التسيير والتقنيات الحضرية


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

التسيير والتقنيات الحضرية
التسيير والتقنيات الحضرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

التنمية العمرانية المستدامة

اذهب الى الأسفل

التنمية العمرانية المستدامة  Empty التنمية العمرانية المستدامة

مُساهمة من طرف Admin الإثنين نوفمبر 14, 2011 8:57 pm

ملخص البحــث:
ارتبطت المفاهيم الحاكمة والمحددة لسياسات التنمية العمرانية المستدامة في الآونة الأخيرة بمفاهيم الإدارة المحافظة والمرشدة لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية من موارد البيئة الطبيعية والبشرية والبنائية المتاحة بالمستقرات العمرانية في إطار المنظومة الثقافية المميزة والخاصة بكل منها ومن ثم تهدف الورقة البحثية في الإطار السابق إلى دراسة آليات وأطر التحولات العمرانية الانتقالية اللازمة للاتجاه صوب الاستدامة في تخطيط وتنمية المناطق ذات الثقافات التقليدية المحلية بالريف ، خاصة في حقبة تشهد نموا متسارعا وغير مسبوق للتجمعات الحضرية بالمدن الضخمة وامتدادها نحو مستوطنات الثقافات التقليدية القديمة بالمناطق الريفية وتتناول الورقة البحثية طرح إشكالية البحث عن الجذور الأصلية لنماذج التحديث والتطوير والعمليات الهادفة للتغيير من خلال الاستمرارية الثقافية للمجتمعات الريفية ويخلص البحث إلى أن تحقيق الأسس النظرية المنشورة للتنمية المستدامة للمجتمعات ذات الثقافات التقليدية إنما يعتمد على إيجاد حلول جماعية ذات صبغة محلية تناسب كل موقع ونظامه البيئي والعمراني الخاص به وثقافته الذاتية ، وكذلك أهمية الحفاظ على تنوع أنماط المجتمعات ذات الثقافات التقليدية هو الركيزة الأساسية لخلق مجتمعات مستدامة .
المقدمة:
لقد تغيرت القرية منذ مراحل النمو الأولى وحتى نهاية القرن العشرين إلا أنه ارتبط بدرجة كبيرة بالقوى والمتغيرات التي سادت كل مرحلة من مراحل التحول والتغير ، ولكن هل كان لذلك التحول مردوده الإيجابي على البيئة الطبيعية والعمرانية والسمات الثقافية والاجتماعية ؟ أم أنه يحمل بين طياته إهدارا للموارد الطبيعية والعمرانية والبشرية ؟ وهل تلك التغيرات ناتجة أيضا عن تأثير الاتجاهات الإقليمية والمتغيرات العالمية ، ولقد انتهى التناقض الذي كان حادثا بين المناطق الحضرية والريفية وأحل محله صياغة جديدة وشكلا جديدا يختلف في الخصائص العمرانية والثقافية لكل منهما وفي ذلك الإطار تتناول الورقة البحثية إشكالية التنمية المستدامة للتجمعات والقرى الريفية كأحد الاهتمامات والقضايا البارزة في المجتمع المحلي الدولي على السواء ، وتهدف إلى :
1- تقييم الوضع الراهن للقرية اوسلبيات التحولات البيئية والعمرانية الناتجة منذ بداية القرن العشرين.
2- مراجعة المفاهيم الدولية المرتبطة والمستحدثة للتعامل مع مشكلات وسلبيات المجتمعات الريفية بدول العالم النامي ، وأهمها التجارب العالمية المناظرة المرتبطة بتطبيق برامج القرى المستدامة ( القرى البيولوجية /الطبيعية Bio-Villages ، القرى صديقة البيئة Eco-Villages ) وأسس تخطيط المناطق السكنية المستدامة Co-Housing .
3- صياغة مداخل التنمية المقترحة للقرية وآليات التحول صوب المجتمعات الاستدامة ، في إطار السلبيات المحلية ، والاتجاهات العالمية للتجمعات الريفية القائمة والمستحدثة
2 -التوجهات العالمية لاستدامة التجمعات الريفية:
إن عملية خلق اقتصاد جديد للتجمعات الريفية والحضرية بهدف تنمية وتوفير احتياجاتها الحالية والمستقبلية ولفترات طويلة يجب معه الحاجة إلى مدخل خاص ، فمعظم المدن صنعت لنفسها القطاع الاقتصادي الملائم كالتجارة والصناعة والتعدين... وغيرها ، مما يوفر لآلاف بل لملايين من السكان فرص عمالة ملائمة ، وكذلك الحال في التجمعات الريفية والتي تشكلت في إطار العديد من المتغيرات الاقتصادية والقوى السياسية الحاكمة وعمليات من التنمية المستمرة منذ بداية القرن العشرين كان لها من التأثيرات السلبية بيئيا واقتصاديا واجتماعيا على مختلف دول العالم .
2/1- التنمية وثنائية الفقر والتدهور البيئي :
لقد فشل نموذج التنمية المنتشر في بلدان العالم المختلفة في تحقيق التوازن والتكامل بين الاقتصاد والحفاظ على البيئة،وكما أثبت علماء الاقتصاد " Herman Dally & John Cobb " ( أن عمليات التنمية في القرن العشرين قد ساعدت بدرجة كبيرة على نمو الفقر العالمي وفقدان الموارد بدول العالم الثالث و زيادة الفجوة الاقتصادية بين الدول ، بل أنها أحاطت مدن العالم بالعشوائيات وأنماط البناء الهزيلة )(1) ، كما فشلت اتجاهات تلك التنمية في حماية الثقافات المحلية للمجتمعات وإقامة سياسات إنسانية هادفة لدعم حقوق الإنسان ونشر السلام وتقوية المجتمع المدني وعلى مستوى المناطق الريفية في أنحاء العالم فقد أدى الفقر والتدهور الناتج عن آثار نماذج التنمية الجائرة إلى اختفاء مساحة من الغابات تصل إلى 17 مليون هكتار ، وتبعا لإحصاءات الأمم المتحدة كانت البرازيل أكثر دول العالم فقدا للغابات فقد سجلت 22325 كم2 من الغابات المفقودة حتى عام 1992، كما سجلت ساحل العاج أعلى معدل سنوي لتراجع مساحة الغابات في الفترة ما بين عامي 1982 – 1991 ويقدر بـ 5.6 % سنويا .
2/2-القرى المستدامة : نموذج عالمي لتنمية المستقرات الريفية:
ولذا كان لا بد من طرح نظريات التنمية المستدامة للتطبيق والتجريب خاصة بالمواقع الريفية القائمة والمستحدثة والتي تعاني من ثنائية الفقر والتدهور البيئي كاتجاه عالمي للتنمية الاقتصادية المتوافقة بيئيا وحماية الثقافات وإعادة صياغة لأسس الاكتفاء الذاتي ، وظهرت عدة أشكال / برامج لنماذج التنمية المستدامة بالتجمعات الريفية بدول العالم وهي : برنامج القرى البيولوجية / الطبيعية Bio-Villages ، برنامج القرى صديقة البيئة Eco-Villages .
2/2/1-برنامج القرى البيولوجية / الطبيعية Bio-Villages : نموذج لتنمية المجتمعات القائمة:
بدأ برنامج القوى البيولوجية عام 1991 من خلال مؤسسة إم إس سواميناثان للأبحاث ( تشيناي / الهند ) M.S. Swaminathan Research Foundation ، وهو نموذج مخصص لتطبيق التنمية المستدامة بالمجتمعات الريفية التي تعاني من تدهور البيئة والانفجار السكاني والفقر ، ويهدف البرنامج إلى اختبار وتجربة نموذج تنموي جديد يتفاعل مع مواقع التنمية المستدامة ( ثنائية الفقر والتدهور البيئي ) من خلال تعميم وتنمية التقنيات البيئية القائمة على أساس التكامل بين الحذر البيئي وتقنيات المجتمع المحلي ( البيئة / الطاقة المتجددة / المعلومات ) ويستهدف البرنامج خلق الأنشطة المتوافقة بيئيا لخدمة المواقع الريفية لتوفير فرص العمل وزيادة الدخل ومن ثم حل مشكلة الفقر الريفي خاصة الأنشطة الموجهة لتنمية المرأة الريفية بتوفير مشروعات انتاجية صغيرة ملائمة لموارد المنطقة لرفع القدرة الإنتاجية للقرية من ناحية ودعم مشروعات المجتمعات الريفية المستدامة من ناحية أخرى ( مشروعات إنتاج عيش الغراب واستخدام الأراضي الطبيعية المهدرة في تربية الماعز والدواجن ومنتجات الألبان وذلك للأسر الفقيرة ، أما الأسر ذات الحيازات الصغيرة فيهدف المشروع إلىزيادة الإنتاج خاصة للخضروات والأزهار ومراعي الأغنام والمناحل ...
ويخلص برنامج القرى البيولوجية / الطبيعية إلى أن المجتمع الريفي المستدام إنما يقوم على النمو المتواصل من خلال تطبيق برامج التنمية لعامة السكان خاصة القطاع الأكثر فقرا ، وأن تكون تلك البرامج متواصلة بيئيا واجتماعيا ، وقادرة على بناء قدرات محلية وقومية للاكتفاء الذاتي وتنمية مصادر الدخل 0وقد تم اختبار 3 قرى بولاية تاميل الهندية كنقاط انطلاق ، ثم تم تطبيقه في 19 قرية منذ عام 1994 تضم 24000 نسمة ويمتد ليشمل 375000 نسمة بحلول عام 2004 ، وينشر الآن نمط القرى البيولوجية تحت مظلة شبكة اليونسكو لتكنولوجيا البيئة الآسيوية المستدامة إلى مناطق مختلفة على مستوى العالم (Cool .
2/2/2-برنامج القرى صديقة البيئة Eco-Villages : نموذج لتنمية المجتمعات المستحدثة:
نظرا للتحذيرات البيئية المستمرة للتأثيرات السلبية لعمليات التنمية الحالية خاصة بالتجمعات الريفية التي تعتمد على الموارد الطبيعية ، كان هناك حاجة ملحة لاستحداث مجتمعات تطبيقية تجريبية تعتمد على طراز المجتمعات البيئية المستدامة ، والتي تحقق أهداف استقرار واتزان المجتمع اقتصاديا بوسائل التكنولوجيا المتقدمة المتكاملة مع أهداف حماية البيئة (3) 0وقد نبعت فكرة القرى صديقة البيئة (2) منذ عام 1962 بأحد المواقع الريفية في الشمال الشرقي لاسكتلندا ثم أصبحت تلك النواة أكبر مركز بيئي متخصص للتعليم والتدريب على برنامج القرى المستدامة صديقة البيئة، ويطبق البرنامج باستحداث قرى صغيرة يتراوح عدد سكانها من 50 – 2000 نسمة تتحد وتتفق في الأهداف والقيم البيئية والاجتماعية والثقافية ، وتعتمد على مبادئ التكنولوجيا الحديثة في تطبيق الاستدامة و تمثل نموذج حديث لأسس تحويل المستقرات الإنسانية الصغيرة محدودة الكثافة إلى مجتمعات مستدامة بأقل قدر ممكن من التأثيرات البيئية,وكلما قل عدد السكان ( 50 – 150 ) ساعد ذلك على وجود صلات اجتماعية قوية بين السكان أما القرى التي تستوعب حتى 2000 نسمة فهي عبارة عن مجموعات صغيرة Clusters من القرى لكل منها أهدافه واقتصادها الخاص ، ويعتمد تصميم وتخطيط القرى الصديقة للبيئة Eco-Villages على المبادئ الأساسية التالية:
أ-طاقة ومياه مستدامة : باستخدام محطات الطاقة الشمسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة وأنظمة جمع مياه المطر وشبكات مياه منفصلة للأغراض الانتفاعية وكل ما يلزم من أنظمة تكنولوجية للتقليل من استهلاك الطاقة والمياه .
ب-زراعة / اقتصاديات مستدامة : باستخدام مجموعات صغيرة من التجمعات السكنية Clusters تعتمد على الزراعة كنشاط أساسي لتلبية احتياجاتها المعيشية ذاتيا وإنتاج غذاء محلي .
ج-إدارة الموارد وتدويرها: تصميم مشروعات تدوير المخلفات الصلبة ( مخلفات المنازل ) وتطهير وتنقية المياه .
د-تصميم مباني سكنية صديقة للبيئة Co-Housing : تصميم مباني خضراء متوافقة بيئيا واجتماعيا باستخدام مواد البناء الطبيعية المتاحة بالبيئة وتحقيق مناخ داخلي مريح باستخدام المعالجات المعمارية والمفردات التصميمية الداخلية والخارجية وكذلك الحفاظ على الخصائص الطبيعية للبيئة من حيث النباتات والكائنات الحية وشكل الأرض ، بالإضافة إلى تبني فكرة المسكن الممتد Multi-Generational Home لمواجهة الاحتياجات الحالية والمستقبلية للأسر .
هـ- اختيار مواقع بيئية متنوعة : تخطط القرى صديقة البيئة في مواقع ذات موارد طبيعية أو ثقافية مثل المناطق
الساحلية والأراضي الزراعية والغابات وغيرها .
و- تدعيم الجوانب الثقافية والاجتماعية للسكان : لحماية التنوع الثقافي والعادات والقيم الروحية ودعم المشاركة المجتمعية للسكان وقد انتشرت نماذج القرى صديقة البيئة في كل دول العالم فهناك شبكة دولية للقرى المستدامة بجنوب أفريقيا تعتمد على تطبيقات التكنولوجيا الصديقة للبيئة ( تدوير النفايات – تجديد مصادر الطاقة – المباني الخضراء – الصناعات الزراعية غير الملوثة ) كما تم استخدام تلك القرى في تنشيط السياحة الثقافية لزيارة البيئات التقليدية المستدامة وكيفية إدارتها محليا ، فضلا عن النماذج الأوربية والأمريكية والتي تقع أحدها بولاية Tennesse والتي تبلغ 1750 فدان من الغابات وأصبحت موطنا لـ 200 شخص لإقامة نموذج لتجمع ريفي بدائي بسيط ذو اكتفاء ذاتي مخصص للإسكان المستدام منخفض التكاليف لمحدودي الدخل ويقدم نماذج لتصميم المباني الشمسية والمشروعات الزراعية الصغيرة 0وبتقييم التجارب العالمية لتحولات القرن الحادي والعشرين نحو تطبيق برامج القرى المستدامة في التجمعات الريفية القائمة والمستحدثة بدول العالم الثالث يمكن طرح صياغة جديدة لتنمية القرية المصرية من منظور التجربة العالمية للقرى المستدامة وتطويعها لمواجهة المتغيرات والتحديات الراهنة للتجمعات الريفية المصرية.
3-التنمية العمرانية بالريف المصري منذ بداية القرن العشرين:
ارتبطت عمليات التحول والتغير بالتشكيل العمراني والنمط البنائي في الريف المصري بالعديد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسياسات التنمية التي طرأت على المجتمع الريفي منذ منتصف القرن العشرين وأهمها :
*- التغيرات التي طرأت على هرم الحيازات الزراعية بعد قوانين الإصلاح الزراعي
*-نزوح العمالة الزراعية إلى دول البترول بعد 1973
*-تطور شبكة الطرق الزراعية والسكة الحديد
*-تطور الخدمات التعليمية وإنشاء الجامعات الإقليمية
*-تكثيف حركة الهجرة من الريف للمدن
*-نشاط السوق العقاري وزيادة الطلب على الوحدات السكنية وتطور صناعة مواد البناء
ومما لا شك فيه أن لتلك المتغيرات العديد من الجوانب الإيجابية على تطور الريف المصري إلا أن لها من الجوانب السلبية ومظاهر التحولات العمرانية والثقافية والبيئية القدر الأعظم ، والتي يمكن رصد بعض مظاهرها فيما يلي :
3/1- تحولات التشكيل والنسيج العمراني:
ظهرت ثلاثة أنماط أساسية وواضحة في الكتلة البنائية ونسيجها العمراني بالقرية المصرية وهي:
أ-النواة الأساسية / النسيج القديم : وهي الكتلة البنائية القديمة للقرية ذات النسيج العمراني الإشعاعي غير المنتظم فوق (الكوم) أو التل والذي يميزه شبكة الطرق القديمة المتعرجة الضيقة ذات النهايات المغلقة والتي تزداد بها معدلات التزاحم والكثافة السكانية ، وتتسم بنسيج عمراني قديم يغلب عليه الطابع السكني ، وظهور عمليات إحلال كتلة من المباني الحديثة محل بعض المباني القديمة بفعل عامل التوريث وزيادة الكثافة السكانية على حساب الفراغات الخارجية واتساع الطرق ، مما أدى إلى إفراز نتاج بنائي متدهور بيئيا وبصريا وعمرانيا .
ب-الامتداد الإشعاعي : والذي امتد إلى خارج النواة القديمة في شكل أذرع شريطية بمحاذاة الجسور والترع والمصارف والأحواض الزراعية ، ويتسم ذلك النمط بالنسيج الشريطي شبه المنتظم ذو الشوارع المستقيمة تقريبا والمتعامدة والأكثر اتساعا في معظم الأحيان ، ويغلب على مبانيه متوسطة الارتفاع (2-3 أدوار) الإنشاء بالطوب الأحمر أو الحجر أو الخرسانة .
ج-الامتداد المتناثر فوق الأراضي الزراعية خارج الحيز العمراني : والذي ظهر في فترة الثمانينات متناثرا فوق الأراضي الزراعية على جانبي المداخل الرئيسية والثانوية والطرق الإقليمية بين القرى وبعضها ، وهو نمط بنائي حديث ذو ارتفاعات وعمائر ومواد بناء من الخرسانة وقد تظهر الفيلات والمباني الحديثة
ومن ثم تداخلت ثلاثة أنماط للكتلة البنائية والتشكيل العمراني ( نمط قديم متدهور بصريا وإنشائيا ويمثل ما يقرب من نصف المسطح المبني بالحيز العمراني ، ونمط بنائي شبه حديث يمثل نموذج الإحلال بكتلة النواة القديمة والامتدادات الإشعاعية خارجها ، ونمط بنائي حديث يتناثر حول محاور المداخل والطرق وكذلك في منطقة الامتداد الإشعاعي خارج الكتلة القديمة مما تسبب في إفراز طابع بصري متنافر ومتدهور تتداخل فيه أنماط البناء والتشكيل العمراني.
3/2- تحديث المسكن والطابع المعماري:
وتبعا للمتغيرات الاقتصادية والثقافية وتحول القرية إلى النمط غير التقليدي (لا هو بالريفي ولا هو بالمتحضر) الذي تتزايد معدلات استهلاكه واعتماده على المدينة بعد أن كانت دوائر إعالته تشمل سكانه وسكان الحضر ، ظهرت أنماط حديثة من المسكن ليس في طرق الإنشاء ومواد البناء فحسب وإنما في التصميم الداخلي والخارجي مما أدى إلى تقلص الوظيفة الإنتاجية على حساب الفراغات الاجتماعية ، فعلى مدى 65 عاما من عمر المسكن الريفي ( 25-1990) استحدث ما يزيد على ثلث عدد مباني القرية وتم إحلال ما يقرب من 25% من جملة عدد المباني القديمة مما أدى إلى غياب الطابع المعماري التقليدي المتميز بالتجمعات الريفية المصرية .
3/3- البيئة والموارد الطبيعية:
أثمرت عمليات النمو العمراني العشوائي في القرن العشرين على إهدار وتدمير الموارد الطبيعية القابلة للنفاذ وأبرزها انحسار الأراضي الزراعية وتلوث البيئة الفيضية المرتبطة بنهر النيل بمعدلات متزايدة ، فقد أصبح نصيب الزراعة من إجمالي الناتج المحلي تبعا لإحصاء الفاو والبنك الدولي لعام 1999 (16%) بعد ان كانت (18%) عام 1980، كنتيجة مباشرة للامتداد العشوائي وعمليات التجريف وغياب العمالة الزراعية ، كما أدى تحديث المسكن الريفي وتحول الفلاح عن تدوير وإعادة استخدام مخلفات المنازل والحظائر والأراضي الزراعية إلى غياب الأسمدة العضوية وتراكم المخلفات داخل المساكن أو بالترع والمصارف أو حرقها مما أدى إلى تلوث الهواء والمياه والبيئة بدرجات خطيرة.
3/4- التغيرات الاجتماعية والاقتصادية:
انحسار فرص العمل بالقرية المصرية تبعا للتحولات السابقة وتكثيف عمليات الهجرة المستمرة والمتزايدة للمدينة، وماتبعه من تزايد المجتمعات الفقيرة ، فضلا عن اتساع أنماط التحول الاجتماعي ، وتفشي ظاهرة عدم الانتماء خاصة بين الشباب ، كما ارتفعت معدلات الكثافة السكانية عامة ومعدلات التزاحم خاصة بالكتلة القديمة بالقرية لتزداد تدهورا وفقرا ، وقد بلغت نسبة العاملين في مجال الزراعة إلى إجمالي قوة العمل طبقا لإحصاء منظمة الفاو والبنك الدولي لعام 2000 (33%) بعد أن كانت (57%) عام 1980 .
3/5- ثقافة المجتمع:
لقد تداخلت العديد من الثقافات الوافدة والغريبة على المجتمع الريفي مما كان له العديد من المظاهر والتحولات السلبية في نمط المعيشة والقيم السلوكية والعادات والتقاليد وفقدان الهوية المجتمعية والانتماء وما كان لذلك من المردود السلبي على البيئة العمرانية والطبيعية بالقرية المصرية ، وكذلك المشكلات الاقتصادية والاجتماعية يعاني منها الريف المصري منذ منتصف القرن العشرين وإلى الآن 0وفي إطار الوضع الراهن كان لابد من دراسة التوجهات العالمية والتجارب المناظرة لتنمية المجتمعات الريفية خاصة دراسة أسس التحولات العالمية صوب استدامة القرى الريفية في دول العالم الثالث .
4- التنمية المستدامة للقرية المصرية : طرحان للتنمية:
وفي إطار الضغوط الهائلة التي تشكلها عمليات التنمية الحالية بسلبياتها البيئية والعمرانية وخصائص الكتلة العمرانية ( نمو سريع /كثافة مرتفعة/سوء توزيع وتداخل للأنماط ) في الحيز العمراني المتاح ، كان لابد من اختلال التوازن الاقتصادي الاجتماعي البيئي ، ومن ثم كان هناك طرحان لمداخل التنمية المقترحة :
*- إعادة تخطيط الكتلة العمرانية الحالية داخل الحيز المساحي لها وتنظيم استخدامات الأراضي وأنماط الإسكان
*-استحداث تجمعات عمرانية جديدة لتفريغ واستيعاب الزيادة السكانية والمتراكمة والنمو العمراني المستقبلي
ومما لا شك فيه أن المجتمع الريفي بصفة خاصة والمجتمع المصري بصفة عامة في حقبة زمنية حرجة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين يعاني فيها كما من الأزمات والمشكلات المتراكبة شديدة التعقيد اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا، وتعد العقود الأولى من بداية ذلك القرن مرحلة انتقالية للتحول الإنساني والمجتمعي .
وتهدف استراتيجية المرحلة الانتقالية لتحول المجتمعات الريفية المصرية صوب الاستدامة إلى :
أ-تحديد مناطق التفريغ السكاني ذات الكثافات المرتفعة والتي تعاني من الإجهادات البيئية ومعدلات الإهدار المرتفعة .
ب-إعادة تخطيط استخدامات الأراضي داخل الكتلة العمرانية لتدعيم استخدامات اقتصادية إنتاجية أو استحداثها لتحقيق الاكتفاء الذاتي للقرية والتحول إلى القرية المنتجة وتبني فكرة القرى البيولوجية /الطبيعية Bio-Villages .
ج-تنمية القدرة الاستيعابية للمجتمعات الريفية بدون إهدار لمزيد من الأراضي الزراعية مثل التنمية العمرانية الرأسية داخل الحيز العمراني المتاح دون أدنى مردود سلبي .
د-استحداث تجمعات عمرانية ريفية جديدة لاستيعاب الزيادة السكانية وتبني فكرة القرى صديقة البيئة Eco-Villages 0
4/1- إعادة تخطيط الكتلة العمرانية الحالية في إطار الاستدامة:
ترتبط سياسات تخطيط وتطوير الكتلة العمرانية بالقرية المصرية بثلاث محددات أساسية هي :
*- الرقعة الزراعية وشبكات الري والصرف ( المحددات البيئية )
*- الكتلة البنائية : الاستخدامات السكنية والخدمات ( المحددات العمرانية )
*- النشاط الاقتصادي ( المحددات الاقتصادية )
وفي إطار أهداف التنمية المستدامة والفكر العالمي لنموذج القرى البيولوجية / الطبيعية Bio-Villages والمحددات السابقة وسلبيات الوضع الراهن للقرية المصرية ، فإن سياسات تنمية الكتلة العمرانية القائمة للتجاه صوب الاستدامة تتم من خلال خمس محاور متكاملة هي :
4/1/1- تخطيط الأراضي الزراعية :
و تعتمد على مساحة الزمام وتوزيع الملكيات على القطع والأحواض ، وتصنيفها إلى فئات ( مزارع عائلية أقل من 5 أفدنة / مزارع تعاونية 5-20 فدان / مزارع كبيرة أكثر من 20 فدان ) ، وكذلك نوعية وجودة الأراضي الزراعية لتحديد عدد العمالة اللازمة ونوع الأنشطة الاقتصادية المصاحبة والمرتبطة بنوع وجودة الانتاج للأراضي الزراعية ، ومن ثم تقييم العمالة والأنشطة الحالية وتحديد فرص العمالة والأنشطة المستجدة .
4/1/2- تنمية الكتلة البنائية:
وتبدأ بتحديد حالة المباني التي تقع داخل الحيز العمراني للقرية بإجراء عمليات الرصد العمراني والاجتماعي الكاملة والشاملة وكذلك فئات الإسكان ، وتوضيح مناطق التفريغ الأولى والخلخلة ومناطق الإزالة والإحلال ، والمناطق ذات الإمكانية أو القدرة الاستيعابية للتنمية الرأسية ، وكذلك تحديد مواقع التراث القديم ذات الخصائص المتميزة في الشكل والتشكيل والنسق المعماري التقليدي للحفاظ عليها وصيانتها واستخدامها في تنمية وصياغة نماذج التحديث والطابع المعماري المستجد .
4/1/3- تطوير شبكة الطرق والفراغات الخارجية:
وذلك برصد شبكة الطرق والمسارات الحالية وتصنيفها من حيث الملاءمة الوظيفية والبيئية وإمكانيات استيعاب التنمية الرأسية المقترحة ، وتحديد مواقع الأراضي الفضاء وغير المستغلة لاستخدامها في تدعيم الفراغات المفتوحة بالقرية وإنشاء بعض الميادين والساحات لتنمية الاحتياجات الترفيهية والاحتفالية والخدمية وتنمية القدرات البشرية للمجتمع .
4/1/4- تدعيم القاعدة الاقتصادية : مواجهة الفقر:
دراسة الأنشطة الحالية بالقرية وتقييمها من حيث الكفاءة الاقتصادية والملاءمة البيئية وتصنيفها إلى أنشطة متوافقة بيئيا يمكن تنميتها وتدعيمها ، وأنشطة غير متوافقة يجب إزالتها أو نقلها خارج الحيز العمراني ، وكذلك إحياء الحرف التراثية الأساسية بالقرية والتي تعتمد إما على الطاقة الإنتاجية الزراعية بالقرية أو القدرات البشرية الإبداعية ، واستحداث مشروعات إنتاجية جديدة لخلق فرص عمل ورفع مستويات الدخل خاصة للقطاع الأكثر فقرا من السكان مع تنمية برامج تدريبية قادرة على بناء قدرات محلية للسكان لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنمية مصادر الدخل .
4/1/5- التنمية البيئية:
وذلك برصد مظاهر التلوث البيئي سواء في الكتلة البنائية للقرية أو في الموارد الطبيعية المتاحة بها ، وخاصة المشاكل المتعلقة بالتخلص من النفايات الصلبة الناتجة عن المنازل أو الحظائر أو الأنشطة الحقلية القائمة ، ودراسة مشروعات تطهير الترع وردم المصارف ومردودها على البيئة ، وإعادة استخدام تلك النفايات كبدائل تقليدية لمصادر الطاقة اللازمة للأنشطة الأساسية بالقرية ، وكذلك نشر برامج تدريبية متخصصة للتعليم البيئي والتعليم لأجل التنمية المتواصلة
4/2- تخطيط وتنمية مواقع جديدة لتطبيق نماذج محلية للقرى المستدامة :
مع استمرار الأوضاع الراهنة في التجمعات الريفية المصرية كان لابد من إيجاد مواقع جديدة لاستيعاب الزيادة السكانية ولخلق فرص عمالة لتنمية مصادر الدخل وحل مشكلة الفقر والتدهور البيئي بالقرية المصرية ، ولعل إشكالية اختيار المواقع الجديدة هي الركيزة الأساسية للانطلاق نحو تطبيق مجتمعات متواصلة بيئيا وثقافيا واقتصاديا ، وهناك بديلان لاختيار المواقع المستحدثة للقرى المستدامة :
4/2/1- القرى المستدامة كامتداد للتجمعات الريفية القائمة:
وتصمم تلك المواقع الجديدة كمواقع خدمية للقرية الأصلية بهدف استيعاب الزيادة السكانية بمواقع التفريغ العمراني المحددة أو المواقع المتدهورة إنشائيا وبيئيا أو استيعاب العمالة المستجدة للأنشطة الحالية والمستهدفة ( الزراعية – الحرفية – السياحية – الصناعات الصغيرة ...لخ ) والمراد تنميتها داخل الحيز العمراني للقرية أو في المزارع المستجدة أو الأراضي الزراعية القائمة بهدف رفع إنتاجيتها ، ومن ثم أن تشكل القرى المستدامة في هذه الحالة قرى نموذجية للعاملين في القرية القديمة ، وبذلك يكون تحديد المواقع الجديدة المتاخمة للقرية القديمة تبعا للدراسات العمرانية والبيئية لعمليات الرصد والمسح الشامل للقرية وكذلك في إطار الشبكات الحالية للطرق الإقليمية بين القرى وبعضها ، وقد تصمم القرى المستحدثة لتشكل مواقع خدمية لأكثر من قرية قديمة خاصة في حالات القرى الريفية المتلاحمة المنتشرة في مصر كما هو الحال في بني سويف والغربية وغيرها .
4/2/2- القرى المستدامة كبؤرات منفصلة للتنمية المستدامة:
ويتم اختيار المواقع الجديدة للقرى المستدامة حيث الموارد الطبيعية أو الثقافية المتاحة بالبيئات الريفية أو الصحراوية أو الساحلية ، وتخطط تلك المواقع أساسا لتحقيق وتطبيق نماذج محلية حديثة للقرى المستدامة تعتمد على استخدام التكنولوجيا الحديثة في خلق مجتمعات عمرانية صغيرة تتبنى نموذج القرية صديقة البيئةEco-Villages بحيث توفر ركائز اقتصادية ذاتية بالمجتمع من خلال إعادة توظيف للنظام البيئي والحفاظ على التنوع ، كما تعمل تلك القرى على تشجيع الهجرة الداخلية من المناطق الريفية أو الحضرية التي تعدت فيها معدلات الكثافة السكانية كل المؤشرات المحتملة ، وكذلك توفير الآلاف من فرص العمالة لتنمية مصادر الدخل وتحقيق الاكتفاء الذاتي وفتح أو إقامة أسواق جديدة والاتصال بالأسواق الدولية والعالمية.
الخلاصة والتوصيات:
إن الجهود العالمية المبذولة في الآونة الأخيرة نحو ترسيخ مبادئ التنمية المستدامة خاصة بالمجتمعات الريفية بدول العالم النامي لمحاربة ثنائية الفقر والتدهور البيئي ، لتؤكد أن عوامل نجاح التنمية المستدامة ( أو ما يطلق عليه خبراء الاقتصاد Strong Sustainability ) إنما يرتبط بالتحول الإيجابي نحو التكنولوجيا الآمنة بيئيا والمجزية اقتصاديا والعادلة اجتماعيا من خلال الاستثمار الواعي والمتزن للأنشطة الإنسانية في إطار الطاقة الاستيعابية للنظم البيئية والثقافات المحلية ، وعلى المستوى المحلي إن عمليات إعادة تخطيط وتنمية القرية المصرية إنما يحتاج إلى إعادة صياغة لأسس الاستدامة والتواصل لتحديد الأهداف والاستراتيجيات الأساسية لمواجهة تحديات الوضع الراهن وأزماته في البيئات الريفية والحضرية على السواء ، وتوصي الورقة البحثية بما يلي :
1- أهمية تسجيل وتوثيق الوضع الراهن للقرى المصرية وتصنيفها إلى فئات تبعا للحالة البيئية والعمرانية والاقتصادية لتحديد المناطق ذات الأولوية الأولى للتدخل الفوري .
2- دراسة المفاهيم العالمية الحديثة ومراجعة أهميتها للتنمية الريفية بالقرن الحادي والعشرين مثل مفاهيم القرى المستدامة و الزراعة صديقة البيئة والإسكان صديق البيئة وغيرها ( Sustainable Villages , Eco-Farming ,
Co-Housing , Bio-Villages , Eco-Villages ) وتقييم نماذج التطبيق والتجارب الدولية المناظرة في الدول النامية.
3- التواصل مع الشبكات الدولية والعالمية للبرامج المعنية بقضايا تنمية المجتمعات الريفية وتنظيم دورات تدريبية وتنسيق تعاون دولي لاكتساب المهارات والتقنيات الفنية والإدارية اللازمة .
4- نشر التعليم البيئي والتوعية العامة للمجتمعات المحلية خاصة الريفية والنائية للمشاركة في عمليات التنمية المستدامة وتوجيه السلوكيات العامة وأنماط الحياة المتوافقة مع البيئة .
5- دراسة الأسس التخطيطية والتصميمية والهياكل التنظيمية والإدارية لتطبيق السياسات المقترحة لتنمية الريف المصري سواء مشروعات إعادة تخطيط الكتلة العمرانية الحالية في إطار الاستدامة أو استحداث مواقع نموذجية محلية للقرى الصديقة للبيئة .
6- توجيه المنظمات غير الحكومية ورجال الأعمال لمجابهة قضايا البيئة والتنمية في المجتمع المحلي ، وتبني مشكلات الفقر بالمناطق الحضرية والريفية لتدعيم المشروعات الصغيرة المتوافقة بيئيا وتنمية مصادر الدخل .

Admin
Admin
المدير
المدير

عدد المساهمات : 972
نقاط : 2426
تاريخ التسجيل : 09/11/2011

https://chemamin.forumalgerie.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى