعات (أبها)، ومنطقة الإصدار (جبال فيفا) ومنطقة تهامة (جيزان).
يختلف مناخ المنطقة الجنوبية باختلاف المواقع والارتفاع عن سطح البحر، فمناخ المناطق الداخلية والتي تقع على الجهة الشرقية من سلسلة جبال السروات يتبع المناخ الصحراوي حيث الحرارة والجفاف صيفا مع اعتدال الحرارة وقلة الأمطار شتاء، بينما يمتاز مناخ المناطق الجبلية المواجهة للبحر الأحمر باعتدال الحرارة صيفا وزيادة معدل هطول الأمطار والبرودة شتاء، أما المناطق الساحلية فيسودها صيفا مناخ شديد الحرارة مرتفع نسبة الرطوبة، وتعتدل درجات الحرارة في الشتاء. لذلك فقد تعددت طرق ومواد البناء المستخدمة في تشيد المساكن لتلائم الظروف المناخية. فقد استخدم الطين في نجران، واستخدم الطين والحجر معا فيما يسمى بالبناء بطريقة (الرفف) في أجزاء من منطقة أبها وسراة عبيدة. واستخدم الحجر الخالص في بناء المساكن في فيفا والباحة وكثير من المناطق الجبلية، واستخدمت جذوع وأغصان الأشجار وكذلك أعواد القصب والخيزران والحشائش الجافة مع الجبال المفتولة في تشييد العشش السكنية في جيزان وبقية المستوطنات الواقعة على الساحل في تهامة.

النسيج العمراني

يتميز النسيج العمراني في المستوطنات الواقعة في منطقة الهضبة (نجران) المتصفة بانبساط الأرض وبالمناخ الصحراوي بتراص كتلة البناية الطينية، وهي بذلك تشبه إلى حد كبير النسيج العمراني في المنطقة الوسطى. بينما تتجمع المساكن في منطقة المرتفعات ومنطقة الإصدار في مجموعات صغيرة تفصل بينها المزارع على قمم الهضاب وسفوح الجبال. حيث يتأثر النسيج العمراني بشكل تضاريس الأرض في تتبعها لخطوط (الكنتور) المستويات المختلفة. ويتميز النسيج العمراني للمستوطنات التي تقع على ساحل البحر الأحمر الشديد الحرارة العالي الرطوبة، بتخلخله حيث تظهر الوحدات السكنية بنمط متميز يتكون من غرف وعشش منفصلة عن بعضها البعض.

الخصائص المعمارية للمساكن

مساكن الهضبة: تتشابه خصائص وفكرة تصميم المساكن الطينية في نجران مع المساكن في منطقة نجد، إلا أنها تشيد من الطين المخلوط بالماء والتبن على شكل مداميك بعرض وارتفاع يتراوح بين (40و60 سم).
مساكن المرتفعات: تبنى المساكن في منطقة المرتفعات (أبها وسراة عبيدة) على المناطق المرتفعة لتوفير الحماية من الأعداء ولتجنب السيول الجارفة على حواف الوديان، ويتم تشييد المساكن من الحجر في الأساسات وفي الدور الأول ثم يستكمل البناء بمادة الطين مع الرفف (الحجارة المسطحة) حيث يتم بناء الحوائط من الطين المخلوط بشكل جيد بالتبن والماء على شكل مداميك بارتفاع وعرض يتراوح بين (40و50 سم) ثم يتم رص الحجارة المسطحة (الرفف) جنبا إلى جنب فوق كل مدماك طيني أثناء إقامته، بحيث تكون بارزة إلى الخارج لحماية الحوائط الطينية من الأمطار الغزيرة، ويلاحظ أن المباني تضيق كلما ارتفعت الجدران بحيث يظهر المبني كالهرم الناقص، ولهذا الشكل مزية بالإضافة إلى جماله، وهي أنه يجعل المبنى أكثر ثباتاً، ويستخدم الطين في لياسة الحوائط من الخارج ثم تلون الواجهات لتزيين المساكن. ويتم أيضا زخرفة المساكن من الداخل حول حواف الأبواب، والنوافذ، والأسقف، وكذلك الأجزاء السفلية من الجدران بأشكال هندسية وبألوان زاهية تتكون من الأصفر، والأحمر، والأزرق، والأخضر.
مساكن فيفا: تشيد المباني في منطقة الإصدار (جبال فيفا) المتميزة بغزارة الأمطار على شكل أبراج أسطوانية من أربعة أدوار بجانب بعض المباني المستطيلة أو المربعة. حيث إن الشكل الأسطواني للمبني يعتبر شكلا دفاعيا مناسبا للحماية من الغارات ولكشف المنطقة المحيطة، كما وأن المسقط الدائري يقلل من الحاجة إلى استخدام الأخشاب الطويلة في التسقيف والتي يصعب توفرها في المنطقة. ولمقاومة تأثير حبات البرد والأمطار الغزيرة، يتم بناء هذا النوع من المساكن من الحجارة الجبلية غير المنتظمة، حيث يتم رصها على بعضها بدون استخدام المونه وتملأ الفراغات المتبقية بكسر الحجارة الصغيرة، ويتم تزيين محيط الأبواب والنوافذ من الخارج بإضافة قطع من أحجار المرو البيضاء اللامعة كتكوينات هندسية بين أحجار البناء القاتمة اللون.
مساكن تهامة: تبنى المساكن في منطقة تهامة على شكل عشش دائرية ذات سقف مخروطي الشكل يوحي بتأثير العمارة الإفريقية، وتنشأ العشة من جذوع وأغصان الأشجار والحشائش الجافة والحبال المفتولة وتغطى من الداخل بطبقة رقيقة من لياسة الطين والجبص. إن استخدام هذه المواد في بناء فراغ العشة المخروطي الشكل يساعد على صعود الهواء الحار ودخان الموقد إلى قمة المخروط وتسريبه إلى الخارج من خلال الأعواد والحشائش وطبقة الطين الرقيقة، مما يسمح بتنفس العشة وتحرك الهواء داخلها بشكل مستمر، وبهذه الطريقة توفر العشة درجة من البرودة مماثلة لما توفره أشجار التظليل، ومن دون الحاجة إلى النوافذ، وكما تقوم الأعواد الخشبية والحشائش المتراكمة فوق بعضها من الخارج بتوفير التظليل اللازم لحماية طبقة الطين الداخلية من حرارة الشمس المباشرة. وتنقش طبقة اللياسة الداخلية بأشكال زخرفية متعددة وبألوان زاهية مثل الأحمر والأزرق والأصفر والأخضر. كما وتزين أحيانا بصحون مختلفة الألوان. ويتكون المسكن في العادة من مجموعة من العشش في فناء يحيط به سور من الأعواد والحشائش الجافة، ويعتبر الفناء جزءا من المنزل وامتداداً خارجياً له يتم القيام فيه بالعديد من الأعمال المنزلية.

المساكن التقليدية في المنطقة الشرقية

تتكون المنطقة الشرقية من مستوطنات ساحلية، تعتمد على صيد الأسماك واستخراج اللؤلؤ، وأخرى داخلية، تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة، وقد أثر اتصال المنطقة التجاري بما جاروها من بلدان، مثل بلاد الرافدين وفارس وكذلك الهند على النمط المعماري فيها، فقد اكتسبت أبنية المنطقة بعض السمات المعمارية لهذه البلدان مثل أسلوب البناء وشكل الأقواس.

النسيج العمراني

يتأثر النسيج العمراني التقليدي في المنطقة الشرقية تأثرا قويا بعامل المناخ الحار الرطب، ولذلك نجد أن تراص هذا النسيج ذو كثافة متوسطة وبارتفاع منخفض في حدود دورين. ونجد أن هذه المستوطنات دائما محمية من جهة الرياح والعواصف الموسمية المحملة بالرمال، كما أن المساكن متلاصقة، مما يقلل عدد الجدران التي تتعرض لأشعة الشمس.

الخصائص المعمارية للمساكن

تشيد المساكن في المستوطنات الساحلية من الطين والأحجار المرجانية حول فناء داخلي، وتبرز على الواجهات الخارجية للمباني التكوينات الإنشائية بشكل هندسي متعامد تضم بينها فتحات كبيرة لمعالجة بشكل يحفظ الخصوصية ويوفر أقصى درجة من التهوية الطبيعة، وينشر استخدام البادقير وهو عبارة عن قناة في الجدار الخارجي ذات فتحة في الأعلى تفتح للخارج وفتحة بالأسفل تفتح إلى جهة السطح أو داخل الغرف، إن الوظيفة الأساسية للبادقير هي توجيه الهواء إلى السطح وجلب المزيد من التيارات الهوائية الباردة لتخفيض درجة الحرارة داخل الغرف.
تبني حوائط المساكن في المستوطنات الداخلية من الحجر الجيري والطين بسماكات تصل إلى (80سم) حول أفنية داخلية وتستخدم جذوع النخيل وجذوع أشجار الأثل لتشييد الأسقف، ويستخدم الطين المخلوط بالتبن والجص والمصنوع من الحجر الجيري في اللياسة لحماية المبني من تأثير الأمطار، ونظراً لأن المناخ في المستوطنات الداخلية حار جاف فإن المباني تتميز بقلة الفتحات إلى الخارج، كما وتتميز باستخدام الأقواس الدائرية المزخرفة بالجص فوق الأبواب والنوافذ.

الخلاصة

يتضح مما سبق أن الاختلاف الواضح في المناخ والتضاريس وكذلك في تنوع مواد البناء المتوفرة قد أثر تأثيراً كبيراً على الأنماط العمرانية والمعمارية للمستوطنات التقليدية في المملكة العربية السعودية، إلا أن هذه الأنماط على اختلافها قد تميزت جميعها بالصراحة في إبراز مواد البناء وفي تقديم حلول وتصاميم معمارية وعمرانية تفي باحتياجات المستخدمين وتلائم البيئة المحيطة، مما أدى إلى استمرار هذه الأنماط لأزمان طويلة.
لقد استمر بناء المساكن في المملكة العربية السعودية بالطريقة التقليدية إلى ما قبل أربعة أو خمسة عقود مضت. ولكن مع ظهور وتوفر مواد البناء الجديدة، مثل الأسمنت والخرسانة المسلحة في أواخر الخسمينات من القرن الهجري الماضي، بدأت مناطق المملكة تشهد ظهور نمط معماري جديد في شكل نماذج مختلفة من العمارات والفيلات والقصور السكنية، التي شيدت من الخراسانة والتي تعتمد على الأجهزة الحديثة في التبريد والتدفئة، كما تعد هذه النماذج الإسكانية المنفذة بمواد البناء الحديثة نماذج مستوردة وغريبة عن البيئة، فهي لم تتم تلقائيا ضمن منظومة المؤثرات البيئة والاجتماعية والثقافية للسكان، بل قطعت حبل التطور القائم على التجارب المتتابعة منذ عهد بعيد.
لقد ساهم توفر واستخدام مواد وتقنيات البناء الجديدة وأنظمة التبريد والتدفئة الصناعية الحديثة بشكل فعال في اختفاء أنماط المساكن التقليدية، وتشابه الطابع المعماري للمساكن في جميع مناطق المملكة على اختلاف خصائصها المناخية والطبوغرافية والبيئية ولكن، مما لا شك فيه أن استبدال مواد وتقنيات البناء المحلية التقليدية، مكن السكان من الحصول على فراغات معمارية أكبر وبذل جهد أقل في صيانة مساكنهم والعناية بها، كما توفرت لهم العديد من سبل الراحة الحديثة في المساكن، إلا أن المساكن المعاصرة في الجانب الآخر تفتقد الكثير من الحلول والمعالجات المعمارية التقليدية البيئية منها أو الاجتماعية (مثل الحفاظ على الستر والخصوصية) التي كانت توفرها لهم المساكن التقليدية من خلال بعض العناصر المعمارية (مثل الأفنية الداخلية والمشربيات والمداخل المنكسرة) التي ابتدعها المجتمع عبر سنين من التجربة والتطوير للوصول بتلك الحلول إلى درجة المثالية في تحقيق الوظيفة والتوافق مع الاحتياجات الاجتماعية والمتغيرات المناخية.
لقد كانت المساكن الطينية – في منطقة نجد مثلا- تظهر من الخارج بسيطة ومتواضعة فإذا دخلها الداخل وجد صحنها المشرق الذي تطل عليه الغرف المشمسة الدافئة شتاء، والباردة صيفاً، كانت هذه المساكن التقليدية ذات الفناء مشتى ومصيفا، كما أنها عالم مستقل لا ترى منها ولا ترى، مستورة لا يرى من فيها أحدا، ولا يراهم أحد، لا نافذة لها على الجيران، ولا شرفة للجيران عليها، وليست كالفيلات المعاصرة التي وإن وجدت نوافذها على الجهات الأربعة إلا أنها مغلقة مطبقة لا يمكن أن يرى فيها وجه السماء إلا إن فتحت نوافذها أو تم الخروج إلى شرفتها (البلكونة) فيصبح الساكن على مرأى من المارة والجيران جميعا، كما وأن المساكن الطينية المتلاصقة، التي كانت تشترك مع بعضها البعض في الحوائط، تمنح توفيراً كبيراً في مواد البناء وفي استهلاك الطاقة، فحوائطها الخارجية لا تتعرض لنفس القدر من العوامل المناخية عند مقارنتها بالمساكن المنفصلة، وتنخفض بالتالي تكاليف الطاقة اللازمة لتبريدها وتدفئتها.
أهمل التعليم المعماري في المملكة العربية السعودية خلال سنواته الأولى العمارة التقليدية بشكل شبه كامل. واختفى كذلك التطبيق الحقيقي للعمارة التقليدية بمفاهيمها وعناصرها وحلولها ومعالجتها المعمارية خلال العقود القليلة الماضية، فلم تظهر سوى بعض الأمثلة لمبان سكنية أو تجارية مغلقة من الخارج فقط بشكل العمارة التقليدية، وتفتقد التطبيق الحقيقي لمضامين ومفاهيم العمارة التقليدية الأصيلة، فتلك الأمثلة لا تعدو أن تكون ردة فعل عاطفية فقط وحنين إلى التراث من دون وعي أو فهم لمحتوى هذا الإرث المعماري العريق.
ولكن ولله الحمد بدأت تظهر مؤخرا بوادر إيجابية، وإن كانت في بداياتها، للاهتمام بالعمارة التقليدية وجعلها ضمن مناهج التعليم المعماري في كليات وأقسام العمارة بالجامعات السعودية بمبادرات من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، وقد نتج عن هذا الاهتمام تخصيص مقررات للعمارة التقليدية والعمل على إعداد بعض الدراسات والبحوث العلمية التي تسعى إلى الحفاظ على العمارة التقليدية وتوثيقها وتطويرها.
وإن كانت تلك خطوة إيجابية على الطريق، إلا أن على الباحثين والمتخصصين في مجال العمران الاهتمام بدراسة وتحليل نماذج الإسكان التقليدي التي شكلت من مواد البناء المحلية وبتكيف مع المؤثرات المناخية السائدة،وحسب الاحتياج الاجتماعي والاقتصادي للسكان، واستخلاص إيجابياتها من مختلف جوانبها التصميمية والتنظيمية، والعمل على تطويرها من خلال البحث العلمي والتطبيقي كمعايير يمكن توظيفها لتحسين البيئة السكنية المعاصرة، والاستفادة منها عند تخطيط وتصميم المشاريع السكنية في المستقبل.
كما يتطلب الأمر العودة إلى إنشاء المساكن بطرق ومواد البناء التقليدية (كالطين) وذلك بإعداد دراسات خاصة تخضعها لأصول العلم الحديث كعلم مقاومة المواد أو ميكانيكية التربة والرفع من كفاءتها كمادة بناء لا تتطلب صيانة مكلفة ومستمرة، وهو ما يتطلب دراسات خاصة بالنسبة للمعماريين والمهندسين ونظام فعال لتدريب الحرفيين والعمال، ويلزم العمل أيضاً على تطوير تقنيات البناء التقليدية كتقنية متوافقة أو متلائمة (Appropriate) Technology مع الإمكانات الاقتصادية والتقنية الراهنة للمجتمع، وذلك للعمل على تيسير امتلاك المسكن وبالذات في المناطق الريفية.
إن مشكلة العديد من الأسر في وقتنا الحاضر تكمن في كونها لا تملك المال الكافي لشراء أو بناء المسكن، وذلك عائد إلى كبر حجم المساكن المعاصرة والتعامل معها كمنتج نهائي بحجم وعناصر وفراغات محددة وثابتة منذ البداية، بينما يتطلب توفير مساكن بميزانية صغيرة العمل على توفير كامل مجال مستلزمات الراحة الضرورية والوظيفية للأسر المتكونة حديثاً ضمن مساحة محدودة تمكنها من بدء حياتها في وحدة سكنية صغيرة قابلة للنمو حسب احتياج الأسرة، إن أنماط المساكن المعاصرة لم تستطع أن تقدم بشكل متكامل حتى الآن حلولاً معمارية مبتكرة تستطيع استيعاب اقتصاديات المساحة والتكوين.
بينما نجد أن البناء المتتابع (أو المستمر) يعد ميزة طبيعية لبناء المساكن التقليدية في المملكة، حيث تبدأ الأسرة العادية بمسكن صغير يكبر معهم بشكل تدريجي على مر السنين، حيث تبنى المساكن التقليدية حسب احتياج الأسرة الحقيقي وعلى قدر مقدرتها المالية، فكانت مثالاً حقيقيا على الإسكان الميسر (Affordable Housing) الذي قام على عوامل التيسير المتمثلة في رخص تكلفة مواد البناء المتوفرة من البيئة المحيطة، وانخفاض تكاليف العمالة من خلال تعاون السكان مع بعضهم البعض على التنفيذ، وصغر مساحة المسكن لتعدد وظائف عناصره وفراغاته، والمرونة في نموه المستمر حسب احتياج الأسرة ومقدرتها المالية، بالإضافة إلى أن مواد بناء المساكن التقليدية تتحول عند تهدمها إلى مواد أولية يمكن إعادة استخدامها أو اندماجها مع البيئة دون أي تأثيرات سلبية.

المصدر : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
Admin
Admin
المدير
المدير

عدد المساهمات : 972
نقاط : 2426
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

https://chemamin.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى