التسيير والتقنيات الحضرية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التسيير والتقنيات الحضرية
التسيير والتقنيات الحضرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة

اذهب الى الأسفل

جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة Empty جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة

مُساهمة من طرف Admin الأربعاء نوفمبر 23, 2011 8:33 pm

مع الدكتور الرويثي في كتابه
جوانب من الشخصية الجغرافية للمدينة المنورة

أ.د. مصطفى محمد خوجلي
هذا كتاب صغير يتألف من 122 صفحة من الحجم المتوسط . والمعروف عن مؤلفه الأستاذ الدكتور محمد أحمد الرويثي أنه نذر حياته للتدريس الجامعي بشكل عام ، والبحث في جغرافية المملكة العربية السعودية بشكل خاص . فمن المؤلفات الكثيرة التي كتبها ـ بالإضافة إلى المؤلف الذي بين أيدينا ـ وسكان المملكة العربية السعودية، 1978م، والموانئ السعودية على البحر الأحمر 1983م، كتاب الشخصية الجغرافية للمملكة العربية السعودية 1995م.
لقد كُتبت أبحاث كثيرة جداً عن المدينة المنورة في الماضي وفي الحاضر ، تناولت جوانب متعددة من المدينة. غير أن الجوانب الجغرافية البحتة لم تنل إلا القليل من تلك الأبحاث . ولذا فنعتقد أن هذا الكتاب الذي نناقشه يُعتبر إضافة حقيقية إلى ما كُتب سابقاً ، ويسد ثغرة هامة في أدبيات المدينة المنورة .
والجغرافي الحقيقي عندما يكتب عن أي مكان عليه أن يُبرز العلاقات المتبادلة بين المكان بكل صفاته وبين سكانه ، ونشاطاتهم المختلفة من زراعة وصناعة وسكن 0000الخ وكذلك عليه أن يُعلل اختيار المكان للغرض الذي من شأنه اُختير، ومدى تطابق الوظائف النظرية للمكان مع ما يقوم به فعلياً من وظائف . ولا شك أن السكان الذين اختاروا واستقروا في الأماكن التي كانت يثرب واحدة منها ـ قبل الإسلام ـ كان لهم منطقهم في اختيار تلك المواقع . وبالإضافة إلى ذلك فقد اختار الله سبحانه وتعالى يثرب مهجراً للرسول صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك الوقت أصبحت المدينة المنورة المركز الديني والثقافي للمسلمين يزورونها ، والعلماء منهم من يدرس بها والطلاب يجلسون في مسجدها يتلقون العلم .
وقد أفلح الدكتور الرويثي في الفصول الخمسة لكتابه في إظهار العلاقة المتشابكة بين الجوانب الطبيعية للمدينة المنورة وماضيها وحاضرها وتركيبها الوظيفي على مر العصور . وذلك هوالمنهج الجغرافي الذي سلكه في هذا الكتاب وفي أبحاثه الأخرى . فالمدينة المنورة تجمع في ملامحها الطبيعية بين كونها واحة كثيرة المياه وذات تربة رسوبية تصلح للزراعة وبين بداية إعمارها منذ الألف الأولى السابقة للميلاد، حيث جعل الإنسان تلك المنطقة مركزاً للعمران البشري ، وزادت أهميتها زيادة كبيرة نتيجة لكونها مدينة مقدسة في دولة بترولية، وأيضا لتصميم الحكومة السعودية على جعلها مدينة حديثة مع الاهتمام الكبير بوظيفتها الدينية التي ظلت حقيقة مركزية في كل جوانب التخطيط .
وسنجد أن الملامح المذكورة ظلت هي المحور الذي دارت حوله الكتابة في الفصول الخمسة للكتاب .
ففي الفصل الأول ناقش الدكتور الرويثي الموقع المتميز للمدينة المنورة بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وكذلك بالنسبة للعالم ، وناقش العوامل التي أدت إلى تعاقب فترات النمووفترات الركود النسبي . ففي البداية نشأت المدينة لكونها :
1- واحة كثيرة المياه وسط منطقة صحراوية ، وتربتها طينية خصبة تصلح للزراعة.
2- إحدى المحطات الرئيسية على طريق القوافل القديم.
3- في موقع طبيعي حصين .
وبعد الهجرة النبوية الشريفة أصبحت عاصمة لدولة قوية مترامية الأطراف .
ثم جاءت فترة الركود النسبي مع بقاء المدينة حية تمارس وظيفتها الدينية في كونها البقعة الثانية المقدسة للمسلمين . وأسباب الركود كانت :-
1- نقل العاصمة من المدينة إلى دمشق ثم إلى بغداد ،
2- مع استتاب الأمن الذي وفرته الدولة الإسلامية القوية تحولت التجارة البرية إلى الطرق المائية . وفيما بعد، ونتيجة لاكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح تحولت التجارة بين أوروبا الغربية وجنوب آسيا إلى المحيطين الأطلسي والهندي ، وقلت بشكل كبير التجارة عبر البحر الأحمر والخليج العربي .
ثم جاءت فترة ازدهار عندما رُبطت المدينة مع بلاد الشام بخط حديدي. ولكن تبع ذلك فترة تدهور قصيرة نتيجة للحربين العالميتين الأولى والثانية .
ثم جاءت فترة الازدهار الكبير منذ النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة الأسباب الآتية :-
1- استتاب الأمن مع توحيد المملكة.
2- الازدهار الاقتصادي نتيجة لاكتشاف واستخراج البترول في المملكة.
3- خطط الحكومة لتطوير المدينة المنورة.
4- بناء الطرق الداخلية والطرق الرابطة للمدينة بما حولها ومع كل أجزاء المملكة.
5- كذلك منذ فتح قناة السويس رجع للبحر الأحمر أهميته الاقتصادية، وزادت مع الثورة الصناعية واستعمار جنوب آسيا .

أما الفصل الثاني فقد خُصص للجوانب الطبيعية : الجيولوجيا والتضاريس والتربة والمناخ والمياه . وقد استعرض الرويثي فيه التكوينات الجيولوجية منذ عصر ما قبل الكمبري حتى الزمن الرابع . كذلك استعرض التضاريس، إذ أن المدينة عبارة عن حوض تحيط به الجبال . وربط الباحث بين الجيولوجيا والتضاريس والتربة من جانب وبين المياه الباطنية من جانب آخر، وربط ذلك بنشأة السكن . كل ذلك مع إعطاء خلفية للمناخ الصحراوي المتميز بندرة الأمطار وتذبذبها وارتفاع درجة الحرارة صيفاً ودفئها شتاءً .
وقد أشار الدكتور الرويثي في هذا الفصل إلى جانب هام وكأنه يدق ناقوس الخطر . ذلك الجانب هو موضوع المياه الباطنية، وهي مورد مخزون وعرضة للنضوب. وبالفعل قد نضبت في بعض المناطق مع ازدياد السَّحْبِ من المخزون المائي في باطن الأرض وعدم أو قلة التعويض من الأمطار . وذلك خطر ماثل حالياً وسيزداد في المستقبل مع زيادة السكان وازدياد النشاطات الاقتصادية التي تستعمل الماء في الزراعة والصناعة .

وقد خصص الدكتور الرويثي الفصل الثالث للنمو العمراني . ففي بداية الفصل يذكرنا الباحث بأسباب نمو معظم المدن السعودية وهي: وجود الماء الباطني والتربة الزراعية في جيوب وسط الصحراء القاحلة . ويدعم تطور تلك المدن كونها تقع على طرق القوافل. ثم يتحدث عن مراحل نشأة وتطور المدينة التي سكن في حي من أحيائها العماليق في الألف الأولى قبل الميلاد . وتتبع الباحث التطور حتى وصل إلى زماننا الحاضر . وتعرض في ثنايا ذلك التطور إلى توزيع السكن الذي كان مبعثراً قبل الإسلام ولكنه تجمع مع ظهور الإسلام، وإلى أنواع مواد البناء ، وإلى سور المدينة الذي بُنى لحماية المدينة عام 876م ، ولكنه هدم في العهد السعودي بعد أن فقد وظيفته وأصبح عائقاً لتمدد السكن مع تزايد أعداد السكان ، وعائقاً أيضاً لإنشاء طرق النقل الحديثة . وقد شهدت المدينة تطوراً كبيراً منذ بداية توحيد المملكة. ولكن الطفرة الكبرى في التطور بدأت مع توسعة الحرم النبوي الشريف عام 1984م، حيث تمددت المدينة في كل الاتجاهات، إذ لا يوجد عائق طبيعي يمنع التمدد . وكذلك تطور في مواد البناء وفي هندسة وشكل معظم المباني، حيث هُدمت كل المباني وسط المدينة وحلت محلها مبانٍ حديثة متعددة الطوابق . كذلك ظهرت أحياء جديدة ذات مساكن حديثة من فلل وعمارات حديثة .

وتحدث الباحث في الفصل الرابع عن نموالسكان وتركيبهم النوعي والعمري والوظيفي. وأورد إحصاءات تقديرية لعدد سكان المدينة المنورة ابتداءً من عام 1814م عندما كان العدد بين 15 و20 ألف نسمة. وزاد العدد إلى 80 ألف نسمة مع بناء خط السكة الحديد {إحدى فترات ازدهار المدينة} وانخفض العدد إلى 30 ألفاً بعد الحرب العالمية الأولى والثانية {فترة تدهور } . ولكن بعد ذلك بدأت زيادة السكان في التسارع الشديد حتى وصل العدد عام 1996م إلى حوالي 868 ألف نسمة . والجدير بالذكر أن الدكتور الرويثي أشار إلى أن القسم الغربي من المملكة هو إقليم الثقل السكاني نتيجة لكونه إقليم خدمات ، في مقابله القسم الشرقي حيث إن مدنه مدن تعدين في الأساس . كذلك أن بالإقليم الغربي تتعدد الجنسيات نتيجة لكون كثيرين من الجنسيات المختلفة جاؤوا إلى المدينة واستقروا حول الحرم ، ومن هؤلاء من عمل في التدريس وفي قطاع الخدمات .
ومن حيث التركيب النوعي فإنه كما يُتوقع من أي مدينة كبيرة في العالم أن تزيد نسبة الذكور على نسبة الإناث . والمدينة ليست بدعاً في ذلك حيث إن نسبة الذكور تصل إلى 54في المائة من مجموع السكان .
أما التكوين العمري فنجد أن ما يقرب من 50 في المائة من السكان هم في سن أقل من15 عاماً ، كما أن حوالي 3.9 في المائة هم في سن 65سنة فما فوق .
ومن ناحية التوزيع النسبي للعاملين في الأنشطة الاقتصادية المختلفة نجد أن 46.5 في المائة من القوى العاملة تعمل بقطاع الخدمات ، ويعمل 15.75 في المائة بقطاع التجارة ، في حين إن نسبة العاملين بالقطاع الصناعي تبلغ 2.8 في المائة فقط .

أما الفصل الخامس فقد خصصه الباحث لدراسة التباين في وظائف أجزاء المدينة المنورة وما يتبع ذلك من تباين بين المجموعات الاجتماعية . وناقش التغيرات التي حدثت في المدينة المنورة ، وذلك من نواحي النمو السكاني واتساع المساحة العمرانية وطرق النقل داخل المدينة ، والطرق التي تربط المدينة بما حولها وببقية أجزاء القطر . وتلك التغيرات التي أدت إلى ظهور مناطق مميزة خاصة بالتجارة والصناعة والإدارة والسكن . وتبعاً لتلك التغيرات قسم الدكتور الرويثي المدينة إلى مناطق وظيفية:-
1- مناطق تجارية في المركز التجاري المركزي ومحلات التجارة في الأحياء والحوانيت.
2- مناطق للنقل.
3- مناطق للسكن القديم والحديث.
4- مناطق خدمات لخدمة الحجيج والزيارة والتعليم والصحة والخدمات الأخرى .
ونذكر هنا أن الدكتور الرويثي قد أشار بشكل خاص إلى مشاريع وخطط توسعة المسجد النبوي الشريف وإلى ما ترتب على ذلك من هدم لمعظم المدينة القديمة وأسواقها مما أفقد ذلك الجزء مؤقتاً صفة المركزية والتوسط بالنسبة للمدينة . ولم يلبث ذلك التقلب أن زحف نحوالشمال والجنوب والشرق والغرب ، وظهرت مناطق تجارية جديدة في أنحاء من المدينة تستحوذ على مساحات كبيرة ولكنها متباينة في مساحاتها .
وإن كان لنا ما نزيد به على ما قاله الدكتور الرويثي، وذلك لزيادة الإيضاح أكثر من أنها نقاط اختلاف في الرأي ، نقول إنه في أي مدينة صغيرة تكون المنطقة التجارية محصورة في مساحات صغيرة . ولكن كلما زاد عدد السكان كلما توسعت المساحة المسكونة ، وكلما تعددت المناطق التجارية وذلك للأسباب الآتية : -
1- ضرورة أن تكون بعض المحلات التجارية – خاصة التي تتعامل في الأغذية وفي بعض الضروريات قريبة من السكن.
2- ترتفع أسعار الأرض في المنطقة التجارية الرئيسية.
3- مساحات المحلات في المنطقة المركزية صغيرة ولا تفي بالغرض. مثال لذلك محلات السوبر ماركت الكبيرة ومعارض السيارات ومعارض السجاد والموكيت فإنها كلها تحتاج إلى مساحات واسعة ، ولذا تخرج إلى أطراف المدينة . وهذا ما حدث بالفعل في المدينة المنورة . ولكن في بعض الأقطار قد تُهجر المنطقة القديمة لصالح المناطق الحديثة . غير أن هذا لم يحدث للمدينة المنورة ، وذلك لوضعها الخاص حيث يوجد المسجد النبوي الشريف في قلب المدينة وذلك يجعل كل وسائل النقل تتجه إلى الوسط الذي به الحرم. وفي ذلك المركز نجد معظم الفنادق وأماكن سكن الحجاج والعمار والزائرين . ومثل ذلك يقال عن المحلات التي تتعامل مع احتياجات الحجاج والزوار ، ومنها محلات المأكولات السريعة وبعض محلات الهدايا من ملابس وذهب ، ومحلات تغير العملة { معظم البنوك خارج المنطقة المركزية ولكنها غير بعيدة عنها }. ولهذا فعلى الرغم من تعدد الأسواق فان المنطقة القديمة ستظل هي القلب التجاري للمدينة . ولهذا السبب فإن تلك المنطقة لم تُهجر ولكنها توسعت وتجددت عن طريق الهدم والبناء المخطط . بحيث أصبحت المدينة المنورة مدينة قديمة وحديثة في نفس الوقت.
والمشكلة الرئيسية التي تقابل هذه المنطقة المركزية هي ازدحام السيارات خاصة في أوقات العمرة والحج والزيارة ، وذلك على الرغم من إنشاء مواقف سيارات واسعة تحت ساحات الحرم النبوي الشريف. تلك مشكلة تحتاج إلى حل في المستقبل .
وفي النهاية نقول إن هذا الكتاب – على الرغم من صغره – وخاصة الفصلان الرابع والخامس – هو تسجيل جغرافي للمدينة المنورة في نقطة زمنية معينة . At a certain point in time. ولذا ففائدة الكتاب لا تقتصر على القارئ الحديث ، لأنه يعتبر وثيقة جغرافية تفيد أي باحث عن المدينة في المستقبل. ومن هذه الناحية سيظل مرجعاً هاماً فيما يأتي من الأيام .
ونركز على أنه تسجيل " جغرافي " ، ونعني بذلك أنه ليس سرداً للوقائع ولكن مناقشة لتفاعل الإنسان مع البيئات الطبيعية والسياسية والاقتصادية مع إعطاء كل الحقائق للقارئ .
وهذا التسجيل كُتب بلغة سهلة وسليمة ورجع الباحث فيه إلى الكثير من المراجع العربية والأجنبية وإلى التقارير الرسمية . ودُعم الكتاب بعدد من الجداول والأشكال ، كما أن به قائمة للمراجع لمن يريد الزيادة في المعرفة.
وننتهز هذه الفرصة لندعو الله سبحانه وتعالى أن يرحم ويغفر للأستاذ الدكتور محمد أحمد الرويثي ويثيبه عن كل الأبحاث التي كتبها عن المملكة وعن المدينة المنورة ، وان يطرح البركة في أفراد أسرته وذريته وأن يوفقهم ويوفقنا جميعاً لما فيه الخير .

أ.د. مصطفى محمد خوجلي

أستاذ بكلية التربية للبنات بالمدينة المنورة
Admin
Admin
المدير
المدير

عدد المساهمات : 972
نقاط : 2426
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

https://chemamin.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى